25 ذو الحجه 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب سوري متزوج منذ خمس سنوات من فتاة لبنانية، كانت تعيش في سوريا منذ ولادتها، والحق يقال: إنَّ هذه الفتاة كانت قمة في الأخلاق والطيبة والحنان، كانت تستحملني بكل الحالات التي أمر بها.
في عام 2011م وبعد الثورة السُّورية، تعرَّفت عن طريق النت على فتاة أوروبية مسلمة، كانت تقيم في سوريا وغادرتها بسبب الأوضاع إلى أوروبا، كانت زوجتي تعرف بأنَّني أتكلم مع هذه الفتاة، وكانت تغضب، ولكن! أنا أقول لها بأنَّ العلاقة عادية، ولا يوجد حب بيني وبينها، ومع الزَّمن بدأت أشعر بالحب اتجاه الفتاة الثانية.
بعد عام تقريبًا، اضطررت أن أغادر سوريا؛ لأنني مطلوب أمنيًّا، سافرت إلى تركيا، وقد قامت الفتاة مع والدتها بالنُّزول إلى تركيا بدون علمي من أجل التعرُّف عليَّ، قمت بخطبتها أثناء تلك الزيارة، ولكن! لم أعقد القران بسبب خوفي من غضب زوجتي، وقد أخبرتها بما جرى معي, كان وضعي في تركيا صعب جدًا، وضاقت بي الأحوال المادية جدًا، إلى أن جاءتني دعوة عن طريق منظمة سياسية؛ للذهاب إلى فرنسا لحضور مؤتمر سياسي، قمت بتقديم أوراقي إلى السَّفارة، مع تأكيد الموظف لي بأنَّني لن أستطيع الحصول على الفيزا، عندما طلبت موظفة السَّفارة منِّي القدوم لاستلام جوازي، كنت مقرِّر في نفسي بأنَّني سوف آخذ الجواز، وأعود إلى سوريا عن طريق الحدود ( تهريب ) خوفًا من الأمن، تفاجأت بموظفة السفارة تقول لي بأنَّني قد حصلت على الفيزا، اتصلت بزوجتي وأخبرتها بأنَّني مسافر إلى فرنسا؛ إن هي وافقت، واحتمال أن نبتعد فترة من الوقت، فسمحت لي.
أثناء سفري حصلت لي بعض المشاكل في ألمانيا، حيث وضعوني بمركز اللجوء شهرًا كاملاً، ومن ثم قاموا بتحويلي إلى فرنسا مدينة ليون التي لا أعرف فيها أحدًا، ولم أكن أملك أي نقود، اتصلت بزوجتي من المطار، وقلت لها ما حصل، واتصلت بالفتاة الأخرى، فقام والدها بتحويل نقود لي، وقام بإرسال سائقه الخاص؛ ليأخذني من فرنسا إلى بلد إقامتهم، عند وصولي إلى ذلك البلد، قام باستضافتي بمنزل آخر يملكه، وقد ساعدني بالكثير من الأمور.
بعد أسبوع شعرت بأنَّني أتقدَّم أكثر من الزَّواج بتلك الفتاة، فأخذت قرارًا أن أعود إلى فرنسا، مع العلم بأنَّني إلى الآن غير نظامي بأوروبا، ويجب أن أراجع مركز اللجوء بمدينة ليون، لم أستطيع السفر من ذلك البلد إلى فرنسا، لأنَّني أخاف من أن تعتقلني الشرطة عند المرور ضمن بلدان أخرى في طريقي، لم أجد حلاً سوى أن أتزوج الفتاة، وأهلها لا يعرفون أنني متزوِّج، فقط هي التي تعرف، وقد وافقت؛ لأنَّها تحبني، وأنا كذلك أحبُّها.
الآن هي حامل، وزوجتي الأولى في لبنان، بعد أن عرفت أنَّني تزوجتها بدأت تطلب الطلاق، وتقول لي: أنَّها سامحتني، وبأنني قد اخترت حياة أخرى بعيدًا عنها، وقد جلست أنا وأخوها أثناء زيارتي إلى لبنان، وقد اتفقت معه وبحضورها بأن يمنحوني مهلة عام واحد، عسى الله أن يجعل لي مخرجًا.
شرحت لها بأنني تزوجت هذه الفتاة؛ لأنَّني لم أجد من يساعدني في أوربا غيرها، وأنَّني شعرت بالإحراج.
ماذا أفعل ؟. أحب وأعشق زوجتي الأولى، ولم أتزوج عليها لشهوة أو محبَّة النِّساء، ولكن! كانت عواطفي تتحكم بي، وخاصَّة طيبة وكرم أهل زوجتي الثانية، وزوجتي الأولى هي أروع إنسانة في الدُّنيا بنظري، ولكنها لا تستوعب هذا التصرُّف، وزوجتي الثانية إنسانة طيبة جدًّا، تساعدني كثيرًا لحل هذه المشكلة، وتشعر بي وتواسيني، وتقول لي بأنَها تستطيع الخروج من حياتي؛ إذا كانت هي المشكلة، وأنا أرفض.
