19 صفر 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة أبلغ من العمر 28 سنة ومتزوجة من 9 سنوات من ابن خالتي المهندس الذي يبلغ من العمر 38 سنة، ولدينا 3 أطفال، وأعيش في بيت خالتي مع العائلة الكبيرة، ولدي غرفة صغيرة فقط أسكن بها مع عائلتي، ومشكلتي أنني أعاني من عدم اهتمام زوجي بتلبية طلباتي وطلبات الأولاد واحتياجاتهم المعنوية والمادية، وعدم اعتنائه بتربيتهم وتوجيههم، ويخرج صباحا لمقر عمله الذي لا يبعد عن البيت ولا يعود إلا مساءا، كما أعاني من عدة جوانب أخرى منها تقصيره في شأن عباداته فهو لا يصلي ولا يصوم وليس لديه أي شعور بالمسؤولية والالتزام الديني من ناحية الحلال والحرام، إضافة إلى إدمانه على مشاهدة المنكرات على الإنترنت، حتى وصل به الأمر إلى تخليه عن الطهارة من الجنابة وارتكاب ما لا يرضي الله وربط علاقات غير شرعية، وأنا حاليا أحتاج لمساعدته في تربية الأولاد، ولقد حاولت أن أرضيه وأهتم به من خلال اعتنائي بشكلي ومظهري والتزين له.. ولكن بدون جدوى، وتركت له البيت فتدخل الأهل بيننا وأقسم انه لن يعود للمنكرات والعلاقات النسائية ولكنه لا يرتدع عن أهوائه ونزواته، ولقد استعنت بالصبر على أذاه، ودعوت الله مخلصة وكلي أمل أن يغير الله سوء حالنا إلى أحسن حال، ولكنني أعيش حالة عصبية تجعلني أضرب أطفالي، وأفقد القدرة على السيطرة عليهم، ولقد حاولت أن أخرج من هذا النفق بالبحث عن عمل ولكن بدون فائدة فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في أمور منها:
ـ معاناتك من إهمال زوجك لحقوقك المادية والمعنوية
ـ تقصيره في تلبية طلبات الأولاد واحتياجاتهم المعنوية والمادية، وعدم اعتنائه بتربيتهم وتوجيههم..
ـ تقصيره في أداء عباداته والتزاماته الدينية، وانحرافه السلوكي وإدمانه على فعل المحرمات ومشاهدة المنكرات..
ـ تدهور حالتك النفسية والعصبية، وضعف قدرتك على السيطرة على أولادك وتربيتهم بمفردك..
أما النصائح والإرشادات التي أقدمها لك أختي الكريمة فهي كما يلي:
أولا: حاولي أختي الكريمة أن تمتلكي مفاتيح النجاح وهي مفاتيح شخصية زوجك التي تكشف مواطن قوته من ضعفه، واكسري الحواجز التي تفصل بينكما، ووثِّقي رباط الزوجية بصلات المودة والمحبة الصادقة، وافتحي أبواب السعادة الزوجية واكسري أقفالها..
ثانيا: اعلمي بأن قيادة البيت بنجاح يعتمد على الكفاءة في التسيير والتنظيم واستخدام الذكاء وحسن الفهم وسرعة البديهة في الإدارة والتوجيه والرعاية.. وامتلاك الحكمة ورجاحة العقل في مخاطبة زوجك والتعامل معه، وفي تربية أبنائك ورعايتهم..
ثالثا: ازرعي بداخلك الشعور بالثقة بالنفس لأنك تتصدرين دفة القيادة وليس التبعية، والشعور بالمسؤولية والالتزام اتجاه خالقك أولا ثم اتجاه نفسك، وبيتك، وزوجك، وأولادك، ومجتمعك بالكامل، وتذكري دائما بأن عليك مسؤولية الرعاية لأبنائك وتكوين أسرة قوية، وإخراج جيل مستقيم طيب الأعراق، يحقق التنمية والازدهار لمجتمعه ولأمته..
رابعا: قوِّي بداخلك الشعور الإيماني، والشعور الإيجابي بقيمة نفسك وقيمة وظيفتك التي تناسبك كزوجة وكأم، وقيمة إنجازاتك داخل بيتك، وتقرَّبي من زوجك وأولادك واحتويهم بحبك وحنانك، فهذا سيمنحك القوة على مواصلة التحدي ومواجهة الصعاب والمشاكل اليومية..
