امتحان باسم يوسف
27 ذو الحجه 1434
منذر الأسعد

أخيراً عاد البرنامج الإعلامي الساخر (البرنامج) الذي يعده ويقدمه باسم يوسف، وذلك بعد توقف طارئ –وفاة والدة يوسف- قبيل الانقلاب الذي أطاح الرئيس محمد مرسي..ثم أصبح التغييب لأسباب مختلفة جذرياً، فالسلطة الجديدة تمارس أحادية إعلامية شرسة، منذ اللحظات الأولى للانقلاب..

 

صحيح أن أحاديتها المناوئة للإسلاميين بعامة وللإخوان بخاصة، تلتقي مع باسم الذي تخصص في التطاول على الرئيس مرسي في عهده، إلى درجة شديدة الإسفاف، لكن الرجل ذا الادعاء العلماني والحديث المتكرر عن الإعلام غير المؤدلج، سوف ينسفه كلياً إذا استمر في خطابه السابق..

 

يبدو أن يوسف عاد في نطاق صفقة معينة، تتيح له شكلاً من المهنية بحيث لا يحصر نقده في الإسلاميين، من خلال السماح له بتناول السلطات الجديدة بطريقة "مهذبة" وناعمة.
القرينة على ذلك تقدمها صحيفتان غربيتان رصينتان لا يمكن اتهام أي منهما حتى بالحياد مع الإسلاميين.

 

فصحيفة واشنطن بوست قالت –بتاريخ 26/10/2013م-: (الحلقة التي قدمها الإعلامى المصري باسم يوسف على قناة "سي بي سي" في 25 أكتوبر عقب عودة برنامجه "البرنامج" أظهرت مدى تراجع الحريات بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وتابعت الصحيفة في تقرير لها في 26 أكتوبر أن باسم يوسف عاد للظهور عبر شاشة التليفزيون مرة أخرى من خلال برنامجه "البرنامج" بعد توقف دام 4 أشهر، إلا أنه عاد بقيود أكثر من السابق جعلته لا يستطيع السخرية من الحكومة الحالية ورئيس الدولة، مثلما كان يفعل أيام الرئيس المعزول محمد مرسي. واستطردت " الحلقة الأولى من برنامج (البرنامج)، التي أذيعت في 25 أكتوبر، لم يتناول فيها يوسف هجوماً مباشراً على رأس السلطة الانتقالية، حيث تحدث على استحياء عنها، وهذا يرجع إلى حملات الاعتقالات الموسعة التي طالت الكثير من الصحفيين والإعلاميين منذ الإطاحة بمرسي". واختتمت الصحيفة، قائلة :"إن باسم يوسف لم يستطع التحدث عن الحكومة الحالية بنفس الطريقة التي كان يتحدث بها عن مرسي، وهذا يكشف القيود التي باتت تفرض على الإعلام المصري وتراجع الحريات في عهد السلطة الانتقالية").

 

أما صحيفة الجارديان البريطانية فقد أدبت دهشتها من أن الحلقة الأولى من برنامج باسم يوسف لاقت موجة شديدة من النقد خاصة من قبل أنصار الجيش، رغم أنه لم يسخر من السلطة الحالية في البلاد بأسلوبه المعتاد واكتفى بالتلميح. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 29 أكتوبر أن إدارة قناة "سي بي سي"، التي يعرض عليها برنامج باسم يوسف، نأت بنفسها عنه بعد موجة النقد الشديد، التي تعرض لها، وأعلنت رفضها الحاد لأسلوبه وكيفية إدارته للحوار. وتابعت الصحيفة أن ما حدث مع باسم يوسف يسلط الضوء على التحديات أمام حرية التعبير في حقبة ما بعد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. وكانت الحلقة، التي قدمها باسم يوسف على قناة "سى بى سى" في 25 أكتوبر، عقب عودة برنامجه "البرنامج"، بعد توقف دام 4 أشهر، أثارت جدلا واسعا، بعد أن وجه انتقادات لمؤيدى وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى وما سماها "حالة من الولع بوزير الدفاع شهدتها مصر في الأشهر الأخيرة"، متخوفاً من استبدال ما سماها "الفاشية الدينية"، التي كانت قد بدأت فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي بـ "فاشية جديدة تعتمد على التخوين حال الاختلاف في الرأي". وسخر يوسف وفريقه من الفنانين من كل المعسكرات سواء المؤيدون للرئيس المخلوع حسني مبارك أو أنصار جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي لها مرسي، أو مؤيدو السيسي. وقال باسم يوسف إنه ليس مع الإسلاميين الذين هاجموه واتهموه بالكفر وطالبوا علناً بإغلاق برنامجه وسجنه، مؤكدا أنه، في نفس الوقت، ليس مع النفاق وتأليه الأشخاص والفرعنة، لافتاً إلى أنه يخشى أن تحل الفاشية باسم الوطنية محل الفاشية باسم الدين. كما سخر باسم يوسف في أولى حلقات برنامجه "البرنامج" من عدد من الرموز الإعلامية، كان أبرزهم أحمد موسى ورولا خرسا، ومحمود سعد، وأسامة منير. وذكرت صحيفة "الأهرام" أن باسم يوسف يواجه تحقيقاً قانونياً بتهم إذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الرأي العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة وإشاعة الفوضى في البلاد. وأضافت الصحيفة أن النائب العام هشام بركات أمر بالتحقيق في بلاغ تقدم به أحد المشاهدين ضد باسم يوسف، على خلفية انتقادات ساخرة وجهها للحكومة الحالية.

