18 ذو الحجه 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب في الواحدة والعشرين من عمري، لاأزال أتابع دراستي. والحمد لله ملتزم بديني ومحافظ على صلواتي. طلبت من والدي أن يزوجني من فتاة أحبها خوفًا من الوقوع في الحرام وتجنبًا للفتنة، ومع أن لديه القدرة المادية على مساعدتي لتوفير تكاليف الزواج، إلا أنه يرفض مساعدتي، وقالها لي بصريح العبارة.
حاولت أن أقنعه وخاطبته بكل آية قرآنية وحديث شريف، بهدف إقناعه نظرًا لتدينه، وحاولت أن أعبر له عن حاجتي إلى الزواج لإعفاف نفسي، ولأنني لم أعد قادرًا على تمالك نفسي، وأني أخاف من الوقوع في الحرام، والعياذ بالله.
كل هذا لم يلق لديه آذانًا صاغية، وكل جوابه أنه كان في مثل سني واستطاع تجاوز الفتن إلى حين زواجه، فقلت له بأن الظروف تغيرت، وأصبحت الفتن أكثر وأشد مما كانت عليه، وأني في خطر شديد لا يعلمه إلا الله، ولكن دون جدوى. حيث يصر والدي على أنه يجب علي تدبر أمري وتوفير تكاليف الزواج بنفسي، رغم أن بمقدوره أن يساعدني حتى أتفرغ لدراستي.
طلبت منه أن يقرضني بعضًا من المال حتى أبدأ مشروعًا، وأصبح قادرًا على تحمل مسؤوليات بيت الزوجية. لكنه يرفض بشكل غير مبرر. فقررت العمل بالموازاة مع دراستي، والغريب أنه يرفض حتى هذا الحل، وهو الذي أرادني أن أعتمد على نفسي وأتحمل مسؤولياتي!.
بقي أن أشير إلى أن أبي دائمًا ما كان يرفض توفير أبسط الأشياء لي، من لباس أو كتب للدراسة، ويتهرب في كل مرة من ذلك، فهل له الحق في منعي أو معارضتي من العمل للاستقلال بنفسي، وتوفير احتياجاتي بنفسي، ثم التقدم من بعد ذلك للخطبة ثم الزواج؟.
وإذا ما رفض أن يصحبني عند أهل الفتاة وتعنت، فهل لي الحق في التقدم إليها بمفردي؟، علمًا بأني تقدمت لوالدها، وأخبرته أني أريد يد ابنته للزواج، فرحب بأخلاقي وأعجب بمستواي الفكري والتزامي، وقال إنه مستعد لاعطائي ابنته حين أوفر البيت والعمل.
فهل سيرضى بي إذا تقدمت للخطبة رسميًا بمفردي؟ وهل لي الحق في ذلك؟ هل هناك أي عيب في ذلك؟. إنه ليوزع في قلبي أن ألقى من والدي، أقرب الناس إلي هذا الإهمال والتعنت، علمًا بأني أحترمه وأبره ولم أقل له أو أفعل شيئًا يقلل من احترامه يومًا.
أرجو منكم مساعدتي، وإرشادي إلى الرأي الصائب، فارتباطي بالفتاة يزيد يومًا بعد يوم، وأنا أريدها زوجة لي، وأريد العفاف، كما تريده هي. وأريد أن أشير إلى أن الفتاة ملتزمة، وذات أخلاق رفيعة، ومن أسرة محترمة، يشهد لها البعيد والقريب بالنقاء والكرامة. ساعدوني.. جزاكم الله خير الجزاء.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، أخانا الحبيب، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فاعلم ولدي – رعاك الله- أن الله خلقنا في هذه الحياة لعبادته، فقال جل شأنه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون...) [الذاريات- الآية 56]. وأن من أساسيات عبادته طاعة الوالدين وبرهما (ما لم يأمرا بمعصية الله)، فيما أمر سبحانه بمصاحبتهما في الدنيا بالمعروف (حتى وإن جاهداك على أن تشرك بالله). وبناء عليه اسمح لي أن أقف عند بعض الكلمات التي جاءت في رسالتك نصًا، لتدبرها والنظر فيها من منظور البر، ومن ذلك قولك:
تقول: "يصر والدي على أنه يجب عليّ تدبر أمري وتوفير تكاليف الزواج بنفسي". و"مع أن لديه القدرة المادية على مساعدتي.. إلا أنه يرفض". وأقول لك: هذه كلمة حق، فتكاليف الزواج واجبة عليك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [رواه البخاري]. و(الباءة) كلمة جامعة تشمل: مؤنة العرس، وتكاليف الحياة الزوجية.
