"أبطال السنة..الله يحميهم"
30 ربيع الأول 1434
أمير سعيد

أعمارهم ليست كبيرة، فالسائد هاهنا في ساحة الأحرار بالموصل هم من الشباب صغير السن، معظمهم كان صغيراً عندما كانت الفضائيات تبث الصورة المؤلمة.. دبابة أمريكية رابضة على جسر دجلة بغداد، تؤكد بما لا يدع مجالاً لشك أن العاصمة العراقية قد سقطت في أيدي الغزاة.. الجميع كباراً وصغاراً استشعر المرارة إلا طائفة كانت تنتظر بشوق هؤلاء الغربيين الذين وعدوهم بتسليم الحكم إلى مراجعهم وسياسييهم..

الأطفال الذين سرق الغزو ابتساماتهم، صاروا اليوم يافعين يزأرون في ساحة الأحرار في قلب الموصل، درة الشمال العراقي.. "أبطال السنة.. الله يحميهم"..

عشر سنوات مرت، أو تكاد، على هذه الفاجعة، سقوط بغداد في قبضة الأمريكيين والبريطانيين والإيرانيين.. استدار الزمان؛ فإذا الروح لم تمت، والأنفاس لم تنقطع؛ وإذا الهمسات هديراً، والصمت زئيراً.
في كل ربوع السنة بالعراق تتفجر الثورة، والجرأة التي وفرها "الربيع العراقي" مثلما يطلقون عليه لا يمكن تذويبها بسهولة، فاليوم لا مقاومة مسلحة يقوم بها الآلاف، بل مظاهرات سلمية تحشد عشرات الآلاف فيها، والعدد مرشح للازدياد، ولا مبرر أمام رئيس الوزراء نوري المالكي لوصمها بـ"الإرهاب" أو "التخريب"، ولا يمكن أيديولوجياً دمجها بـ"الوهابية"؛ فالتحدي الآن رهيباً بالنسبة لعصابة المالكي ومراجع الحوزات، صحيح أن المتوقع أن يعمد الجاني حينما يستشعر الخطر إلى سلاحه الأقرب الذي يألفه ويأنس إليه، وهو هنا سلاح القمع، الذي لم تعرف "فرق الموت" التي أشرف عليها دوماً الإيراني قاسم سليماني، وأسسها مواطنه جبر صولاغ، وغيرهما، لكن هذا السلاح تمت تجربته في سوريا فأثبت فشله لحد الآن، والأمر يتطلب من القادة "دهاء فارسياً" مختلفاً..

لكن، أتتوفر خيارات عديدة للظالمين؟ تقول صحيفة إندبندنت البريطانية (10فبراير الحالي): " إن الدرس المستفاد من التاريخ العراقي المعاصر هو أن القوة وحدها لا يمكن أن تحكم العراق ذا الطوائف العرقية المتعددة، لذا فمن ليس من الممكن أن تنجح حكومة المالكي،فيما فشل فيه الرئيس الراحل صدام حسين والولايات المتحدة،لاسيما في ظل ضعف سيطرته على العراق فنصف البلاد يقع تحت سيطرته الكاملة فقط"، وتخلص إلى القول: "الاعتقاد الأصح هو أن البيئة الدولية قد تغيرت لصالح السنة في العراق وضد الشيعة وضد إيران".

نعم، إن البيئة قد تغيرت، غير أن هذا لا يعني مطلقاً أن الغرب قد أضحى في صف السنة للمرة الأولى؛ فتجاهله التام للمظاهرات، وتحديداً على الصعيد السياسي، حيث لم يصدر أي تعليق من كبريات العواصم الغربية على قمع المظاهرات حتى الآن، ولا على وجودها بالأصل، يعني أن واشنطن ولندن تحديداً يدركان أن هبة السنة ليست في صالحهما، وأنهما قد يرغبان بتغيير المالكي، ولكن ليس برئيس حكومة سني (ربما علاوي أو من على شاكلته).. يقتصر الأمر حتى الآن على تعليقات الصحف الغربية، وهي شحيحة في تناولها، ومنها مثلاً ما رأته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية (8 فبراير الحالي)، من أن "حركة الاحتجاجات الأخيرة تؤكد انهيار النظام السياسي الشامل الذي تم التوصل إليه خلال عام 2007، والذي تم التأكيد عليه من جديد من قبل تشكيل ائتلاف حكومي بين السنة والشيعة والأكراد بعد الانتخابات البرلمانية في عام 2010".

يبدو الانهيار حاصلاً بالفعل، لكن الأكذوبة التي تسوقها الصحيفة أن ائتلافاً قد حصل بين هؤلاء بالفعل بينة العوار، إذ الحقيقة أن أهل السنة دائماً مهمشون ومضطهدون منذ أن وقفت الدبابة الأمريكية على جسر دجلة قبل عقد من الزمان، وهم اليوم ينتفضون لإعادة حقوقهم السليبة التي هبت لأجلها العشائر السنية، والتي كان بعضها ساكناً مدة طويلة رغبة في حقن الدماء وتحسن الأوضاع تدريجياً؛ فخيب الروم والفرس رجاؤها، فعادت إلى مربع المقاومة السلمية التي يبدو أنها لن تدوم طويلاً، حتى يحيلها المالكي بحماقته ثورة مسلحة كشقيقتها السورية.

واجهة الإيرانيين في بغداد، نوري المالكي، ربما سيوحى إليه بسياسة مشابهة لسياسة جزار دمشق، وهي إن صارت ستكون دموية مدمرة لأنها هذه المرة لن تشبه مرحلة المقاومة المسلحة التي نفذتها فصائل المقاومة المسلحة في منتصف العقد الماضي بالعراق، فلم تكن المقاومة في الحقيقة تحظى بإجماع سني مثلما ستكون عليه المقاومة هذه المرة، وساعتئذ سيكون الحشد العسكري هائلاً من الطرفين.. وستكون ملحمة..

أو لا، فستسعى طهران إلى تخفيف وطأة القهر الطائفي على العراقيين (وهو فعل ضد طبيعتها التسلطية المعروفة) لامتصاص غضبة الجماهير، وتشتيت آرائهم، وهي فعلت شيئاً من هذا فأخفقت؛ فلا إلغاء الفترة الثالثة لرئيس الحكومة قانونياً ولا حزمة الإجراءات الإخمادية ومنها الحوار قد أطفأت جذوة الثورة المستمرة.

إنها خيارات صعبة بالفعل للجميع، وللإيرانيين، الذين يجدون أنفسهم على أعتاب استحقاق انتخابي، وحرب في سوريا، وغليان في الأحواز تحضيراً لذكرى "انتفاضة نيسان"، واستعدادات لمجاهدي خلق، والأقليات.. وللثوار أيضاً الذين قد يواجهون آلة قمعية إجرامية، وتفرض عليهم ضريبة دم فادحة..

لقد مضى عقد على الفاجعة، وفي ذكراها ينتفض الأبطال، ويطير حذاء في وجه بريمر، أفعى الحكم الأمريكي في العراق، ويرتجف أبو رغال الطائفي وحوله الحرس الثوري الإيراني.. في قلب بغداد.