26 شعبان 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر 26 عامًا، تعرَّفت على فتاة كانت زميلة لي في مكان العمل، أعجبت بأخلاقها وطيبتها ودينها وجمالها، استطاعت أن تغيِّر حياتي إلى الأفضل، بعد أن كنت شابًا مستهترًا بعيدًا عن الخالق، استطاعت وبفضل الله أن ترشدني إلى الطَّريق الصَّواب، فأصبحت أصلي، وتركت ما اعتدت عليه من مفاسد الدُّنيا، فعزمت على أن أتزوَّجها، فرفض أهلي زواجنا، لأنَّ بعضًا من أقاربها (بُكْم) لا يستطيعون الكلام، وهم أخوال والدتها، على الرغم من أنَّها وعائلتها وخالاتها وأخوالها أصحاء بفضل الله؛ إلا أنَّ أهلي يخافون من أن أنجب أطفالا بكم، حاولت أن أقنعهم أنَّ هذا الأمر بيد الله وحده، فهو النَّافع، وهو وحده الضَّار؛ إلا أنَّهم يرفضون هذا الأمر كليًا، تعبت جدًا، فأنا لا أريد أن أفقدها، أو أن أغضب أهلي. فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: بداية أرحب بك أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أخي الكريم: ذكرت في ثنايا حديثك كيف أنَّ تعرُّفك على هذه الفتاة، كان سببا في هدايتك، وتغيير حياتك للأفضل، وكيف سبَّب ذلك التَّقارب القلبي بينكما إلى نشوء فكرة الزَّواج، ورفض أهلك لهذا الأمر، بسبب المشكلة الصحية التي يعاني منها بعض أقربائها، ونعدك بعون الله تعالى أن نبذل كلَّ جهدنا من أجل الوصول إلى ما هو نافع لك بإذن الله تعالى، وإليك همسات علَّها تكون نبراسًا يضيء دربك لحلِّ هذه المشكلة:
أولاً: حكم التَّعارف قبل الخطبة.
يظهر لي من خلال حديثك اهتمامُك بأمر دينك، وإنَّ بحثك عن استشارة أهل العلم يشير إلى خير كبير فيك، نسأل الله لنا ولك الثَّبات على الحقِّ، ولكنِّي أهمس لك بهمسة أرجو أن تلق قبولاً عندك، فقد ظهر لي من خلال سؤالك حصول نوع من التَّعارف والتَّواصل الطَّويل مع هذه الفتاة قبل البدء بالتَّفكير الجدِّي بالزَّواج، ولا بدَّ أن تعلم أنَّ هذا الأمر محرَّم شرعًا، فأنت رجل أجنبي، ولو قلت لك أترضى أن يتعرَّف أحد من الشَّباب على أختك، ولو كان بقصد الزَّواج؟ لرفضت هذا رفضًا قاطعًا، ولطلبت أن يتقدَم بالطَّريقة الشَّرعيَّة المعروفة، فكيف ترضى لغيرك ما لا ترضاه لنفسك؟!.
وأرجو ألا تكون العلاقة بينكم قد أخذت مدى أكثر، لأنَّ الخطبة ما هي إلا وعد بالزَّواج، لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها، فكيف إذا كانت مجرَّد علاقة عاديَّة ليس لها غطاء شرعي, ولم يكن لأهلك أو لأهلها علم منذ بداية هذه العلاقة؟!.
والصَّواب: أن تعطي للفتاة مكانتها، فتطرق باب بيت أهلها، وتتقدَّم مع أهلك لخطبة هذه الفتاة، فهذا أكرم لك ولها.
ثانيًا: استعن بالله على ما تريده.
توجَّه إلى الله بالدُّعاء الخاشع أن يشرح صدر والديك لرغبتك، وأكثر من الاستغفار لأنَّه سبب لإمداد الله للعبد بالذُّرية، والزَّواج مقدِّمة لحصول الذُّرية.
ثالثًا: اطلب ما تريده برفق.
