أطفال مقاتلون بالأجر!
27 ربيع الثاني 1434
طلعت رميح

تنظر إلى الشاشات لتتابع أحداث العنف الجارية في مصر، فيلفت نظرك هذا الوجود الكثيف لأطفال وصبيان يمسكون بالحجارة وقنابل المولوتوف يقذفونها على رجال الشرطة لساعات طوال من النهار إلى ساعات متأخرة من الليل. وحين تتابع أخبار عمليات قبض الشرطة على مثيري الشغب، تجد أرقاما كبيرة من الأطفال والصبيان بين المقبوض عليهم وتجد أن قرارات النيابة بالتعامل مع المتظاهرين تشمل إيداع أطفال في أماكن رعاية الأطفال أو تسليم الأطفال والصبيان إلى ذويهم. وكلما قابلت صديقا لك وتناولت تلك الظاهرة، تجده يقول لك إن أطفال الشوارع الذين اعتادوا النوم في الحدائق العامة بمنطقة سكناه قد اختفوا منذ فترة ولم يعودوا يظهرون كما كانوا. وحين تسمع للأخبار المتداولة حول راشقي الحجارة والمولوتوف تسمع أوجاعا وآلاما وأرقاما وإحصائيات مالية عما يتقاضاه هؤلاء الأطفال من مجهولين وأن هناك بلطجية "كبار" أثروا من تلك التجارة البغيضة. وقد وصلت التقديرات التي جاءت على لسان المفكر السياسي المصري د. محمد الجوادي حول ميزانية تمويل ما يجري من أعمال عنف، إلى معدل 100 مليون جنيه قال إنها تصل من الخارج لتنفق كل صباح، لكنك تجد آخرين يقولون، أبدا، فهؤلاء الصبيان على صغر سنهم، يتوافر بداخلهم رصيد كاف متجدد من العنف والاقتتال بحكم معيشتهم في الشوارع، وأنه رصيد يكفي لتدمير وطن لا رشق الشرطة بالحجارة والمولوتوف فقط. ووصل أمر الشعور بالظاهرة وخطورتها أن سئل المتحدث باسم النيابة العامة المصرية عنها فأجاب أن "المشكلة التي تواجه النيابة العامة هي ندرة المعلومات التي توفرها لها أجهزة جمع المعلومات حول الأشخاص الذين يقفون وراء تحريك هؤلاء الأطفال". وأن هؤلاء "المحركين يعلمون جيدا أن يد النيابة مغلولة في التعامل مع هؤلاء الأطفال، لأننا قانونا لا نملك حال تم القبض عليهم إلا تسليمهم لذويهم، أو إيداعهم إحدى دور الأحداث ليتم الإفراج عنهم خلال أسبوع".

 

 
هي ظاهرة إذن، وقد بلغت من الخطر أن نتائج أفعالها صارت متوسعة التأثير على الأمن والاستقرار والاقتصاد وطرق المرور، كما تصاعدت أعداد الضحايا منهم خلال الأحداث.

 

 
ثمة جانب اجتماعي يجب التعامل به لعلاج تلك الظاهرة من خلال مؤسسات وأجهزة الدولة والمجتمع، لكن السياسة دخلت على تشجيع التشرد وصارت توسع أعداد المشردين.. وتدفع بهم إلى عنف أعمى .لقد أخذت ظاهرة أطفال الشوارع منحى خطيرا، بعد أن توفر لها التمويل. هؤلاء الأطفال والصبية صاروا أداة لممارسة الصراع السياسي العنيف في داخل المجتمع، وسواء أخذنا بالرواية المتكررة والمتكاثرة رسميا وشعبيا بأن هناك من يدفع لهم المال ليقوموا بتلك الأفعال أو أخذنا بما هو جار في الإعلام من دفاع عن هذه الأعمال القتالية للصبية بالحديث من تركيز الكاميرات عليهم ليل نهار مع الحديث عن الأزمة السياسية والأمن الغائب في الشارع، فقد انضم هؤلاء إلى الظواهر الاجتماعية التي تتحول إلى ظواهر ذات دور سياسي، فهؤلاء الأطفال تحولوا إلى ظاهرة سياسية وصار لهم دور سياسي، بنفس الطريقة التي تحولت بها ظاهرة البلطجة من ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة فاعلة في الصراع السياسي في البلاد. هؤلاء الأطفال والصبية هم نتيجة حادة من نواتج حكم مبارك وتحولهم إلى حالة واسعة ناتج عن الشلل الجاري للاقتصاد المصري وإرباك المجتمع ومؤسساته. إلا أنهم أصبحوا مصنعا مجتمعيا دائما لإنتاج العنف. صاروا أطفالا يقاتلون بالأجر في عمر الزهور. وزاد الأمر سوءا أن أطفالا وصبيانا من صنف آخر، صاروا يظهرون في الكاميرات وهم يقاتلون في صف الشرطة. أطفال يقاتلون أطفالا آخرين!

 

المصدر/ الشرق