معركة القضاء في مصر
13 جمادى الثانية 1434
خالد مصطفى

المعركة التي تدور رحاها في مصر الآن بشأن القضاء وتطهيره أو الدفاع عنه والمطالبة بعدم التدخل فيه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الجو العام في البلاد والذي يعتريه التوتر والاستقطاب ومحاولات السطو من كل جهة على الثورة ومنجزاتها والتحدث باسمها وهي الآفة التي جعلت الكثيرين من أبناء الشعب "تكفر" بالثورة بل وأدت إلى هبوط في شعبية تيارات إسلامية تصدرت للمسؤولية الضخمة دون استعداد كافي ودون مشاركة الآخرين في تحمل المسؤولية التي لا يمكن لفئة واحدة مهما كبرت تحملها وحدها فكانت النتيجة سلبية في معظم جوانبها..

 

ما يحدث الآن بشأن معركة القضاء هو ترجمة لهذا الواقع المرير الذي تعيشه البلاد منذ الثورة فالجميع يزايد على الجميع وأصبحت مصلحة البلاد في آخر القائمة..لقد كان من مطالب الثورة تطهير القضاء الذي كام يمثل أحد أركان دولة مبارك وكان أيضا من مطالب الثوار تنحية النائب العام ولكن ومع مرور الوقت تلاشت هذه المطالب بالتدريج وسط زحمة الأحداث والتشتت وعدم التركيز وعندما بدأ الحديث مجددا عن هذا الموضوع تم النظر إليه على أنه محاولة من طرف معين للسيطرة وبدأ الآخرون يعارضون بشدة ليس لعدم اقتناعهم بصحة الطرح ولكن لتشككهم في النوايا وفي محاولة لإقصاء الطرف الآخر...

 

لقد أصبح القضاء شئنا أم أبينا متورطا في السياسة وأصبح يناصر طرف على حساب طرف منذ حكم حل البرلمان الذي تم اتخاذه سريعا في حادثة هي الأولى في تاريخ المحكمة الدستورية العليا التي كانت نائبة رئيسها تظهر ليل نهار على الفضائيات لسب الإسلاميين ومهاجمتهم بما فيهم أعضاء البرلمان الذين يمثلون سلطة مستقلة منتخبة من قبل الشعب ولا ينبغي أن تقترب منها السلطة القضائية على الأقل من باب الفصل بين السلطات...

 

مشهد معركة القضاء في مصر يظهر منه بوضوح أن الوصول للأهداف الحقيقية للثورة لم يعد متاحا في ظل الصراع على السلطة ومحاولة تفجير الوضع تحت أقدام الحكم وكسب نقاط في الشارع وبالتالي ليس من المتوقع أننا سنرى قضاء يلبي طموحات الشعب لسبب بسيط هو أن الوقت لم يعد في صالح من يريد الإصلاح كما أن النوايا اختلطت وتشتت الأحباب قبل الفرقاء...الحديث عن تطهير القضاء الآن يذكرني بالحديث عن المحاكم الثورية بعد البراءات التي حصل عليها رجال النظام السابق والتي كان ينبغي اللجوء إليها بعد الثورة مباشرة مثلما حدث في جميع الثورات ومنها ثورة يوليو لكن مع مرور الوقت وحالة التنافر التي اجتاحت شركاء الثورة لم يعد ذلك متاحا...

 

القضاء في مصر أصبح طرفا في المعركة بين الإسلاميين والعلمانيين من جهة وبين النظام السابق الذي يدين له بالولاء والنظام الحالي من جهة الأخرى والجميع يعلم أن هناك أطرافا تناصر القضاة لأنهم ضد النظام الحالي...

 

لا يمكن لثورة أن تتقدم للأمام دون قضاء يمثلها مثلما لا يمكن أن تتقدم دون أجهزة أمن تمثلها وأجهزة تنفيذية وبرلمان يمثلها وهو ما حدث بعضه ولم يحدث بعضه الآخر ويبدو أنه لن يحدث ما دام ما يحرك أطرافا كثيرة في الصراع هو البحث عن المناصب وإفشال الآخر الجالس في مقاعد السلطة ولو مؤقتا...إن استغلال أزمة القضاة اليوم من قبل المعارضة هو كاستغلال أزمة السولار ورغيف الخبز والدولار أنهم يعيشون على مصائب المواطن البسيط وكلما زادت ظنوا انهم اقتربوا أكثر من الكرسي ولكن الحقيقة أن الجميع يخسر ويبقى أكبر الخاسرين هو الوطن والمواطن البسيط الذي أصبح يندم على الأيام الخوالي.