وأُشهرت الحرب بين حزب «أردوغان» وجماعة «كولن»
16 صفر 1435
خلود الخميس

وذلك قبل الانتخابات البرلمانية في تركيا بثلاثة أشهر!
الثلاثاء 17 ديسمبر، شنت وحدة مكافحة الجرائم المالية في تركيا، خاصة بإسطنبول وأنقرة، حملة اعتقالات، اثنان وخمسون شخصاً من رجال أعمال وبيروقراطيين من بينهم ثلاثة من أبناء الوزراء في حكومة رجب طيب أردوغان، الاقتصاد: ظفر جاغلايان، والداخلية: معمر جولر، والبيئة والتخطيط العمراني: أردوغان بايراكتار، بالإضافة الى رئيس بلدية حي فاتح في إسطنبول مصطفى دمير، وطالت الادعاءات بالفساد والرشوة المدير العام لبنك خلق (البنك الأهلي) سليمان أصلان، بينما لم يتم احتجاز رجل الأعمال علي آغا أوغلو رئيس مجموعة شركات آغا أوغلو، واكتفي بالتحقيق معه، واعتقل أيضاً كثير من رجال الأعمال المشهورين، والمنتمين سياسياً لحزب العدالة والتنمية.

 

المعلومات في المقدمة إشهار لصراع خفي بين إدارة الرئيس أردوغان (حزب العدالة والتنمية) و«جماعة فتح الله كولن».

بدأته الجماعة منذ فترة عبر تغلغها في الشرطة والقضاء وبأذرعها الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، بسبب نزاع على السلطة مع الحزب الحاكم للبلاد.

فقد أخفت الجماعة مطامعها بالاستحواذ على «كوتة» أكبر في الإدارة التنفيذية للدولة، وكانت تفاوض بين حين وآخر الحكومة لتطول يدها في السلطة، ولكن الأخيرة ترى أن من اختاره الشعب هو من يقرر من يتسلم زمام السلطة، وبدأ الشقاق يكبر بينهما لاختلاف وجهة النظر هذه، ومواقف سياسية كبرى كالموقف الداعم للشعوب المسلمة المسالمة في سورية وغزة ومصر.

مع العلم أن جماعة كولن موجودة عبر منتسبيها في البرلمان مع قائمة الحزب الحاكم وبتمثيل مناسب لحجمها، ولكنها كشفت مع قرب الانتخابات البرلمانية في مارس المقبل عما كان في نيتها لتكون شريكاً مساويا للحزب الحاكم، رغم أنه حائز الأغلبية البرلمانية بإدارة الدولة، وذلك بعد أن شاهدت إنجازاته الهائلة في وقت قياسي، وصعوده الشعبي.

 

الأوساط السياسية تتهامس عن استقالات محتملة، متتابعة ومدروسة لأتباع الحركة من البرلمان للتشويش على الحكومة لبيان انفراط العقد بين الفريقين، ولتبدأ مرحلة في خطة التصعيد للابتزاز السياسي للحزب الحاكم.

جماعة كولن قادرة على استخدام الشارع وتجييش العقول وأدواتها جاهزة، وهي من التنظيمات المحافظة أيضاً من تيار التنوير المتدين والمناهض للعنف، وتطرح نفسها كجماعة دينية، وليس لها حزب سياسي ولكنها متحالفة مع العدالة والتنمية ولها قوة اجتماعية كبيرة ستكون مؤثرة على نسب فوز العدالة والتنمية في حال لم تردم الهوة بينهما، الذي لن يحدث قريباً، فعلى الرغم من رفض رئيس الوزراء التركي أردوغان التعليق لوسائل الإعلام في شأن تلك الاعتقالات لأنها على حد تعبيره «عملية قانونية مستمرة»، أقرأ في تصريحاته العامة التي أعقبت الحدث ومفادها أن الحكومة لن تخضع للابتزاز من أي طرف كان، ودعوته لمعارضي الحكومة الى خوض الانتخابات والفوز عبر الصناديق، إن كانت لديهم ثقة بأنفسهم وأن الشعب يؤيدهم، تصعيداً مباشراً مع الجماعة، بعد اتهام كيدي لأذرع الحزب الاقتصادية وعائلات وأعضاء حكومته بالفساد المالي.

