10 جمادى الأول 1435

السؤال

عمري 33 سنة، متزوج، ولدي من الأبناء ستة، أعمل مدرسًا، والديّ على قيد الحياة - حفظهما الله - منذ أربعة عقود تزوج والدي امرأة، ولم يرزق بولد، ثم تزوج ابنة عمه، وطلق الأولى، وكذلك لم يرزق بولد، ثم تزوج الثالثة التي كانت أمي، فرزقه الله ولدًا هو أنا، وبعدها بدأت أمي تشير على والدي بتطليق زوجته لأنها لا تنجب، وتبقى هي وحدها على ذمته، فهي التي جاءت بالولد، لكن أبي لم يكن قادرًا على تطليق زوجته لأنها ابنة عمه، وسوف ينشأ عن تطليقها مشاكل كثيرة، وحاول أن يقنع أمي بذلك لكنها أبت، وبدأت المشاكل تتصاعد بينه وبين أمي، حتى انتهى الأمر بتطليق أمي، ولم أبلغ من العمر ثلاث سنين.
طُلقت أمي ونشأت في كنف والدي، وتحت رعاية زوجته، وشاء الله أن يرزق زوجة أبي بولدين، وأصبح لدى والدي ثلاثة أبناء ذكور، وكانت زوجة أبي بمثابة أم لي بكل ما تحمله الكلمة من معاني وأبعاد.
أعود لأمي ... كان أبي يأخذني لأمي لزيارتها من وقت إلى آخر، وكنت أثناء الزيارة أتعرض لألوان من القهر كثيرة، فما أجد لدى أمي سوى السب والشتم لي ولأهلي، وتحاول أن تزرع الكراهية في صدري لوالدي وزوجته وجدتي وأهلي جميعًا، وتطالبني بالانتقام لها منهم، وهكذا أصبحت وأنا الطفل الصغير أكره كثيرًا أن أزورها، وكنت أبكي كثيرًا عندما يأخذونني لها، وأرفض أن أذهب.
ثم تزوجت أمي من رجل يكبرها ولم تنجب منه، المهم أنني كبرت حتى وصلت الثانوية العامة، وهنا تعرض والدي لأزمة صحية استنزفت قدراته وأمواله، وأصبحنا فقراء لحد كبير، نكاد لا نجد قوتنا، ونجحت في الثانوية العامة، وأردت دخول الجامعة، فلم نجد الرسوم الدراسية، وأوشكنا أن نصرف النظر عن الدراسة، وهنا توجهت لوالدتي طالبًا منها المساعدة فرفضت وأسمعتني كلامًا قاسيًا،
المهم أن أهل الخير تعهدوا بدفع رسوم الفصل الأول، وانتسبت للجامعة، وعلى مدار أربع سنوات، هي فترة دراستي الجامعية، ذقت الأمرين، وذاقه معي أهلي، والدي، وزوجته، من أجل تعليمي، وكان أبي يعلق آمالا كثيرة علي ،ويراني من أعظم الناس. وفي سنتي الجامعية الأخيرة توفي زوج أمي ولم تنجب منه أحدا، وعاشت، في جزء من بيته كميراث لها، ومع تخرجي اندلعت الانتفاضة، فأنا من فلسطين، وانقلبت الأوضاع لدينا هنا في فلسطين، وساءت كثيرا الظروف الاقتصادية، وارتفعت معدلات البطالة، وتقلصت فرص العمل، وهكذا تخرجت وأنا لا أكاد أجد عملا أحصّل منه مصروفي الشخصي، وأراد أبي تزويجي، وكذلك جدتي، وأعمامي، ورغم ظروفنا تزوجت بابنة عمي بمهر قيمته دينار واحد، وقال عمي: هي ابنتكم وتعيش معكم حسب ظروفكم، رفضت أمي هذا الزواج من جذوره، فزوجتي هي ابنة عمي، وتلك عندها مشكلة، فهي تريد لي زوجة غريبة، وزوجتي هي ابنة أخت زوجة أبي، وتلك مشكلة أخرى من وجهة نظرها. المهم أن الزواج تم، وعشت أنا وزوجتي في رعاية والدي، مالنا واحد، نساهم جميعا في نفقات البيت، لا فرق بين مالي، أو مال أبي، أو أخي الذي رزقه الله بعمل، كان مردوده يُنفق على البيت. وكان والدي وزوجته دائما ينصحوني ويحثوني على الذهاب لأمي وزيارتها، وأصبحت أزورها بين الفينة والأخرى، ليس حبًا - وأنا أشعر بضيق لقول ذلك - ولكن من باب البر، وعدم الوقوع في العقوق، رزقني الله بالبنين والبنات، ورغم ظروفي، وعدم قدرتي على توفير أموال تُذكر، كانت أمي تلح علي أن أستأجر بيتًا، يجمعها معي، وأن أترك أبي، وأعيش معها، وللحقيقة، كان يمنعني أمران، أولهما: أنني لم أكن أشعر أبدًا أنها أمي، وثانيهما: ظروفي المادية كانت صعبة لا تسمح باستئجار بيت، وقلت لها: لا أستطيع، فكان سلاحها