متابعات سياسية: داء الأمم.. والسياسة والأخلاق
12 صفر 1435
د. محمد العبدة

من المقولات المشهورة التي أطلقها المفكر الجزائري مالك بن نبي وهو يشخص أمراض الأمة الإسلامية – على الأقل في فترة الخمسينات من القرن الماضي – بأن عندها ( القابلية للاستعمار ) وهو يعني أن ليس عندها المناعة الثقافية والحضارية لمجابهة هذا الاستعمار الذي خرج من الباب بسبب المقاومة البطولية،  ولكنه عاد من النافذة محتلاً اقتصاديا وثقافيا .

 

إن هذا المصطلح وإن أغضب البعض واعتبروه نوعا من الإتهام للشعوب التي قاومت الاستعمار وضحت الكثير في ذلك، ولكن لايزال يحمل نوعا من الصواب فقد عاد هذا الاستعمار ليمارس التخريب الثقافي،  وهو تخريب في جميع النواحي : الهوية والأخلاق والأسرة والمرأة وتحريض الأقليات العرقية والدينية،على الأكثرية الحاضنة للحضارة والمدنية،   ونظرة الى مايحصل من تمزق وتشتت وصراع لاينتهي بين أهل البلد الواحد ما يؤيد ذلك،  وما يحصل في أفريقيا من قتال على أساس قبلي وعصبيات حزبية يؤيد ذلك . ونحن اليوم يمكن أن نقول بناء على واقع بعض الشعوب أن عندها القابلية للاستبداد،  فالذي يجري في مصر من عودة العسكر وموافقة جزء من الشعب على هذه العودة وفيهم المتعلمون أصحاب الشهادات ( ولا نقول المثقفين ) ما يؤيد هذه المقولة فبعد حركة ميدان التحرير التي أطاحت بنظام مبارك الاستبدادي نكس هؤلاء على رؤوسهم وعادوا لقبول الاستبداد، وبهذه المناسبة نحن نحي ونشيد بالأكثرية من هذا الشعب الذي يخرج يوميا رافضا حكم العسكر،  ولاشك أن الحرية لها ثمن،  ويجب ألا يعود الاستبداد،  هذا هو الشيء الطبيعي
كيف يهرب الناس من الحرية التي أتيحت لهم مهما كانت أخطاء من أتاحوها ؟ هل يعتبرون الحرية حملا ثقيلا لايقدرون عليه ؟ أم أنهم لايزالون بحاجة لرجل عسكري يسوقهم كما يريد ؟ هل لأنه يملك القدرة على البطش والأذى،  وأما المدني الذي يحترم المواطن فهذا دليل على ضعفه ؟

 

كيف يسلم الناس أنفسهم لفئة طاغية تتسلط على الأكثرية،  وتفرض عليهم ثقافة الصمت،  وتحيلهم إلى مجرد متفرجين على ما يجري حولهم،  والله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس إلا بالحق ولكنه لم يبح قتل العقل لأنه بهذا العقل يشهد الإنسان براهين الحق وعظمة الرسالة .
إن هذا الصنف من الناس الذين لا يهمهم معرفة الحق ولا يسعون في طلب الحق،  يعجزون عن فهم القضايا التي تحيط بهم،  هذا العجز يسميه القرآن موتا ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) الأنعام/ 122،  لماذا لا نستنبت الحرية ونزرعها في قلوب الناس حتى تنمو وتكبر،  وأعني الحرية التي هي ضد الاستبداد،  ويصبح الإنسان حرا من داخله لايقبل الظلم والاستعباد ولماذا لانبث العلم ( كل اصناف العلم النافع ) عندئذ يتاح للفرد أن يفكر ويختار،  وعلينا أن نوسع إدراك الإنسان لحقيقة إنسانيته ومنزلته بين الخلائق .

 

إن من طبيعة الاستبداد أن يضعف العقول حين يتبنى الخطاب القائم على الدجل والحكايات الممخرقة من شيوخ يبررون افعال السلطة الجائرة ويساعدوها على الفتك بالعلماء المستقلين،  ومن طبيعة الاستبداد أن يضعف الحس السياسي فالفرد هنا لايسمع إلا من إذاعات النظام ولا يشاهد إلا قنوات النظام،  ومن طبيعة الاستبداد أن يصنع الخوف في قلوب الناس حتى يصبح الخوف وكأنه شيء عقلاني،  وكأنه أسلوب حياة ويحول الشعوب إلى أناس ساكتين صامتين،  فهم كما قال تعالى : ( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة )

 

( السياسة والأخلاق )
مازالت بعض الحكومات العربية تنفخ في كير الوطنية الضيقة وتدندن حولها حتى غدت الوطنية وثنا يعبد من دون الله،  وقد أثرت هذه النغمة على بعض الناس وضاع عندهم مفهوم الأمة الإسلامية،  وابتعدت هذه الحكومات عن أخلاق المروءة والشرف ووصلت إلى منحدر عجيب،  فهي ترفض استقبال السوريين الذين فروا من جحيم الطغيان والقتل ولا تقبل إلا بمبلغ من المال وتأشيرة دخول ( الجزائر مثلا )

 

هذه الدول تتأفف وتمتعض من دخول السوريين الذين يظنون أنهم يلجأون إلى إخوانهم،  لقد ضاقت هذه الدول بهم ذرعا،  لقد أزعجوها في راحتها ونومها العميق وراحت تشتكي إلى الأمم المتحدة،  ونحن هنا لانتكلم ونطلب أشياء كبيرة أوعظيمة،  نتكلم عن الإنسانية،  أن يتخلقوا بها،  فمنذ متى كان السوري يحتاج تأشيرة لدخول مصر،  هذا شيء لم يتوقعه أحد .

 

لاتتذكر حكومة الجزائر كم كان حجم التعاطف من الشعب السوري تجاه ثورة الجزائر للتحرر من فرنسا،  وقد شهدنا بأنفسنا كم مرة يعلن عن أسبوع الجزائر في دمشق حتى تنهال التبرعات،  هذا عدا عن المظاهرات المؤيدة والمحتجة على فرنسا والأسر التي استقرت في دمشق وهذا من الواجب وليس تفضلا، فأين الوفاء وأين الأخوة .

 

كانت قصة وفاء (السموأل) تدرس في المدارس الإبتدائية،  وهو يهودي عاش في بيئة عربية قبل الإسلام فتعلم منهم خلق الوفاء حين ودع عنده الشاعر امرؤ القيس أسلحته،  وهل نذكر هذه الحكومات التي لاتناصر المستضعفين من المسلمين بما يقوم به بعض الشخصيات الأوروبية التي ذهبت الى سورية وقدمت كثيرا من الخدمات الطبية .

 

إن الشعب السوري حين يأوي إلى بلد من البلدان لا يلجأ للتسول بل يقدم على العمل ويستثمر أمواله إن كان صاحب مال،  وهو صاحب خبرة في العمل والتجارة،  فلماذا هذه المواقف المخجلة