ماذا أفعل ؟. هل ارتكبت ذنبًا يغضب الله بتصرفي هذا ؟. ما السَّبيل لرضى زوجتي الأولى ؟. أرجوكم ساعدوني.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه
أخي الفاضل: بداية أرحب بك أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أخي الكريم: ذكرت في رسالتك أنك متزوج منذ خمس سنوات من فتاة تحبها، وتعجبك أخلاقها، وتسعد بعيشك معها، ثم تعرَّفت على الفتاة الأوروبية بعد الأحداث في سورية، وبينت كيفية لقائك بأهل زوجتك الثَّانية، وطريقة تعاملهم الطَّيب معك، وكيف كان هذا أحد أسباب الزَّواج من ابنتهم، ثمَّ ختمت بالمشكلة التي حصلت بطلب زوجتك الأولى للطَّلاق بسبب زواجك، وقد اتَّفقت مع زوجتك وأهلها على الانتظار لمدة عام؛ لتقرروا مواصلة حياتكما المشتركة أو الانفصال، ثمَّ تسأل عن كيفيَّة إرضاء زوجتك الأولى بالأمر الواقع.
إخوانك في موقع المسلم يعدونك بتقديم كلِّ ما يستطيعونه؛ ليكونوا عونًا لك في الخير أينما كنت، وفي ما يلي نقدِّم لك همسات علَّها تكون نبراسًا يضيء لك حياتك، وتكون سندًا لك للخروج من هذا المأزق:
أولاً: التَّعدُّد مسؤولية كبيرة.
إنَّ سياسة أسرة واحدة وقيادتها أمر عظيم، فما بالك بقيادة أسرتين مختلفتين متنافرتين!! فالأمر عظيم فعلاً، وليس بالشَّيء الهين، وما لم يعن الله بالصَّبر عليه، ما استطاع أن يقوم به أحدٌ أبداً.
فالزَّواج الثَاني وإن كان مباحاً شرعاً مع العدل، لكن! لا بدَّ أن تقرأ نتائجه جيداً، وهي أثر ذلك على الزَّوجة الأولى؛ لأنَّ المرأة هي المرأة مهما كانت ثقافتها وعلمها، فلا يمكن أن تقبل زوجة ثانية عليها.
وحيث أنَّ القدر قد وقع، وتزوجت بالثَّانية -وهي حامل حاليًا-، فإنَّ الأمر يستوجب معاملة جديدة خصوصًا في حال وجود أولاد من الزَّوجة الأولى-وهذا لم تبيِّنه في رسالتك-.
فلا بدَّ أن تعلم جيدًا عِظَم المسؤوليَّة الشَّرعيَّة والتربويَّة التي تقع على عاتقك، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول كما في الحديث الصَّحيح – في صحيح الجامع – من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).
فما أعظمها من مسؤولية؟! فالتَعدُّد يتطلَّب صبرًا وحلمًا وعدلاً، وبذلاً للمال والوقت والجهد، فنسأل الله أن يعينك على هذا الحِمْل الكبير، وإن كنت أرجو لمثلك، وقد رزقك الله زوجة سامعة مطيعة صالحة-كما تصف زوجتك الأولى- أن تبقي عليها، وأن تحفظ بيتك الأول بَدَلَ الدخول في مغامرة غير مأمونة العواقب، ولربما خَرِبَ بيتك الأوَّل.
فلا بدَّ أن تتعلَّم حقوقك وحقوق الزَّوجة في حال التَّعدُّد، وليكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدوتك في سياسة بيتك.
ولا بدَّ أن تضع بذهنك دائمًا: أنَّ الشَّرع وإن كان قد أحلَّ الزَّواج والتَّعدُّد إلا أنَّه اشترط فيه العدل، وهذا شرط عظيم عزيز، فخذ للأمر أهبته.
ثانيا:لا يحقُّ للزَّوجة الأولى أن تشترط طلاق الزَّوجة الثَّانية.
قد نبَّه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى هذا كما في الصَّحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا؛ لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ). وفي هذا تعليم منه - صلَّى الله عليه وسلَّم – للمرأة بألا تتعدَّى هذه الحدود، فتطمع في حرمان أختها مما قدَّره الله تعالى لها، وهذا الحديث فيه استعطاف أيضًا للمرأة، فسمّى ضرتها أختًا، والمقصود بالأخوة أخوة الإسلام.
ثالثًا:من مقاصد التَّعدُّد البحث عن صفات ليست في الزَّوجة الأولى.
