الأردن و"السلطة" والتآمر على القدس
15 جمادى الثانية 1434
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

العام الماضي ملأت السلطة الفلسطينية أسماعنا بإنجازاتها عن نيل مقعد في اليونيسكو والأمم المتحدة لدولة فلسطين، دون أن تقر لهذه الدولة بحدودها التاريخية وحقوق شعبها المهجّر. والأسبوع الماضي وقعت السلطة مع الأردن اتفاقا لرعاية جميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة. واليوم يأتي أول غيث "المقعد" و"الاتفاقية" بنتائج صادمة في خيانتها وتآمرها على قضايا الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية.

لقد أسقطت هذه السلطة المتآمرة مشاريع قرارات كان المفترض أن تسعى إلى إقرارها في اليونيسكو تدين الاحتلال بسبب أنشطته في المناطق الأثرية والتاريخية في فلسطين. أسقطتها باتفاق ثلاثي بين الأدرن والسلطة والاحتلال، وبوساطة أمريكية.

ويقضي الاتفاق، حسبما تفيد المصادر الإعلامية العبرية، بشطب مجموعة مشاريع قرارات كان من المقرّر التصويت عليها أمس الأربعاء في اليونيسكو. كما تعهدت سلطة رام الله بموجب الاتفاق بعدم تقديم شكاوى جديدة لليونسكو ضد "إسرائيل" لمدة عام كامل.

هذه الخيانة الجديدة تتعلق بمشاريع قرارات تهدف لإدانة السلطات الصهيونية على خلفية أنشطتها في المناطق الأثرية والتاريخية الفلسطينية، ومخططاتها الرامية لما وُصف بـ "محو الطابع العربي لمدينة القدس المحتلة".

وقد تضمن الاتفاق التآمري سحب هذه القرارات من على جدول أعمال منظمة "اليونسكو"، مقابل موافقة الاحتلال على السماح لوفد خبراء دولي من المنظمة الأممية بإجراء جولة تفقدية في عدة مواقع أثرية في البلدة القديمة في القدس المحتلة، منتصف الشهر القادم.

جدير بالذكر أن هذه الجولة التفقدية لا تمانع اليونيسكو في إجرائها حتى إن ظلت المشاريع مطروحة للتصويت أمام الجمعية العامة، وهو ما دفع منتقدي هذه الخطوة إلى التأكيد على أنها لم تكن ضرورية، بل تأتي في إطار التفريط المستمر من جانب السلطة الفلسطينية في حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية.

سلطات الاحتلال، من جانبها، وافقت على المشاركة في اجتماع لـ "اليونسكو" سيُعقد الشهر القادم في العاصمة الفرنسية باريس لبحث قضية جسر "باب المغاربة" الملاصق للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك والذي تقوم سلطات الاحتلال بعد هدمه بأعمال حفريات متواصلة في محيطه.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني قد أوقفا دعمهما المالي لمنظمة "اليونسكو" في سبتمبر الماضي، بعد قبولها عضوية السلطة الفلسطينية فيها. لكن بعد هذا التفريط في الحقوق الفلسطينية، أصبحت عضوية المنظمة بالنسبة لكثير من الفلسطينيين بلا معنى، إذ لا تحقق العضوية مرادها.

وأثارت هذه المؤامرة، ثلاثية الأطراف، إدانات واسعة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، حيث اعتبر الاتفاق يعطي الاحتلال ضوءًا أخضر لتصعيد عدوانه ضد القدس والمقدسات.

ومن جانبها، نددت حركة المقاومة الإسلامية حماس على لسان متحدثها الرسمي سامي أبو زهري بالإجراء الذي اتخذته السلطة معتبرة أنه "مستهجنًا وغير مبرر". واعتبرت أنه "يستدعي إصلاح كل المؤسسات المنبثقة عن منظمة التحرير في ظل مثل هذه الإجراءات المستهجنة والتي لا تصب في المصلحة الفلسطينية".

