مرسي يواجه رخاوة مؤسسات الدولة المصرية
13 جمادى الأول 1434
علا محمود سامي

على الرغم من نجاح الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي في الإطاحة بعدد من القيادات الأمنية والعسكرية، خلال الشهور الماضية ، والتي كانت تشكل له سلطة موازية، أو ما يعرف بحكم الرأسين، إلا أنه مع ذلك لا يزال يواجه أبرز تحديات ما يعرف برخاوة مؤسسات الدولة، إن لم يكن بعض نفوذ أجهزة أمنية وسيادية داخل البلاد.

 

هذا التوصيف يرجعه كثيرون إلى استمرار أجهزة المحليات ورؤساء الأحياء بنفس ممارسات النظام السابق، ما أدى إلى ظهور ما يعرف برخاوة الدولة، الأمر الذي تسبب في عدم تعاطي مؤسسات الدولة بالشكل الكافي مع القضايا الجماهيرية المختلفة، ما نتج عنه تراجع ذات المؤسسات عن تنفيذ الوعود الرئاسية، وخاصة خلال المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسي بالشكل الذي كان يأمله ناخبوه، وهو ما انعكس على تقييم النشطاء والسياسيين لهذه المدة، والتي لم تجد صدى إيجابيا في أوساطهم، وهو ما اعترف بمسؤوليته عنها الرئيس نفسه، وزاد على هذه المسؤولية، عندما حمل الشعب جزءا منها معه.

 

وأمام جملة من الانتقادات لأداء أجهزة المحليات ومحافظين ووزراء، فإنه وفق تصريحات رسمية، فإنه على الرغم من ذلك لم يجرى إجراء أي تغييرات جذرية في بنية هذه الأجهزة أو إحداث تغييرات لرؤساء الأحياء، لتعد الأولى من نوعها في داخل المحليات المصرية، ما يعكس أن هناك نفوذا لسيطرة وهيمنة الدولة العميقة على مفاصل الدولة، وخاصة من قبل أجهزة كبيرة في الدولة، تقف بالمرصاد ضد الرئيس مرسي ومشروعه الإسلامي، وتسعى إلى إفشالهما، وعدم تحقيق لهما مسعى لهم على الأرض.

 

ولعل الكثير من الوقائع المعلن عنها تعكس صدقية الطرح السابق، على نحو عدم تنفيذ وزارة الداخلية للعديد من الأحكام القضائية، والتي ألزمت الوزارة بإعادة عدد من أفراد الشرطة من ضباط وأمناء قاموا بإطلاق لحاهم إلى أشغالهم، بعدما فصلوا منها، جراء إعفائهم للحاهم، علاوة على قيام ذات الوزارة بإحالة العميد طارق الجوهري ، قائد قوة تأمين منزل الرئيس مرسي، إلى التقاعد بسبب انتقاده لمحاولات بعض صغار الضباط وكبارهم إفشال أي محاولة للتأمين، وتحريض هؤلاء الصغار وغيرهم من القيادات الأمنية الكبيرة على اقتحام منزل الرئيس في ضاحية التجمع الخامس ، وخطف الرئيس من منزله إبان أحداث قصر الاتحادية مطلع شهر ديسمبر الماضي، والدفع به إلى السجن، إلى غيرها من سلبية الممارسات الأمنية، جراء تغول رجال الوزير الأسبق حبيب العادلين والمحبوس حاليا في عدة قضايا جنائية، الأمر الذي يجعل من أمثال هؤلاء والنظام المخلوع داخل وزارة الداخلية، بمثابة الوقود لمؤسسات الدولة المصرية، لتبدو دولة رخوة ضعيفة تابعة، وليست مستقلة.

 

وأمام رخاوة هذه الدولة، فلاتزال الحكومة المصرية ومعها الرئاسة تواجه قوتها، دون أن تتمكن من بسط سيطرتها ونفوذها عليها، للدرجة التي صارت هذه الدولة الرخوة بمؤسساتها المختلفة أقوى منها، إن لم تكن هى النظام نفسه. غير أن اللافت أنه خلال الفترة الماضية، لم تتلاق الرؤى السياسية لمجلس الوزراء مع أداء المحافظين والأجهزة المحلية وفق نظام الحكم المحلي الذي يمتد عمره إلى أكثر من نصف قرن، ما أوجد فجوة في العلاقة بين هذه الأطراف، الأمر الذي عزز من رخاوة الدولة، واستمرار أداء مؤسساتها بنفس الأنماط التقليدية التي كانت سائدة إبان النظام المخلوع، على الرغم من وضع الجمعية التأسيسية لدستور جديد، أقره المصريون، وتضمنت مواده تعزيزا للامركزية في الأجهزة المحلية وتفعيل دورها، الأمر الذي يعني أن رخاوة الدولة يمكن أن يتم مواجهتها بقوة القانون، والدستور الذي أصبح نافذا في البلاد منذ 22 ديسمبر الماضي.

 

وأمام هذا المشهد والذي عليه مؤسسات الدولة المصرية، فإنه يمكن تفهم حجم الميراث التي ورثه نظام الرئيس الدكتور مرسي بأنه لم يتولى زمام الحكم بمؤسسات قائمة بذاتها، بقدر ما ورث مؤسسات تعرضت لعقود من الفساد ، حتى تراكم هذا الفساد، للدرجة التي جعلت مؤسسات الدولة الرخوة، أو غيرها العميقة تستنفر جهودها وطاقاتها لمحاربة أية محاولة لمواجهة هذا الفساد، بل وتعزيز ما هى عليه من رخاوة وفساد، على نحو ما سبقت الإشارة.

 

غير أن هذا لايعفي بالطبع الرئيس مرسي من ضرورة الاشتباك مع هذا الحجم من الفساد والرخاوة، والإسراع في تطهير المؤسسات، خاصة وأن الأمور لم تعد تستوعب أكثر مما هو حاصل على الأرض، في ظل إعلام يعمل على إثارة الفتنة ضده، وأبواق لاتفاق شاشاتها ليل نهار ، توجه سمومها إلى مشروعه، فضلا عن تعاضدها مع هذه المؤسسات، للدرجة التي جعلت وقبل شهور قوى سياسية تنادي بسقوط الرسالة، بل وإحالته إلى المحاكمة، تحت دعاوى عديدة، وقاموا في سبيل تحقيق ذلك الى اللجوء لاستخدام العنف، أو توفير غطاء سياسي له، غير أن هذا كله لم يحقق لهم نجاحا، حتى صاروا يطالبون بسرعة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأنه لاما نع من منافسة الدكتور مرسي عليها.

 

لذلك أصبح مطلوبا من الرئاسة والأجهزة المعنية التصدي لمثل هذه المؤسسات، والمحرضين على دعمها أو مساندتها، قبل أن يكون الرئيس ومشروعه ضحية لمثل هذه المؤسسات وفسادها، خاصة وأن معارضيه لايهدأون في التخطيط له، وإجهاض أي مشروع إصلاحي يعمل على تحقيقه، وينتقلون من خطة إلى أخرى حال فشلها، ما يتطلب من الرئاسة سرعة التنبه إلى ما يدور، والاستفادة من الزخم الشعبي الذي لم يفقده الرئيس مرسي، وخاصة في صفوف الإسلاميين، الذين يطالبونه دوما الضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين، وإجراء حركة تطهير شاملة تشمل كافة المؤسسات