دستور مصر.. استفتاء بطعم الانتخابات
14 صفر 1434
علا محمود سامي

لم يكن تمرير مشروع أول دستور في مصر بعد الثورة، بمثابة استفتاء على وثيقة مبادئ لعقد اجتماعي بين أبناء الوطن وفقط، ولكن كانت له دلالات كبيرة، وخاصة بعد صعود الإسلاميين ذات دلالات كبيرة، وحالة الهياج التي صار عليها معارضيهم، جراء هذه الصعود.

 

أولى هذه الدلالات أن قوى المعارضة المزعومة رفعت سقفها منذ بداية اعتراضها وتناقض مواقفها مع الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الدكتور محمد مرسي قبيل نهاية شهر نوفمبر الماضي، عندما نادت بإسقاطه،وحشدت لذلك الشارع، إن لم يكن تهييجا له ، لاتزال آثاره قائمة في الاعتصام بميدان التحرير في وسط القاهرة ومحيط القصر الرئاسي بضاحية مصر الجديدة.

 

قوى المعارضة المزعومة جعلت بهذا الاستقطاب والحشد من الاستفتاء متجاوزا لدوره في اقتراع المصريين على هذه الوثيقة، وجعله بمثابة حالة انتخابية، تعكس مدى شعبية الرئيس مرسي من ناحية ، والإسلاميين الداعمين له من ناحية أخرى، عندما سعت ما تسمى بجبهة الإنقاذ الوطني إلى تشويه صورة الرئيس والتيار الإسلامي بمختلف فصائله في آن، وحاولت بوسائل افتقرت لكافة أشكال الخصومة السياسية التشهير بهم جميعا، ما جعل الاستفتاء بمثابة اقتراع على شعبية الرئيس والداعمين له ، فضلا عن مشروع الدستور ذاته.
وأمام حالة الترقب التي لم تكن تقل عن حالة الاستقطاب ذاتها التي يشهدها الشارع المصري بفعل شيطنة القوى العلمانية والليبرالية للتيار الإسلامي، كان الجميع مترقبا لنتيجة الاستفتاء، إلى أن قال المصريون كلمتهم بتأييده ، وهو ما اعتبر تجديدا في شعبية الرئيس من ناحية، وعدم استجابة الرأي العام لمحاولات تشويه الإسلاميين من ناحية أخرى.

 

ولم تكن هذه النتيجة وثمارها فقط، بل إنها عززت من شعبية الرئيس مقارنة بالانتخابات الرئيسة بنحو 30%، وهو ما عكسته نتائج المحافظات التي أعلنت من خلال نتائجها بوضوح دعمها وتأييدها للاستفتاء، وهو ما كان مخيبا لآمال المعارضة المزعومة التي كانت تراهن على أن تكون النتيجة خلاف ذلك ، فيسقط مشروع الدستور، ومن ثم شعبية الإسلاميين والرئيس.

 

على هذا النحو كان يطمح الطامحون في المناصب من قوى المعارضة ، إذ كانوا لاينظرون إلى مشروع الدستور وفقط على أنه يخالف قوانين ومواثيق دولية تجافي أعراف المصريين وتقاليدهم، فضلا عن تعطيل تحيكم الشريعة الإسلامية وإعادة الانتخابات الرئاسية ، ولكنهم كانوا يسعون إلى تعطيل مسار الاستحقاق الرئاسي ذاته، وإفشال الإسلاميين في سدة الحكم، عن طريق وئد التجربة الإسلامية في مهدها، قبل أن تشيد لبنة من لبنات أهداف ثورة 25 يناير، أو تحقيق مشروع النهضة الذي كان يرفعه الدكتور مرسي أثناء سير الانتخابات الرئاسية.

 