دائمًا الذي تواجهني به الغضب واللَّعنات، الأمر الذي كان يقتلني، ويشعرني بالقهر والضعف والعجز، وبعد سبع سنين، من المعاناة والحرمان والفقر رزقني الله بوظيفة معلم، وهنا زاد علي غضب أمي، فهي تقول: الآن أصبحت قادرًا على استئجار بيت، لكنني كنت أرفض، لأسباب كثيرة، ذكرت بعضها، وسأذكر بعضها الآخر أثناء ما تبقى من روايتي، بعد عامين من استلامي وظيفتي، أعطاني والدي جزءًا من البيت أستقل به وحدي، فقد تزوج أخي وأصبح البيت مليئًا بالأطفال، ولمنع المشاكل بين زوجات الإخوة، أو أبنائهم، وهكذا أصبح لي بيت صغير من غرفتين، واحدة لي، والأخرى لأبنائي، وطلبت من أمي زيارتي، ففعلت، وأقامت في ضيافتي أسبوعًا، حاولت والله أنا وزوجتي، أن نبذل قصارى جهدنا لرضائها، لكنها حولت حياتنا خلال هذا الأسبوع إلى جحيم
بعد هذا الحادث ترسخت قناعة لدي أني لا أستطيع أن أجمع بين زوجتي وأمي، فأمي لا تحب زوجتي، وزوجتي من أطيب النساء، وأنا أحبها كثيرًا، ومع ذلك، لم أمتنع عن ود أمي، أزورها، وأحضر لها كل ما تطلب، طمعًا في رضا الله، كانت أمي تتصنع المرض كثيرًا، ، فهي تسعى للانتقام من أهلي، أولاً: بإبعادي عنهم، وثانيًا: بتدمير حياة زوجتي التي هي ابنتهم، وقد قالت هي نفسها هذا الكلام ذات يوم .
المهم أنني قررت قبل شهرين أن أعمل على راحتها، فعزمت على شراء بيت، يجمعنا معًا، لكن هي في جناح خاص، وأنا في جناح خاص، واشتريت منزلاً، دفعت هي الثلثين من ثمنه، ودفعت أن الثلث الباقي، دينًا أقوم بسداده على عامين بنصف راتبي، واشترطت علي أن أكتب باسمها الثلثين ففعلت، وقبل يومين زرتها وبدأت أمي قائمة عريضة من الشروط، تفرضها علي، أقلها ستكون نتيجته طلاق زوجتي، وبدء عداوة مع أهلي تشترط علي أنها ستبدأ في تربية أبنائي من جديد، فتربيتهم لا تعجبها، وعلينا أنا وزوجتي ألا نتدخل أبدًا . تشترط علي أن تكون زوجتي طوع بنانها، تعمل لها كل ما تريد دون اعتراض، وحتى لو أخطأت أمي فعلى زوجتي السمع والطاعة.
أشعر أنه صراع، أصبحت الآن بين خيارين، . إما أن أقبل شروطها لترضى، أو أرفضها وتغضب. أود أن أقول أنني قررت عدم السكن معها في المنزل، وقلت لها: عيشي أنت فيه وحدك، خاصة أنني عرضت عليها أن أبني لها جناحًا خاصًا بها، لكنها رفضت إلا أن أبني لها في الثلثين، وإن فعلت، فالثلث لا يكفي لأسرة من زوجين فقط، فكيف بأسرة من ثمانية، ماذا أفعل؟ أشيروا علي أيها الناس! أفتوني في أمري إن كنتم للفتوى عالمين.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من سوء سلوك وتصرفات أمك التي طلقها أبوك، وحقدها وكرهها لأبيك وأهل أبيك، وأنت ابنها ضائق ذرعًا بتصرفاتها تجاهك وتجاه زوجتك وأولادك وأسرتك وأقربائك، وتذكر أن الله أكرمك بالعلم والتعلم، وحصلت على الإجازة الجامعية، وتوظفت مدرساً بشهادتك، ووسعت على أهلك وأسرتك وأمك، وأنك أحببت القرب من أمك، فاشتركت معها في شراء منزل، لها ثلثاه ولك الثلث، وحصلت مشاكل عدة بينك وبين أمك وزوجتك، بعد سكنكما معًا، وتفكر حالياً بالانفصال عنها، وترك المنزل لها، واستئجار منزل آخر بعيداً عنها، لكونها صارت تتدخل في كل شئ يخصك ويخص زوجتك، وبلغ الأمر حد إهانة زوجتك أمام الزوار لكم، وأن أمك تستغل دينك وخوفك من ربك، فتضغط عليك كثيرًا، وتسأل كيف التعامل والموقف الشرعي مع تصرفات وسلوكيات أمك، وتطلب تقديم التوجيه والنصيحة لك في المعاملة الصحيحة لأمك، أبشر أخي فإخوانك في موقع المسلم يرشدونك ويعلمونك ويجيبونك على جميع تساؤلاتك، وألخص لك الإجابة على استشارتك بالنقاط الآتية:
أولاً: الجنة تحت أقدام الأمهات.
