دبلوماسية سفيرة الملاكمة التى نكست علم مصر
25 صفر 1434
أمير سعيد

يعلم الجميع أن شيخ الأزهر الراحل د.محمد سيد طنطاوى حينما مات أواخر عهد مبارك لم تعلن الدولة الحداد على وفاته، وبالتالى ظلت أعلام مصر ترفرف فوق مؤسساتها الرسمية، بينما حين توفى البابا شنودة أعلن المجلس العسكرى الحداد ليوم واحد، و"اجتهد" السفراء فى التعاطى مع مسألة الحداد؛ فكان أن نكس البعض العلم المصري، وأحجم البعض، وكانت السفارة الوحيدة ـ تقريباً ـ فى العالم التى جاوزت فيها حدود الأعراف فى ذلك، هى السفارة المصرية بقبرص، حيث "اجتهدت" السفيرة المصرية بنيقوسيا منحة باخوم فنكست العلم المصرى لمدة خمسة أيام كاملة! (مع أنها "اجتهدت" أيضاً فحضرت احتفالاً كرنفالياً فى ليماسول ارتدت خلاله الملابس الفرعونية وأجبرت حراسها على ارتدائها فى مشهد مثير للضحك أثناء حداد المصريين على ضحايا مذبحة بورسعيد قبل عام، وفى الوقت الذى كانت فيه الفرق الرياضية الكبرى فى العالم كريال مدريد وبايرن ميونيخ ترسل تعازيها لأهل مصر وتقف قبل المباريات دقيقة حداد على ضحايا المذبحة التى راح ضحيتها أكثر من سبعين شخصاً وجرح ما يزيد عن ثلاثمائة جريح).
 

 

يبدو أن "اجتهادات" الخارجية المصرية كثيرة، ولديها "مرونة" عالية فى تعاطيها مع المصالح المصرية من جهة، ومع سلوك ممثليها فى الخارج من المسئولين والسفراء الشخصيين من جهة أخرى، والسفيرة منحة باخوم، ممثلة مصر الدبلوماسية من النماذج التى لم تعر الخارجية المصرية لتصرفاتها لها بالاً، ولم تلتفت كثيراً إلى مواقفها الشخصية والرسمية.
 

 

قبل أيام، انتشر على موقع يوتيوب مقطع يمثل فضيحة دبلوماسية لمصر بعد أن صفعت السفيرة شرطية قبرصية أثناء مشادة مع سلطات المطار فى العاصمة القبرصية، وبرغم أن المسؤولين القبارصة قد قدموا اعتذاراً للسفيرة إلا أن فكرة لملمة الحادثة التى استعرضت فيها السفيرة عضلاتها فى حل مشكلة ظرفية، من طرف السلطات القبرصية لا يعنى أن ما فعلته السفيرة هو أمر مشرف للدبلوماسية المصرية التى لم يعرف تاريخها العريق وسائل مثل الصفعات واللكمات التى مارستها السفيرة للتعبير عن رأيها واعتراضها على سلوك جهات رسمية تمارس عملها الوظيفي.
 

 

هذا الأمر، يجعل مسألة التحقيق مع السفيرة، ومراجعة ملفها الوظيفى قضية حتمية، أو هكذا ينبغى أن يكون؛ فكون السلطات القبرصية قدمت اعتذاراً رسمياً فهذا لا يعنى صحة مسلك السفيرة، وإنما يعكس رغبة حكومية قبرصية فى عدم ترك الأمور تسير باتجاه الأزمة أو التفاقم، وهذا له عدة تفسيرات، إما أن السلطات تشعر أن السفيرة مخطئة لكن موظفى المطار تجاوزوا الحدود اللائقة، أو أن الحكومة القبرصية لا تريد تصعيد الموقف مع مصر فى هذا التوقيت الذى يتحدد فيه مصير ملف ترسيم الحدود المصرية / القبرصية.. أو أن السلطات القبرصية تود بقاء السفيرة فى منصبها! 

 

 
لقد تردد منذ فترة أن الحكومة القبرصية قد غضت الطرف عما قيل إنه عملية غسيل أموال تجرى لحساب نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك عبر نشاطات فى نيقوسيا، وترددت أنباء عن أن شخصيات مصرية ربما تورطت فى عملية الغسيل هذه.. 
 