خامسا: المرأة بطبعها وفطرتها توجِّه اهتمامها للعلاقة العاطفية التي تربطها بزوجك أكثر من اهتمامها بالجوانب الأخرى التي قد تكون في كثير من الأحوال سببا من أسباب معاناتها، ولهذا روِّضي أحاسيسك ومشاعرك على تقبل واقعك بإيجابية والتأقلم مع ظروف زوجك والتعوُّد على تصرفاته وطباعه وعاداته السيئة، فالإنسان منا قد يجبر نفسه على قبول ما يكرهه لأجل من يحبهم ولأجل الحفاظ على وجوده معهم..
سادسا: ابحثي دائما عن مبرِّرات لأخطاء زوجك ونزواته وأهوائه حتى ولو كانت لا تبرَّر، ولا تتحملها النفس ولا تتقبلها، وقدمي تضحيات وتنازلات لأجل الحفاظ على كينونة بيتك، وأسرتك، ولمصلحة أولادك ولاستمرار الحياة الزوجية..
سابعا: زوجك كأغلب الرجال، يكره حياة تخنق أنفاسه، وتلزمه القواعد والأصول والواجبات.. والحياة المملة والتقليدية والمكررة، ولهذا فهو يبحث عن أي سبب ليمارس حريته ونزواته وأهوائه خارج بيته، ولكنه يظل إنسانا يصيب ويخطئ، وله صفات إيجابية وأخرى سلبية، فالأولى أن تركِّزي على الجوانب المحبَّبة لنفسك وأن ترفعي من قيمتها لديك، وتتغاضي عن الجوانب التي تكرهينها في شخصيته، حتى ولو كانت بالنسبة إليك غير محتملة، حتى تنتصري على ضعفك، وتخرجي من كل محنة وشدة وأنت قوية بإيمانك وصبرك وجهادك لنفسك.
ثامنا: استعيني بالله وتوكلي عليه وفوضي أمرك إليه، وتأكدي بأن النصر مع الصبر ومع المجاهدة والمكابدة، فقد خلقنا الحق سبحانه ووضع فينا القدرة على النَّصَب والمكابدة، وجعل لكلِّ فردٍ مِنَّا حظًّا ونصيبا من ذلك، مع اختلاف بيننا في أنواع التعب وأشكاله ودرجته من الشدة والبلاء، وقد نبهنا الحق سبحانه إلى هذه الطبيعة في الخلق وفي مكابدة الأمور ومشاقِّها، في قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف: من الآية15] وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]..
تاسعا: واصلي صبرك على زوجك، وألِحِّي بالدعاء له، وابتهلي إلى الله في مواطن استجابة الدعاء وأفضل أوقاتها، أن يهدي الله تعالى قلبه، وأن يلهمه رشده، وأن يصلح حاله، فلعل الله يستجيب لدعائك ويجعل له من التوبة نصيبا، واستعيني بمن له سلطة عليه وتأثير قوي، ومن يكون قوله مقبولاً عنده..
عاشرا: ضاعِفي من اهتمامك بتلبية طلباته وأداء حقوقه، والاعتناء بنفسك وببيتك وأولادك، حتى تكسبي محبته ومودته وتقديره، وتكوني محل اهتمامه وعنايته..
وقد يكون أسلوبك في التزين والاعتناء بنفسك لا يناسب ذوقه ورغبته، أو لديه قيم جمالية وذوقية مختلفة عنك، فحاولي أن تكسري حاجز الخجل والصمت بينكما، وكوني نموذج المرأة التي يتمناها، ويبحث عنها في كل امرأة سواك، وكوني المرأة الجميلة بروحها، وشكلها ومظهرها، وسلوكها وأسلوب تعاملها، المتجدِّدة التي لا يمل من وجودها ولا من مجالستها ومحادثتها..
أما بخصوص تهاونه بشأن الصلاة والصوم وسائر عباداته:
فربما سببها طبيعة الحياة التي يعيشها، أو ملازمته لأصدقاء السوء، وفي كل الحالات والاحتمالات فشأنها عظيم، والراجح أن سببها هو ضعف الإيمان الذي كان من آثاره هذا التهاون في أداء الواجبات الشرعية، والإقبال على المحرمات والتساهل في شأنها..