كما حذرت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة التي تقودها حماس، من التستر على الاحتلال الصهيوني في الإفلات من العقاب أمام المؤسسات الدولية، معتبرة أن من يقوم بهذا الدور "مشارك في الجريمة".

واعتبر وزير العدل في غزة الدكتور عطا الله أبو السبح أن هذا "أمر خطير جدّاً في حال ثبوت صدقه". وقال: "إن أي تستر على الكيان الصهيوني الذي يقوم بتغيير الطابع العربي للقدس، وطمس ملامح أصالتها وسلب هويتها، هو مشاركة فعلية في الجريمة وخيانة للأمة جمعاء".

وندد أبو السبح بالضغط الأمريكي الفاضح على المؤسسات الأممية ومن بينها منظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة بسبب قبولها فلسطين عضواً فيها.

بدوره؛ اعتبر المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة أن الاتفاق الثلاثي يوفر غطاء للاحتلال ليقوم بمزيد من الانتهاكات والجرائم العنصرية بحق القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك.

وبدورها، استنكرت لجنة القدس والأقصى في المجلس التشريعي الفلسطيني في بيان لها الاتفاق بين الأردن والسلطة الفلسطينية و"إسرائيل". واعتبرت أن هذا الاتفاق يأتي ثمارًا لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للدولة العبرية ورام الله، ولحث الفلسطينيين على عدم التوجه للمؤسسات الأممية لإدانة الجرائم "الإسرائيلية" بحق المقدسات والآثار الفلسطينية.

ورأت أن هذا الاتفاق يمثل جزءًا من التخطيط "الإسرائيلي" الخبيث لهدم المسجد الأقصى المبارك ومواصلة "الجرائم العنصرية" بحق المقدسات.

واعتبر المجلس التشريعي أن إرسال هذه البعثة الأممية للاطلاع على الآثار في القدس لن تكون ذات جدوى ولن تكون نتائجها في صالح الفلسطينيين بل ستكون كباقي اللجان السابقة التي كانت نتائجها لصالح الكيان الصهيوني.

وأكد على أن سلطات الاحتلال تواصل مخططاتها التهويدية بحق المدينة المقدسة ضاربة بعرض الحائط كافة الشرائع والاتفاقات الدولية وهي تستهدف من خلال هذه المخططات الأرض والحضارة والإنسان في القدس".

وفي السياق ذاته؛ طالبت حركة الجهاد الإسلامي جماهير الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية برفض الاتفاق الثلاثي. وقال مصدر بالحركة ن الاتفاق يراد تسويقه تحت عناوين "العمل على حماية القدس"، ووصفَه بأنه اتفاق "العار الجديد".

واعتبرت الحركة أن الاتفاق بحد ذاته "استمرار لنهج التفاوض العقيم الذي وفر الغطاء وهيأ للاحتلال فرصاً ومناخاً مشجعاً لتهويد المقدسات ومزيداً من الانتهاكات للتراث الفلسطيني".

وأوضحت أن صدور قرارات إدانة للاحتلال من قبل منظمة "اليونسكو" لا يلغي تكليف المنظمة لجاناً مختصة لمتابعة الشكاوى المرفوعة لها والقرارات التي صدرت عنها، معتبرة خطوة سحب مشاريع القرارات غير مبررة على الإطلاق.

وقال بيان الحركة "لقد تعهدت السلطة بموجب اتفاق "العار الجديد" بعدم تقديم شكاوى جديدة لليونسكو لمدة عام كامل، ما يعني توفير غطاء للاحتلال ليقوم بمزيد من الانتهاكات بحق المقدسات والتراث الفلسطيني".

وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في حماية مقدساته وتراثه، رافضة الرضوخ للضغوط والإملاءات، وأعربت الحركة عن استغرابها للصمت العربي والإسلامي تجاه هذه الخطوة المدانة والمرفوضة والتي تمّت بالشراكة مع الأردن والسلطة الفلسطينية.

