الإعلام المقبول عند الطغاة
16 شوال 1434
منذر الأسعد

ما من طاغية يحب الإعلام الحر المستقل، بل إن هذا الإعلام غير المدجن يأتي في مرتبة العدو الأول لكل طاغية.وقد كان قمع الإعلام قديماً أيسر على المتسلطين على رقاب شعوبهم أو الغزاة المتجبرين على شوب أخرى، فالإعلام المحلي يجري تأميمه وتنقيته من كل ذي ضمير وكرامة، فيصبح مجموعة أبواق متشابهة تردد كالببغاوات ما يريد الطاغية أن يقال لا أكثر ولا أقل.أما في عصر النت والجوال والفضائيات، فقد أصبح الأمر أشد تعقيداً،  وأقوى من قدرات أجهزة القتل والقمع على إخضاعه.

 

لقد لجأ كل طاغية عربي ثار عليه شعبه، إلى طرد الإعلام الأجنبي، ليفاجأ بآلاف الصور تتدفق على النت والفضائيات، ومصدرها عدسات التصوير الموجودة في جوالات الناشطين.
كانت الصورة الأشد قبحاً هي التي شهدناها في الربيع السوري، فقد كانت عصابات الطاغية تبحث أولاً عمن يقوم بالتصوير ليلقى حتفه قبل أن قتل المتظاهرين أو القادة المؤثرين فيهم.

 

في مصر، يبدو الانقلابيون أنه في صدد تقليد النمط الأسدي الرهيب، فالتضييق على الإعلام الذي لا يلتزم بيت الطاعة الانقلابي بدأ بعد ساعات من عزل مرسي، بإقفال القنوات الإسلامية، ثم بسجن إعلاميين من القنوات الموضوعية غير المصرية بعد إغلاق مكتبها.

 

وكشفت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين عدة ممارسات قمع لعدة صحفيين غربيين،  يبدو أنهم أصروا على استقلاليتهم ورفضوا الانصياع للصورة النمطية الأحادية التي يقدمها الانقلابيون، لأغراض خاصة دون أدنى التزام بأي معيار مهني.
لذلك ظلت وحشية أجهزة القمع الانقلابية تمارس القتل والتنكيل وهي في مأمن من الإعلام الحر،   وبقيت المظاهرات المناوئة للانقلاب لا تجد إلى البث سبيلاً باستثناء كاميرات جوالاتهم.

 

أما ذروة المأساة/الملهاة فقد وقعت منذ يومين، حيث كان اثنان من الصحفيين يلتقيان محافظ البحيرة بناء على استدعاء منه، وفي طريقهما بعد مغادرة مقر المحافظ فوجئا بإطلاق نار من كمين للجيش أسفر عن مصرع أحدهما(واسمه:تامر عبد الرؤوف ) وإلحاق إصابات جسيمة بزميله (حامد البربري).

 

اضطر الناطق باسم قيادة الجيش إلى التحدث عن هذه الواقعة، فادعى أن الصحفيَّيْن رفضا الامتثال لأوامر العسكر بالتوقف فاضطر الجنود إلى إطلاق النار عليهما..

 

بالطبع لا يوجد أمام الناطق الهمام صحفي حر ليسأله إذا سلم بروايته المهزلة: الم يكن في إمكان الجنود إطلاق الرصاص على إطارات السيارة بدلاً من إطلاقه على رأس الشخص الذي يقود السيارة؟

 

المشكلة لم تقف عند هذا الحد، فالصحفي المصاب:البربري، تحدث عما جرى له ولزميله وهو ينسف أكذوبة الناطق العسكري..وهنا تولى القضاء المصري"الشامخ!!!" إكمال المهمة لتأديب هذا الصحفي "الوقح"وجعله أمثولة لكل من يتجرأ على التصدي للتهريج على الشعب، حتى لو كان التهريج يفتري عليه وعلى زميله الغافل البريء. فقد تبين للنائب العام بعد يومين من الحادث أن البربري مجرم يجب سجنه احتياطياً وتقديمه إلى محكمة الجنايات بتهمة العثور معه على سلاح غير مرخض –وليس في السيارة- !!

 

التلفيق إذاً سهل وميسور وهو السلاح الأخير  لإسكات كل صوت تسول له نفسه عدم الاستسلام لما يقرره الحاكم بأمره بالقوة.