المعارضة المصرية تنتحر سياسيا
24 جمادى الأول 1434
علا محمود سامي

منذ أربعة أشهر فأكثر تقريبا، وما تسمى بالمعارضة المصرية، تمارس أدوارا تخرج عن كافة الأعراف الديمقراطية التي تدعو هى إليها، إلى ما يعرف بأعمال البلطجة الفكرية، إلى أن صارت بالفعل بلطجة جسدية، عبر استخدام العنف بأساليبه المختلفة.

 

لم تتورع المعارضة طوال هذه المدة من استخدام أساليب شتى لتحقيق أهدافها، وفي كل مرة كانت تفشل فشلا ذريعا، ما جعلها تخرج عن الهدف الذي تسعى إليه ، وهو تداول السلطة، إلى محاولات انتزاع السلطة، وإراقة دماء المصريين في ذلك مهما كانت كلفتها.

 

هذه الحالة ما تعمل عليه المعارضة، عندما وجدت في الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الدكتور محمد مرسي قبل نهاية شهر نوفمبر الماضي بتعيين النائب العام ، والإطاحة بسلفه، وعلى الرغم من أن ذلك كان مطلبا ثوريا، تنادى به متظاهرو ميدان التحرير منذ أيام الثورة، وحتى قبل الاستحقاق الرئاسي، إلا أنه وللكيل بمئات المكاييل فقد رأت المعارضة أن هذا الإعلان تدخلا من الرئيس في شؤون السلطة القضائية ، وعدونا صريحا عليها، وحشدت وهيجت لذلك الشارع المصري، غير أنه ولفطنة الرئيس، فقد قام بإلغاء الإعلان، قبل أن يستبدله بآخر مبقيا على آثاره، ومنها شرعية تعيين النائب العام.

 

ومن وقت إصدار هذا الإعلان وجبهة الإنقاذ التي تكونت من جميع الأحزاب من غير المرجعية الإسلامية، تقف موقفا واحدا، وهو مناصبة العداء للرئيس مرسي وجميع المتحالفين معه، والسعي لنزع شرعيته، وإجهاض أي مشروع إسلامي، يمكن أن تبدو له أفق في مرحلة التحول الحالية، بعد الصعود السياسي للإسلاميين.

 

ولجأت المعارضة إلى أساليب مختلفة استخدمت خلالها العديد من الأسلحة، بكل المعاني الحقيقة للكلمة، وليس معناها المجازي فقط، إذ استخدمت سلاح الإعلام ، بإدارة حملات تشهير وتشوية، معتمدة على شائعات تطلقها، ثم تصدقها وتروجها، ومعها استخدمت الأسلحة البيضاء والآلية، لدرجة أن معارضتها أصبحت على الهوية الإسلامية ذاتها، على نحو ما حدث في هضبة المقطم ، عندما جرى سحل وحرق كل من يعرف انتمائه الإسلامي، فضلا عن إعفائه للحيته، خلاف اقتحام المساجد، وترويع المصلين، وتهييج الآمنين في تلك الهضبة التي يلفها السكون دائما، ويضرب بها المثل في الهدوء والسكينة.

 

وحتى لايتم الاستطراد في إطلاق صفة المعارضة على أمثال هؤلاء ، فانه حري بنا التوقف عند تلك الممارسات، والتي لايتم وصفها بهذا المسمى، إذ أنها توصف بالأقلية التي تمارس الإرهاب على أوسع نطاق، لاتعرف سوى التظاهر بتهييج الشارع، واستخدام الزجاجات الحارقة، وإطلاق الرصاص الحي لعى مخالفيهم، علاوة على استعانتهم بالجرافات لنزع الشرعية عن الرئيس مرسي.