ودعت الحركة في بيانها لتحرك عربي وإسلامي جادّ "لحماية المقدسات ومواقع التراث الفلسطيني المهددة تحت واقع التزييف والشطب والسرقة الذي تفرضه سلطات الاحتلال بالقهر والقوة وبغطاء سياسي خبيث"، على حد تعبيرها.

كما نددت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بإقدام السلطة على الموافقة على سحب مشاريع قرارات تدين الاحتلال في منظمة "اليونسكو" الأممية حول انتهاكاته في مدينة القدس.

ووصف الدكتور رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية في تصريحات نقلتها وكالة "قدس برس" هذا القرار بـ "الخاطئ". وقال: "هذا الاتفاق يعكس تراجعًا بموقف السلطة الفلسطينية في تقدم منهج المقاومة والممانعة وفى استثمار كل الإنجاز الذي تحقق بقبول فلسطين عضوية مراقب في الأمم المتحدة".

وأعرب مهنا عن خشيته من أن يكون هذا القرار "بداية لتراجع السلطة الفلسطينية عن قضايا أكثر أهمية وجدية".

وفي الأردن، استغربت النقابات المهنية الأردنية الاتفاق، ودعت في بيانها الحكومة الأردنية إلى "بذل كل ما بوسعها لفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القدس والأراضي الفلسطينية كونها المسؤولة عن المقدسات الإسلامية في القدس، وأن تبذل كل ما بوسعها للدفاع عن المدينة المقدسة، ووضع حد لإجراءات التهويد وطمس المعالم العربية والإسلامية في القدس والتي يقوم بها الكيان الصهيوني".

وأعربت النقابات "عن أملها بأن لا يكون القرار طوق نجاة للاحتلال الصهيوني"، ودعت إلى "اللجوء إلى شتى الطرق التي من شأنها محاسبة الكيان الصهيوني على ممارساته العنصرية في القدس".

ودوليا، قالت "مؤسسة القدس الدولية" إنها تستهجن بشدة ما أُثير إعلامياً اليوم حول الاتفاق الثلاثي، معتبرة أن اتفاقاً كهذا يرمي إلى "التغطية على جرائم الاحتلال". وقال ياسين حمود مدير عام مؤسسة القدس، في تصريحات صحفية: "إننا نستغرب تردّد السلطة الفلسطينية في استخدام عناصر القوة التي تمكنها من مواجهة الاحتلال وإدانته دولياً، خاصة بعد حصولها على دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، كما أن تراجع الجهد الفلسطيني والأردني أمام الضغوط الأمريكية والدولية والإسرائيلية من خلال الموافقة على سحب مشاريع إدانة الاحتلال في اليونسكو، يعطي غطاء لاستكمال تدمير تراث القدس".

ونوّه حمود، إلى أن "اتفاقية الدفاع عن القدس" التي تمّ توقيعها بين عمّان ورام الله منذ أسابيع قليلة وتنصّ على تنسيق الجهود لرعاية جميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، باتت "موضع ريبة وشك"، مضيفاً "بتنا نشعر بالريبة تجاه الاتفاق الذي وقعه الأردن مع السلطة منذ أسابيع قليلة وقيل عنه إنه لحماية المقدسات ومنع تهويد القدس، فإذا كان هذا (سحب قرارات الإدانة) أول غيث هذا الاتفاق فنحن نرفضه ونطالب المعنيين بالإفصاح عن مضمونه الحقيقي ومراجعة مواقفهم".

وقلّلت مؤسسة القدس، من أهمية الحديث عن موافقة الكيان الصهيوني على المشاركة في جلسة خاصة لمنظمة "اليونسكو" من المقرّر عقدها في العاصمة الفرنسية باريس منتصف الشهر المقبل، لمناقشة قضية جسر باب المغاربة في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك، معتبرةً أن هذه المشاركة "ليست منّة من الاحتلال بل هي وصمة بحق كل من رضي بأن يكون الاحتلال شريكاً في تقرير مصير مقدساتنا".