اعلم أن أمك بكل ما بها من عيوب ستظل أمك، وستظل أنت أيضًا قرة عينها، ولا تستطيع قوة في العالم أن تفصلكما عن بعض، وتذكر أن أمك هي سبب دخولك الجنة، فالزم قدميها وتجاوز عن أخطائها، ولو أتيت قليلاً على نفسك وزوجتك وولدك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالأم ثلاث مرات، وأوصى بالأب مرة واحدة، وذلك في حسن الصحبة، وطيب المعاملة.
ثانيًا: "الدين النصيحة".
نصح أمك بهدوء وبر وأدب واجب عليك، فتحيَّن الفرص المناسبة، واجلس معها جلسة صفاء ونقاء، وصارحها بأدب جم بتصرفاتها ومواقفها تجاهك وتجاه زوجتك وأولادك وقرابتك، احكي لها قصة أم سعد بن أبي وقاص عندما طلبت منه ترك دينه، وامتنعت عن الطعام والشراب، حتى تموت جوعًا فيعيره العرب بذلك، واختر لها روايات من التاريخ عن معاملة الأمهات الصالحات المربيات لأبنائهن، وليكن حديثك بطريقة غير مباشرة "إياك أعني واسمعي يا جارة"، واستعن على نصيحتها بصديقاتها وقريباتها التي تثق بهن، وليكن اتفاقك معهن بعيدًا عن أمك، ولينصحنها بطريقة هادئة ومدروسة بدون أن تتفطن أن الأمر دبر بليل.
ثالثًا: صل أباك وزوجة أبيك، ولا تعلم أمك.
صدور الرجال صناديق مقفلة، والذي يفتحها يرى الأهوال والعجائب، واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فلو زرت أباك ومن يلوذ به، بدون علم أمك، فهذا عين العقل، وتكون قد أمسكت العصا من وسطها، وبررت أمك وأباك، ووصلت رحمك، ولم تغضب أمك وتزعلها، ولتكن الزيارة والتواصل من طرفك، ولا داعي لأن يأتي والدك وزوجته لزيارتك، ووضح لهم السبب في ذلك.
رابعًا: احذر خراب بيتك بيدك.
أمك مريضة نفسيًا، وهي عصبية وصعبة المراس، فليس أمامك إلا الصبر والمصابرة عليها، وإياك من طاعتها في مسألة تطليق زوجتك الصالحة، فتكون بذلك قد هدمت بيتك بيديك، وأفهم زوجتك شخصية أمك، وأنها تعاني من ضغوط نفسية بسبب الظروف التي ألمت بها، وعلينا أن نصبر على أخلاقها، والله سيأجرنا ويثيبنا على صبرنا عليها، قل لزوجتك: تصوري لو كانت حالة أمك مثل حالة أمي، أما كنت ستصبرين وتراعين حالتها؟ إذاً فما فرق أمي عن أمك؟.
خامسًا: اعرض أمك على الطبيب النفسي.
أرى وبأسلوب رفيق ولين، أخذ والدتك إلى راقٍ يرقيها، أو إلى طبيب نفسي يعالجها، لعل الله يكتب على أيديهما شفاء لها من حالتها، وإن تحسست من ذلك، فلو قرأ الراقي الرقية على ماء وزيت، وأشربتها الماء دون أن تعلم أنه مقري عليه، أو قدم لها الزيت للادهان دون أن تعرف أنه رقية..
سادسًا: لا تفارق السَّكن مع أمك.
أمك تحتاج إلى رعاية ومتابعة، وليس لها ولدًا بارًّا سواك، فلا تخيب أملها فيك، وثق ثقة تامة أن هناك معينًا لك من الله عليها، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي شكى إليه قرابته، فعن أبي هريرة، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» رواه مسلم.
سابعًا: قلب أمك بيد ربك.
توجه إلى الله بالدعاء لهداية أمك، ناديه وتبتل إليه في جوف الليل، ادعوه قائلاً: يا أرحم الراحمين! يا رجاء السائلين! يا أمان الخائفين! يا رب العالمين! برحمتك أستغيث، ورحمتك أرجو، أصلح لي شأني كله، وأصلح لي خلق أمي، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم أرِ أمي الحق حقًا وارزقها اتباعه، وأرها الباطل باطلاً وارزقها اجتنابه، وصبرني وصبر زوجتي وأولادي على سوء خلقها، واطلب الدعاء لها من صالحي من تعرف، علَّها توافق دعوة من الدعوات ساعة إجابة، تكون بها سعادة أمك في الدنيا والآخرة. وفقك ربي وأعانك وسددك وقبل منك برك بأمك وأبيك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.