 

إلا أن تقرير الجارديان كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ استفز سلطات القاهرة التي فتحت النار على الصحيفة من خلال تصريحات شديدة اللهجة، أدلى بها أحمد المسلماني المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية الموقت، حيث قال: "إن صحيفة الجارديان البريطانية فقدت الكثير من سمعتها لدى القراء المصريين لأنها تحولت إلى صحيفة معادية إلى ثورة يونيو وناطقة باسم الثورة المضادة)!!!.

 

وأضاف في تصريحات صحفية :من يتأمل العناوين المستمرة للصحيفة يدرك أنها سقطت تماماً في بئر الكراهية والتحريض، لافتاً إلى أن عناوين الجارديان فى الأعداد الأخيرة كانت على النحو التالي : "احتفالات أكتوبر عززت انقسام الشعب فى مصر".. و"تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر هو قرار مُرحب به وقد طال انتظاره".. و"مصر تتجه من سيئ إلى أسوأ".. و"مصر في انتظار ثورة ثالثة".

 

واختتم المسلماني تصريحاته بالقول : "إن صحيفة الجارديان تحلق خارج الواقع ولا تعرف شيئاً عما يجري فى مصر، وكل قدراتها الصحفية أصبحت النقل من مواقع وصفحات الثورة المضادة، وبذلك انضمت صحيفة الجارديان البريطانية إلى منظومة الإعلام الأسود المعادي لحق الشعب المصري في حماية ثورته وصناعة المستقبل".

 

هذه الأجواء المحتقنة مترافقة مع غضب أشياع السيسي دعت القيادي السلفي الدكتور خالد علم الدين، مستشار الرئيس السابق محمد مرسي إلى استنكار ما وصفه بـ"رعب النظام الحاكم والإدارة العسكرية ومؤيدي الفريق الأول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع"، من برنامج باسم يوسف. وقال "علم الدين"، في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "سادت حالة من الهستريا أبواق النظام وجوقة الإعلاميين المهللين له لمجرد أن بدأ الكوميدي باسم يوسف في برنامجه التعرض لسيدهم أو قل معبودهم السيسي فهددوا وتوعدوا وأرعدوا وأزبدوا ووضعوا له خطوطاً حمراء بل سوداء". وأضاف: "الغريب أن نفس الشخص ونفس البرنامج هو هو الذي أوسعه هؤلاء المنافقون تهليلاً وأمطره هؤلاء الإعلاميون مدحاً عندما كان يسخر من الرئيس المعزول والحكومة السابقة والإخوان والإسلاميين عموماً، وكم ودافعوا عنه بحجة حرية الرأي، وأن هذه البرامج الساخرة في البلاد المتقدمة تنتقد كل شيء وليس عندها خطوط حمراء وإن الاقتراب منها اعتداء على حرية الرأي والتعبير".

 

ومن الجدير بالاهتمام أن أحد المواقع الإلكترونية نشر نص حوار هاتفي زعم أنه جرى بين شخصية عسكرية رفيعة وباسم يوسف قبل بث الحلقة الأولى من البرنامج بعد عودته، أبدى يوسف خلالها حرصه على إرضاء المؤسسة العسكرية، وإن كان قد أبلغ الشخصية العسكرية الرفيعة أنه سيتناول الرئيس المؤقت عدلي منصور، فسمح له بذلك، وأنه سيستغل سعة صدر الفريق السيسي ليداعبه قليلاً وهنا أصر الجنرال الذي لم يعرف اسمه على معرفة ما سيقدمه باسم تفصيلاً..