 

كما تردد أيضاً، أن شخصية مصرية بارزة بالعاصمة القبرصية كانت "متحمسة جداً" لإنجاز تفاهم مصري / قبرصى حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يخدم "إسرائيل" وقبرص على حساب مصر، ويمكنهما من قضم الجزء الأكبر من كعكة الغاز الذى تم اكتشاف كميات هائلة منه بالقرب من الحدود الشمالية المصرية (غير بعيد عن مدينة دمياط الساحلية)، وأن هذه "الحماسة" بلغت حد الإلحاح على الخارجية المصرية بغية توقيع اتفاق الترسيم دون المرور على مجلس النواب المصرى الذى لم يكن موجوداً لمعظم الوقت فيما بعد الثورة المصرية. 
 

 

هذه "الأقاويل" بحاجة إلى تدقيق بالغ من الخارجية المصرية؛ فسطوة "الفلول" لم تزل قوية جداً فى هذه الوزارة العتيدة، ومراقبة مواقف وممارسات مسئوليها والشخصيات التى تمثل مصر بصورة رسمية أو غير رسمية بالخارج لاسيما فى دول صغيرة، عرفت بدأبها على القيام بوظائف "خدمية" لـ"الهوامير" الكبرى فى العالم، ومعبراً لعمليات غسيل الأموال والتهريب وغيرها، وأوكاراً لأجهزة الاستخبارات العالمية، هى أمور لابد من أن تكون موضع اهتمام كبير من الوزارة فى مرحلة تطهير مصر بالداخل والخارج من الفساد.
 

 

بالعودة إلى السفيرة، وحادثة اعتدائها على الشرطية، وحتى لا تجير باتجاه "الكرامة الوطنية"، ويتم اختزالها من هذه الزاوية؛ فإن الوزارة مدعوة للتحقيق ليس فى تلك الحادثة وحدها، بل فى العديد من الشكاوى الواردة من الموظفين الذين عملوا تحت إدارة السفيرة، والذين أجمعوا بلسان شكواهم على أن السفيرة تتعامل بقدر من "العسكرية" وليس "الدبلوماسية" للحد الذى ضج معه بعض العاملين القبارصة أنفسهم فى السفارة من ممارساتها غير الدبلوماسية.. فالمعلومات المتوافرة من العاصمة القبرصية تتحدث عن إضراب بعض العاملين بالسفارة عن الطعام إلى الحد الذى نقل بعضهم على إثره إلى المستشفى لاحتجاجهم على طريقة معاملة السفيرة.

 

 
بقى أن أقول فى النهاية: وزارة الخارجية كسائر وزارات مصر بحاجة إلى إعادة النظر فى كثير من واجهاتها وكبار مسئوليها، والتدقيق بشأن المعايير التى اختير عن طريقها هؤلاء العاملون، فمن حق الجميع أن يعرف فى ظل شفافية يوفرها الدستور الجديد: ما مسوغات تعيين أمثال هذه السفيرة؟ أهى الكفاءة أم الأقدمية؟ أم العلاقة برموز النظام السابق؟!  
 

 

الأهم من ذلك، وفى ظل الشفافية التى نتطلع إليها، من واجبنا أن نعرف تحديداً وقد لمسنا هذه الغضبة الثائرة من السفيرة واعتزازها بنفسها، وهى على رأس دبلوماسيتنا فى عاصمة يُتآمر فيها ضد مصر، ويُسعى فيها لنهب كنوز مصر، وتقليص حدودها الدولية، ما هى جهودها من أجل الحفاظ على ثروات مصر، ومنع تهريب أموالها من رجال النظام السابق عبر قبرص؟ أى موقف اتخذته: الصمت أم المساهمة أم الممانعة؟ وهل تلقى المتآمرون ضد مصر هناك صفعة بيد مصرية تثأر لمصر / الوطن والانتماء؟ أم أن الأمر اقتصر على الغضب للذات؟!
 

 

نسأل، ونحن ندرك أن السفيرة مخضرمة وتشغل منصبها منذ فترة طويلة جداً، جديرة بأن تسبر أغوار العاصمة المضيفة، لاسيما من خلال سفارة وافرة العدد على نحو لافت، يستدعى أن تكون فى صدارة المنافحين عن مصر ومصالحها..
 

Amirsaid_r@