وصولك لمرادك يحتاج منك إلى تعامل رفيق حكيم، وذلك بأن تبدأ معهم بداية واضحة، فتبيِّن لهم أنَّ الذي تقوم به من السِّعي إلى الزَّواج بهذه الفتاة، ليس مبنياً على طيش شباب كما قد يظنُّون، ولكن بيِّن لهم ما قد لمسته من أخلاق هذه الفتاة، من الدِّين، والخلق، والفضل؛ بل بيِّن لهم كيف أنَّك بحمد الله عزَّ وجلَّ صرت أقرب إلى الله تعالى عندما رأيت منها هذا الفضل وهذا الخير، ثم اذكر لهم أنَّ الرَّسول صلوات الله وسلامه عليه قد حثَّنا على أن نختار الفتاة الصَّالحة، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (فاظفر بذات الدِّين تربت يداك)، واذكر لهم أيضاً قوله صلوات الله وسلامه عليه: (الدُّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصَّالحة)، ثم بيِّن لهم أيضاً أن من آكد الأمور، التي ينبغي أن يُحرص عليها هي المودَّة، التي تكون بين الزَّوجين، ولذلك حثَّنا صلوات الله وسلامه عليه على هذا المعنى بقوله: (لم يُر للمتحابِّين مثل النِّكاح) أخرجه ابن ماجة في سننه. والمعنى أنَّك لن تجد شيئاً أنفع للرَّجل والمرأة المتحابين إلا أن تيسر لهما الزَّواج، الذي يجمعها على طاعة الله، فبشرحك لهذه المعاني يظهر لهم سداد رأيك، ونظرتك البعيدة، ويتبين لهم أنَّك لا تبني هذا الكلام على مجرَّد ميل عابر، أو رغبة قد عرضت لك، وإنَّما هو عن تفكير، وعن إمعان، وعن دراية بالمصلحة المتحقِّقة في ذلك.
رابعًا: استعن بأعمامك وأقربائك للتأثير على والديك.
وهذه مسألة مهمَّة جدًّا، فاعرض الأمر على أقربائك خصِّيصًا من تكون له صلة جيدة بوالديك، واشرح له وجهة نظرك، ثمَّ اجعله واسطة بينك وبين والديك.
خامسًا: وجود المرض الوراثي في أقربائها، ليس مبرِّرا لترك الزَّواج بها.
إنَّ رفض أهلك لفكرة زواجك من هذه الفتاة؛ لمجرَّد الخوف من الأمراض الوراثية ليس بعذر شرعي، ولا هو من دين الله تبارك وتعالى في شيء، وإنَّما الأصل فيها أن يكون هذا الأمر على سبيل الاحتياط، لأنَّ النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وضع لنا شروطًا في الزَّواج، ثمَّ بعد ذلك تأتي مسألة العوامل الوراثيَّة لنتكلم عنها، فإذا كانت هذه الأخت كما تصفها من صاحبات الخلق والدين فوصية النَّبي صلى الله عليه وسلَّم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
وأما فيما يتعلَّق بالأمراض الوراثيَّة، فمن الممكن أن تقوما بإجراء تحاليل، وهذه التَّحاليل الآن متوفِّرة وموجودة في كلِّ بلاد المسلمين، فلا مانع من إجراء التَّحاليل لكما جميعًا، فإذا ثبت أنَّه لا توجد هناك أيُّ موانع من الإنجاب، أو من الزَّواج، ومن الإنجاب الطَّبيعي، فإنَّه لا عذر لوالديك في رفض هذه الفتاة، لأنَّ رفض الزَّواج بسبب أمراض وراثية ليس عذرًا شرعيًا، إلا إذا ثبت بشكل مؤكَّد عن طريق إخبار الأطباء الثِّقات أنَّ مثل هذا الزَّواج لو تمَّ، فإنَّه ستترتب عليه مشاكل صحية ووراثية في للمستقبل تؤثر على الأولاد، وفي تلك الحالة نقول: لا داعي أن ندخل في أمر ثبت لنا بأنَّه من الممكن أن يضرَّنا في المستقبل.
أمَّا مجرَّد الرَّفض فقط بسبب الخوف، فهذا ليس عذرًا شرعيًّا، وليس بعذر مقبول، فإنَّ هذا الخوف يمكن التَّخلُّص منه بالتَّحاليل، وإجراء الفحوصات اللازمة، فإذا ثبت هناك شبهة أو أدنى شبهة لاحتمال إصابة الأولاد في المستقبل بأمراض وراثية، عندها نتوقَّف عن هذا الأمر عن قناعة طبيَّة.
وفَّقك الله للخير، ونفع بك، وسدَّد خطاك.