فقد يبتلي الله العبد بزوجة عنيفة سيئة الخلق، أو مهملة سيئة الطِّباع، فإن عاش معها عاش مُكَدَّراً، وإن فارقها خشي على أولاده، ولأجل هذا كان من مقاصد التَّعدُّد أن يبحث عن حلٍّ آخر، وهو الزَّواج من امرأة ثانية يجد عندها مالم يجده عند الأولى، وبذات الوقت يحافظ على بيته الأول من الانهيار، فمن المهم أنْ تبحثَ عن امرأةٍ تُشارككَ أفكاركَ، وتطلُّعاتكَ، واهتماماتكَ، امرأة تُشابهك في تديُّنكَ وقِيَمكَ ومَبادئكَ، امرأة تُقاسمكَ الآمال والآلام والأحلام.
أقول لك هذا، وقد لا حظت في رسالتك خلاف هذا، فأنت تحبُّ الزَّوجة الأولى، وترى معها سعادتك وأنسك كما قلت: (زوجتي الأولى هي أروع إنسانة في الدُّنيا بنظري، ولكنها لا تستوعب هذا التصرف)، وعدمُ تقبلِها للتَّعدُّد أمر فطري في النِّساء، فلا ترضى زوجة التَّعدُّد مهما بلغت من الاستقامة، وشهادتك هذه لزوجتك تثير فيَّ الاستغراب من إقدامك على الزَّواج من ثانية، إذ يبدو لي من خلال رسالتك أنَّ الزَّوجة الأولى هي أفضل بكثير من الزَّوجة الثَّانية، والسَّبب الرَّئيسي من زواجك بالثَّانية ليس بحثًا عن صفات ليست في زوجتك الأولى –كما بينا آنفًا في مقاصد التَّعدُّد- وإنَّما اضطرارًا ورغبة في ردِّ جميل أهلها لك، فمنذ البداية، كيف تستحلُّ لنفسك أن تتواصل مع فتاة أجنبية عنك وتزعم لزوجتك أنَّه لا يوجد حبٌّ بينكما ؟. فهل يجوز التَّواصل مع هذه الفتاة ابتداءً خصوصًا وقد أكرمك الله بزوجة تروي ظمأك العاطفي؟! فأنت أخي لم تعدِّد رغبة في تحصيل أمر ليس عند الزَّوجة الأولى، وإنما اضطرارًا وردًا للجميل!!.
رابعًا:كيف أرضي زوجتي الأولى؟!.
• حاول إقناعها بما أباحه الشَّرع لك من التَّعدُّد، وهذا سهل جدًا من النَّاحية النَّظريَّة.
• زد في إحسانك إليها، وكن قريبًا منها، وبسبب العشرة الطويلة، فأنت تعلم ما تحبُّه وترغبه، فاعمل على تحقيق ما كنت تقصِّر فيه سابقًا.
• عِدْها بأن زواجك من الثانية لن يؤثر على حبِّك لها، أو على إعطائها حقوقها الشَّرعيَّة، وأنَّها هي الأولى والمقدَّمة دائمًا، وقدِّم لها السُّلوك الشَّرعي الحقيقي بإعطائها كامل حقوقها الزَّوجيَّة.
• اجلس معها جلسة مصارحة، وقارن معها محاسن استمراركما كزوجين، ومساوئ فراقكما، وأثر ذلك على أولادكما، وبيِّن لها أن رضاها بأن تكون مع زوج معدِّد خير من أن تبقى بدون زوج، أو أن تتزوَّج برجل ثانٍ، فيضيع الأولاد بسبب ذلك.
• حاول إرضاءها بتقديم ما يطيِّب خاطرها من ذهب، أو تسجيل بيت باسمها، أو أي أمر أنت قادر عليه، ليكون سببًا في إزالة ما علق بقلبها من كدر تجاهك.
• ومما يعينك أيها الحبيب على إصلاح الحال أن تجتهد في إقامة الحقوق الشَّرعية بين الزَّوجتين، ومن أهمِّ ذلك أن تسكن كلَّ واحدة منهما في سكن مستقل بها في مرافقه، بحيث لا تثور الغيرة في نفس واحدة منهما بسبب الاختلاط.
إذا تمكنت من هذا فالحمد لله، وإذا لم تتمكَّن، ورأيت أنَّك بحاجة إلى المحافظة على زوجتك الأولى وولدك، فلا حرج عليك في تطليق الزَّوجة الثَّانية، فإنَّ الطَّلاق في الأصل مباح، وإن كان لا ينبغي أن نصير إليه، ولكن عند حصول مفاسد ينبغي للإنسان أن يدفع المفسدة الكبيرة بأصغرها.