وتقول عن والدك: "دائمًا ما كان يرفض توفير أبسط الأشياء لي، من لباس أو كتب للدراسة"، و"يتهرب في كل مرة من ذلك". وأقول لك: اتق الله في أبيك، ولا تنس ما قدمه لك طيلة 21 عامًا مضت، منذ ولادتك وحتى صرت شابًا يافعًا، ولا تجعل رغبتك في الزواج تذهب بفضل والدك عليك، إذ نسبك إليه، وقرن اسمك باسمه، ودفع لك فواتير طعامك وشرابك وعلاجك ولباسك ومواصلاتك طيلة عقدين من الزمان!
واعلم ولدي حفظك الله أن واجب الوقت بالنسبة لك الآن هو استكمال دراستك، والحصول على الشهادة العلمية التي ستفتح لك إن شاء الله أبواب العمل، حيث فهمت من رسالتك أنك لم تنه دراستك بعد (لا أزال أتابع دراستي)، فالأولى بك والأجدر أن تركز في دراستك، وأن تجتهد في السنوات القليلة الباقية لك في مشوارك التعليمي، لتنتقل بعدها إلى مرحلة أخرى وهي البحث عن فرصة عمل جيدة، تدر لك دخلاً حلالاً، يعينك على تكاليف الحياة. فلا تتعجل ولا تقفز على الخطوات الطبيعية، وخذ الأمر بتعقل وروية.
بقدر سعادتي بقولك عن نفسك: "ملتزم بديني ومحافظ على صلواتي"، وعن فتاتك أنها "ملتزمة وذات أخلاق رفيعة"، إلا أنني حزنت لقولك: "لم أعد قادرًا على تمالك نفسي"، و"أني في خطر شديد"، و"ارتباطي بالفتاة يزيد يومًا بعد يوم".... إلخ، فالأصل أنك شاب مسلم ملتزم بأوامر دينك، وأن محافظتك على الصلاة تزيدك إيمانًا وصلابة، لا أن تجعلك على هذه الحالة من الضعف الشديد، وعدم القدرة على السيطرة على توازنك، فعد إلى ربك، واستعغره، ولا تبدو ضعيفًا إلى هذا الحد أمام شيطانك، حتى لا يسول لك الوقوع في فخ المعاصي والذنوب.
أما عن فتاتك؛ فإن كنت حريصًا على الارتباط بها، وتراها جديرة بأن تكون لك زوجة، ولأولادك أمًا، فاسلك الطريق الطبيعي، واصعد السلم من أوله، وذلك بأن تجتهد لأن تنهي دراستك، وتحصل على شهادتك، التي ستفتح لك الطريق للحصول على فرصة عمل جيدة، وساعتها ستجد والدك إلى جوارك، وسيرحب بك والد الفتاة، وستشعر هي بالسعادة لأنك أصبحت رجلاً قادرًا على أن تحفظها وتصونها. وما يدل على صدق كلامي قولك عندما "تقدمت لوالدها، وأخبرته أني أريد يد ابنته للزواج.. فرحب.. وقال إنه مستعد لاعطائي ابنته حين أوفر البيت والعمل".
أما قولك: "قررت العمل بالموازاة مع دراستي"، فلا أنصحك بهذا، لأنها تجربة محفوفة بالمخاطر، فقد يصرفك التركيز في العمل وطلب المال عن الاهتمام بالدراسة واستكمال مشوارك الأساسي وهو التعليم، وقد تضيع الرغبة في الحصول على مؤهل دراسي في زحمة العمل والرغبة في جمع المال. واعلم أن لله في كونه سنن وفي خلقه شئون، وعلينا أن نحدد الأمور ونضع كل أمر في نصابه، ونرتب الأولويات، حتى لا يطغى أمر على امر، ولا مرحلة على مرحلة.
وقبل الختام أنصحك بالآتي:
1) وثق صلتك بخالقك، استغفره عما بدر منك، وأحرص على طاعته، وجدد إيمانك به، والتزم سننه في الكون.
2) أحرص على بر والدك ونيل رضاه، واحذر عقوقه وغضبه. اذهب إليه وقبل يديه، واطلب منه الصفح، وعاهده على ألا تفعل ما يغضبه.
3) أفهم اهل فتاتك أن واجب الوقت أن تجتهد في دراستك وأن تحصل على الشهادة التي هي مفتاح الحصول على فرصة عمل محترمة، تحصد منها دخلاً حلالاً، يجعلك جديرًا بالارتباط بها، والتقدم لخطبيتها، وقادرًا على الزواج منها.
4) خذ نفسك بالعزائم، وكن أقوى من الشيطان، ولا تريه منك ضعفًا، حتى لا يوقعك في الحرام، والتمس من الصوم والرياضة وجاءًا وحماية من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يرزقك الصبر والحكمة، وأن يرشدك إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وأن يلهمك الصواب، وأن يمن عليك بإخوة صالحين وأصدقاء مخلصين يعينوك على طاعته ورضاه، وأسأله سبحانه أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.