لذلك كان يتم النظر إلى الاقتراع  على أنه ليس استفتاء على وثيقة لتشكيل عقد اجتماعي بين المصريين وفقط، ولكن على أنه وسيلة انتخابية جديدة يستدل بها على مدى استحقاق وجدارة الإسلاميين في الاحتفاظ بحضورهم في الشارع المصري من عدمه. غير أنه ولكون قوى المعارضة كانت تدرك دائما حضور الإسلاميين على الأرض، فقد حاولت بقدر ما تستطيع ، بل بكل ما تمكنت به من قوة مادية ومعنوية إفشال هذا الاستفتاء، إلا أنها لم تنجح في ذلك مطلقا، ويحق القول بأن الإسلاميين أفشلوا كافة مخططاتهم بفض الله تعالى، وبدعم الشعب المصري، على الرغم من حجم ما كان يخطط وما تم البوح به من مخططات ومؤامرات لقتل واختطاف الرئيس ، أو عزله من منصبه وحل الكيانات الدستورية والتشريعية المنتخبة، وهو ما كان لكل هذه المخططات من تداعيات وصلت إلى حصد 10 من أرواح الشباب الإسلامي وآلاف الجرحى، خلاف حصار مسجد القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية، ومحاولات الاعتداء على إمامه فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي، علاوة على التداعيات الراهنة جراء حالة تهييج الشارع، على نحو الاعتصام  القائم حاليا في ميدان التحرير ومحيط القصر الرئاسي، وهو الاعتصام الذي لايمكن بحال قياسه بأشكال الاعتصام المعروفة بسلميتها وأخلاقها، إذ أنه لا يزال يفتقر للسلمية والأخلاق بشكل عام.

 

الكلفة العالية التي دفعتها مصر ولاتزال تسددها جراء طرح هذا الاستفتاء انعكست على الأوضاع الاقتصادية في البلاد بدرجة عالية، وهو الأمر الذي استحسنته المعارضة ، بل وراحت تعمل على تدويل أزماتها مع الرئاسة والإسلاميين، عبر استدعاء لقوى أجنبية للتدخل في الشأن المصري، والاستقواء بهذه القوى ، بل ومحاولات التصريح بصورة أو بأخرى بإعادة الجيش للمشهد السياسي، في مخالفة صريحة لما كانت تنادي به هذه القوى إبان إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية بإنهاء حكم العسكر، وإقامة دولة مدنية، وهو ما عمل عليه مرسي بعد أقل من شهرين من توليه منصبه ، عندما أطاح بسلطة العسكر الموازية له، للدرجة التي جعلت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يصرح بأن الرئيس مرسي عمل على إنهاء حكم العسكر في أقل من شهرين من حكمه، في الوقت الذي تحاول فيه بلاده أن تفعل الشئ ذاته منذ 60 عاما.

 

غير أن هذا الجهد الذي عمله مرسي لم يكن يلقى ارتياحا في صفوف المعارضة المزعومة ، التي حشدت وأنفقت بتمويل سياسي داخلي وخارجي لتحقيق هدفها الأبرز ، وهو إسقاط الرئيس وتشويه الإسلاميين، فلم يكن الهدف هو الدستور، ومزاعم عدم التوافق عليه، فالهدف كان واضحا منذ البداية ولازال وهو تعطيل المسار بأي حال.

 

ولهذا الهدف رفعت قوى المعارضة شعارات مزعومة بدعوى تحقيق الاستقرار وحماية الأرواح، وهى في الحقيقة وعلى الأرض كانت تحدث ضجيجا وحراكا أدى إلى حصد الأرواح وانهيار الاقتصاد ، والسعي إلى هدم مؤسسات الدولة المصرية ، للدرجة التي جعلت استاذ العلوم السياسية معتز بالله عبد الفتاح ليصرح بأن "في مصر معارضة لو كانت في إسرائيل لدمرتها"، وقول الداعية الكويتي الشيخ نبيل العوضي في حساب منسوب له على "تويتر" بأنهم "لو أنفقوا عشر ما أنفقوا لإسقاط مرسي لتحررت سوريا من زمن"، في إشارة إلى حجم إنفاق المعارضة المصرية في الداخل على إسقاط الرئيس.

 

وبإحداثها للاضطراب الأمني وادعائها للممارسة الديمقراطية، فلم تلتزم بقواعدها، وتوعدت لإسقاط الدستور الذي أقره المصريون بإرادتهم الحرة، وأكدت أن هذا الإسقاط سيكون بأشكال عدة، لم تذكرها ولم تصرح بها، غير أنه سبق وفعلته على الأرض بتهييجها للشارع، حتى العصيان الذي دعت إليه، فشل في مهده، عندما تم إحباط محاولات لتعطيل مرافق عامة لإحداث العصيان، ما جعل المعارضة لاتخرج عن سلميتها وفقط، بل وتفقد جميع وسائلها لتحقيق أهدافها، بعدما رفعت سقف مطالبها، وتجاوزت عن حدود المطالب المشروعة، ففشلت في تحقيق جميع ما نادت به، ولم يعد لها سوى أن تنحاز إلى إرادة المصريين، بعدما كان استفتاء المصريين على فشلها ونجاح غيرها.