 

لايبدو هذا من قبيل المبالغة، ولكنه قول صدق وحق شهد به جميع المراقبين عندما لاحظوا ممارسات هؤلاء المخربين، عندما استعانوا بجرافة عملاقة لاقتحام القصر الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة، بعدما استنفذوا كافة السبل والوسائل في توجيه الزجاجات الحارقة والحجارة صوب مقر الحكم، الذي غفل أمثال هؤلاء عن جهل أو بدونه أن القصر ليس ملكا لمرسي أو للإسلاميين، ولكنه ملك للشعب المصري بأكمله، بمن فيهم هم ووطنهم، غير أنهم افتقروا لمعاني الوطنية التي يدعونها، فلم يعد يشغلهم كثيرا حب الوطن، أو حقن الدماء، أو استعادة الهدوء، أو الحديث حتى عن الديمقراطية وتداول السلطة، بل جل شغلهم الشاغل إسقاط الرئيس، وإقصاء الإسلاميين عن أي مشهد، للدرجة التي بدأوا فيها يتحدثون عن اقتلاع مخالفيهم، والفتك بهم، وترجموا ذلك قولا وفعلا بما ارتكبوه في المقطم ، متوعدين بالمزيد.

 

لذلك إذا جاز وصف هؤلاء بالمعارضة، فهو قول مجازي ، يرقى إلى التوصيف بأنهم أقلية مخربة، إذ يعرف أن المعارضة في جميع دول العالم تمارس عملا مسئولا يمهد لها الطريق لتولي الحكم في يوم ما، وتخطو في ذلك عبر وسائل وآليات يحددها نظام الدولة، وهو مختلط في هذه الحالة المصرية، وفق ما أقره الدستور بأن نظام الحكم يجمع بين النظام الرئاسي والآخر البرلماني.

 

غير أن هؤلاء غفلوا كل هذه الممارسات، ولجأوا إلى ممارسة العنف على نطاق واسع، بل وأخذوا يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فحديثهم السابق عن الدولة المدنية، وانتقادهم للدولة العسكرية، والمطالبة بإسقاط الحكم العسكري، إبان إدارته للمرحلة الانتقالية، ها هم اليوم يطالبون باستحضار العسكر للمشهد السياسي، وخلاف ما كانوا يدعونه بأن التظاهر حق سلمي ومشروع أمام أي جهة ، إذا بهم ينتقدون دعوات التظاهر أمام مدينة الإنتاج الإعلامي المطالبة لتطهير أجهزة ووسائل الإعلام، وبالمقابل يدعون إلى التظاهر أمام مقار مخالفيهم، فضلا عن محاصرة منزل الرئيس والقصر الرئاسي، علاوة على تصريحاتهم السابقة لرفض العنف، مقابل تحريضهم هم عليه الآن، بل وعلى نطاق واسع، وإقصاء مخالفيهم، فيما يدعون في المقابل بأن يكون الحكم قائما على المشاركة وليس المغالبة.

 

لذلك لايمكن وصف هؤلاء بالمعارضين، بل هم الأقلية، ويضاف إلي هذا الوصف بالمخربين، في ظل افتقارهم لكافة عناصر العمل السياسي، بعدما أطلقوا عليه بأنفسهم رصاصة الرحمة، وراحوا يدعون إلى تدويل أزماتهم، والسماح بالتدخل الأجنبي لحل أزماتهم مع السلطة، فضلا عن إعلانهم لمقاطعة الانتخابات التشريعية، والتي كان مقررا انطلاقها بنهاية شهر ابريل المقبل، علاوة على رفضهم لأي ممارسة سياسية، سواء بالحوار مع من يرونه مخالفيهم في السلطة والحكم، ويلتفون على أي إرادة شعبية، سواء بانتخاب الرئيس أو تشكيل مجالس تشريعية ، أو إقرار الدستور الجديد ، وهى كلها ممارسات تؤكد أن أمثال هؤلاء ينتحرون سياسيا، وصار وصفهم بمعنى آخر ، تدل عليه أعمالهم التخريبية.