وقبل أن تلجأ إلى الطَّلاق، إن استطعت أيها الحبيب أن تلجأ إلى الإصلاح، بأن تعرض على الزَّوجة الثَّانية التَّنازل عن بعض حقوقها في مقابل أن تبقى زوجة، كأن تُسقط بعض حقِّها في المبيت، أو غير ذلك من الحقوق التي يمكن أن تتنازل عنها، فإن رضيت بهذا التَّنازل في مقابل ألا تطلقها، فإنَّ هذا جائز، كما أرشدنا الله تعالى إليه في كتابه الكريم، إذ قال: ﴿وإنِ امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يُصلحا بينهما صُلحًا والصلح خير ﴾ النساء: 128.
أخيرًا: تمهَّل قبل أن تطلِّق.
إن لم توفق في كلِّ ما سبق من محاولة تأليف القلوب، وأُغلقت أمامك كلُّ الطُّرق، فالجأ إلى أخف الضَّررين بفراق إحداهما، وهنا لا بدَّ أن أبيِّن لك أمرًا مهمًّا جدًا: فمُشكلتنا الحقيقيَّة أنَّنا نُسيءُ فهْم الطَّلاق، ونتلاعبُ به، ولا نُحسِنُ استخدامه لحلِّ المُشكِلات الزَّوجيَّة، وهذا ما يدفعني للوقوف قليلاً لشَرْح هذه الكلمة التي جُرِّدت من معانيها الدَّالَّة عليها!
يُعرِّفُ بات كونرواي الطَّلاق بقوله: "الطَّلاق هو مَوْت حَضَارةٍ صغيرة، يُعلِنُ أحدُ الزَّوجين حَرْبًا على الآخَر"! وهذا التَّعريف يُلامس الواقع إلى حَدٍّ كبيرٍ متى ما كان الطَّلاق بائنًا بينونةً كُبرى، وأمَّا الطَّلاق بمفهومه الشَّرعي، فليس إلا فُرصة جديدة لإعادة إعمار هذه الحَضارة الصَّغيرة!
حين يقول ربُّ العزَّة والجَلال: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ البقرة: 229، فالمعنى: أنَّ فُرصتين أمامَ الأزواج للتَّفكير في مَصِير حَياتهم الزَّوجيَّة، فالطَّلاق بهذا المعنى مُجرَّد انفِصالٍ جنسيٍّ، لا أقولُ: انفصال جسدي؛ لأنَّ الزَّوجة تبقَى في البيْت بعد طَلاقها؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ الطلاق: 1.
فهي لا تنفصل عن زوجها بجسدِها بالكامِل، وهذا ما يُؤكِّد على أنَّ مفهومَ الطَّلاق الشَّرعيِّ ليس الفِراق الأبدي، بل فُرصةٌ طويلة لمراجعة الذَّات. فالطَّلاق هو حلٌّ من قيدٍ موجع؛ كي تُفكِّر المرأة بشكلٍ أفضل، فلا تبتَئِسُ من كلمة الطَّلاق إذا سمعَتْها من زوجها!
وصحيحٌ أنَّ الطَّلاق مُؤلِمٌ نفسيًّا للمرأة، إلا أنَّه بهذا الفِهْم أشدُّ إيلامًا للرَّجل من النَّاحية الجسديَّة؛ لأنَّه يُرغِمه على العَيْش مع امرأة في بيتٍ واحدٍ من دون أنْ يمسَّها أو يلمسها لمدَّةٍ قد تصلُ إلى ثلاثة أشهُر! وهذه واحدةٌ من الحِكَمِ الرَّائعة لقَضاء المرأة عِدَّتها في بيت زوجها؛ كونه أدعى لعودة المياه إلى مَجارِيها، فدِينُنا حريصٌ على إبقاء العَلاقة الزَّوجيَّة لا على حلِّها كما يتوهَّم مَن يستعملُ هذه الكَلِمة في هدم البيُوت!
لو أنَّ النَّاس فهموا الطَّلاق على حقيقته، ولو أنَّ كلَّ زوجةٍ لزمَتْ بيتها إذا طُلِّقتْ، ما كنَّا نُعاني من ارتفاع مُعدَّلات الطَّلاق بين الأزواج بهذا الشَّكل المُخيف، وإذا فهمتَ - أيُّها الأخ الكريم - معنى الطَّلاق بهذا المعنى الذي شرحتُه لكَ آنفًا، أمكنني ساعتئذٍ أنْ أقول لكَ: جرِّب الطَّلاق كآخِر الحُلول، شريطة أنْ تَعِيَ زوجتكَ الكريمة أيضًا هذا المعنى؛ ليتحقَّق الهدَف المنشودُ من الطَّلاق كما شرَعَه الله - عزَّ وجلَّ - ثم يكون الأمرُ بعد ذلك كما قال الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ البقرة: 229.
نسأل الله تعالى أن يقدِّر لك الخير حيث كان ويرضيك به.