فالأولى بك أختي الكريمة أن تعملي على رفع مستوى إيمان زوجك وتقويته في وقلبه، وبعث همته للإقبال على الطاعات، واستشعار رقابة الله ومخافته، وذلك بأساليب مختلفة، من ذلك:
ـ ذكِّريه بالله تعالى وطاعته بالموعظة الحسنة، واختاري الفرصة المناسبة، والوقت والمكان المناسب لنصحه، وللتأثير على قلبه تحتاجين إلى الكثير من الحب والمودة والرحمة، والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقك اتجاهه، وإشعاره بخوفك وشفقتك عليه من عقاب الله وسوء الخاتمة، فما كان صادرا من قلب محب مخلص، وناصح صادق، كانت موعظته أبلغ وأنفع..
ـ جاهدي نفسك على تنقية البيت وتطهيره من الملاهي والمحرمات السمعية والبصرية.. وكل ما يصد عن ذكر الله تعالى، ويكون سبباً في ضعف الإيمان وقسوة القلب، واملئي البيت بمجالس الذكر التي تشرح الصدر، وغيري أجواء البيت بإدخال بدائل لها حلاوة ومتعة حلال ولذة نفسية..
ـ شجِّعيه على أداء فريضة الحج وأداء العمرة والزيارة، وأظهري له رغبتك في ذلك، فسيكون لذلك أثر كبير في تجديد الإيمان..
أما بخصوص طلباتك وطلبات الأولاد:
فهذا يحتاج منك إلى ذكاء وحكمة في الحصول على ما تريدينه من طلبات بأقل مجهود ممكن، وأن تدَّخري وتقتصدي في المعيشة اليومية قدر استطاعتك، لتوفِّري احتياجاتك واحتياجات أولادك..
وحتى لو فشلت في إقناعه.. استقلِّي عن مساعدة زوجك، واعتمدي على الله أولا ثم استعيني بأسرة زوجك، واجعلي لنفسك رسالة نبيلة بالحياة واستمعي بلحظاتك مع أولادك، وتابعي دراستهم، وافرحي معهم، وعوِّضيهم عن غياب والدهم وتقصيره بحقهم، وكوني لهم نبع الحب والعطاء الذي لا ينضب معينه أبدا..
وإذا لم يتيسر لك العمل لمساعدة نفسك ماديا، اجتهدي في تعلم بعض الأعمال اليدوية أو المنزلية، وكوِّني ورشات عمل يدوية مع جاراتك مثلا أو قريباتك أو أقارب زوجك أو صديقاتك.. ومن لمست فيهم همة وعزيمة العمل بجد ونشاط، واعرضي هذا الإنتاج اليدوي المشترك في معرض ولو بسيط داخل البيت لبيع المعروضات والحصول على طريق للكسب الحلال..
هكذا كانت أمهاتنا وجداتنا ومن سبقونا من النساء المكافحات والمناضلات اللاتي كان همهن الوحيد أن يظل البيت مستقرا مهما كانت الظروف أو الأحوال..
وفي الختام أقول لأختي الفاضلة: إنني أعلم بحجم معاناتك وشدة ما تقاسينه من آلام وأحزان، تسببت في تدهور حالتك النفسية والعصبية، ولكن لا تيأسي من رحمة الله، وواصلي صبرك وكفاحك للحفاظ على بيتك وأسرتك، ولا تنقطعي عن نصح زوجك وإرشاده للخير، ولا تقطعي حبل المحبة والمودة بينكما، فأنت مأجورة على ذلك، والزمي الدعاء فهو سلاح المؤمن القوي، وحصنه المنيع ضد المحن والشدائد..
لكن اسمحي لي أن أختم نصيحتي لك بشيء، إن فشلت كل محاولاتك التي سقتها إليك، فحاولي أن يتدخل بعض الصالحين من أقربائكم بينكما لأمره بالصلاة وترك المنكرات التي تؤثر على دينك ودين أبنائك، فإن ارتدع واستجاب فبها ونعمت، وإلا لو أصر على ترك الصلاة والاستمرار في المنكرات بما يؤثر على إيمانك؛ فليس أمامك حينئذ سوى المفارقة؛ حفاظاً على دينك وإيمانك وإيمان أبنائك.
أسأل الله العلي القدير أن يهدي زوجك، وأن يصلح حاله، وأن يرده إلى الحق والخير ردّاً جميلاً، وأن يفرج كربتك وييسر أمورك كلها، وأن ينصرك بالحق ويثبتك عليه..