 

التراشق بالتصريحات والانتقام السياسي بين الطرفين بدأ الآن، وتركيا في مرحلة انتخاب ولاة البلديات، وأظنه لن يتوقف قبل أن يختار الشعب جماعته لإدارة الدولة في مارس 2014.

رغم أن معلومات سرية استخباراتية كشفت في يونيو الماضي علاقة لا مباشرة لجماعة كولن بالتحريض ضد حكومة تركيا المنتخبة بإرادة شعبية ومظاهرات «حديقة غيزي» المسماه بأحداث تقسيم والتي تطورت من احتجاج مجموعات صغيرة للدفاع البيئية، فاستخدمها مختلف خصوم الحكومة السياسيين كل لتنفيذ أجندته، واجتمعوا على أمر واحد: إفشال حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أن الحزب لم يشهر تلك المعلومات وقد تكون لديه أسبابه، لكن باعتقادي أنه لم يشأ البدء بإعلان معركة ضد حليف مهم كجماعة كولن، في ظل تربص داخلي وخارجي.

 

اردوغان يقود حزباً محافظاً يجاهد منذ أحد عشر عاماً في السلطة، وقبلها في البلديات، وقبلها في السجون، ضد فكر إقصائي للعامة من الشعب التركي، متحيز للنخب الحاكمة من طبقة الأغنياء والجيش والقضاء، وقد توصل بعد جهد وعمل مضن إلى قطع شوط كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب في الحقوق والواجبات وشبه القضاء على النظرة العنصرية التي كانت الحكومات السابقة تكرسها لمصالح خاصة وفئوية.

في هذه البيئة العدائية عمل الحزب لتحقيق مشروعه الاقتصادي عبر الإدارة السياسية الأخلاقية وهذا تحد كبير نجح فيه، ما أثار كل أولئك الذين خسروا قواعدهم الشعبية وخططوا «للانتقام السياسي» وساندهم مجتمع دولي حانق على استقلالية القرار في الإدارة التركية، والتي صارت مقرِضة للبنك الدولي بعد أن كانت مدينة له بالمليارات، وحققت ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق لأي من دول الاتحاد الأوروبي التي تقف حجر عثرة لانضمام تركيا إثر مرجعيتها الدينية، كما صرحت أكثر من دولة بغرف نصف مغلقة.

أمسكت الحكومة ممثلة بحزب العدالة والتنمية بزمام أكبر وأهم ملف النزاع الكردي الدموي ضد الدولة التركية، ونتج عنه تسليم للسلاح، الآن تعمل على ملف «الأرمن» عبر مساع حثيثة لوزير خارجيتها داود اوغلو ضمن استراتيجيته «تصفير المشاكل».

 

تلك أسباب مهمة وكبيرة تجعل أي جماعة تتبع كل الوسائل الممكنة للصعود على أكتاف تلك الإدارة الناجحة المنجزة، ليصيبها شيء من شرف نتائج الإخلاص في خدمة الشعب.

ولكن يبقى منهج الإدارة الأخلاقية لحزب العدالة والتنمية، وهي القيمة الراسخة له، محك النزال، فالذي يقاتل بشرف ونزاهة لا يضمن الفوز دائماً، ولكنه يعلم أنه يقاتل في سبيل الحق ومع الطرف الصح ولا يخاف الانكشاف.

والآن، ماذا ستفعل الحكومة أمام هجمات من التحالفات الداخلية، والداخلية المدعومة خارجياً ضدها للتأثير على موقفها في انتخابات مارس؟ وهل سيصب تحرك جماعة «كولن» في مصلحة حزب العدالة والتنمية في استطلاعات الرأي العام مثلما كانت في «مظاهرات تقسيم»؟

سنراقب المشهد.

 

twitter@kholoudalkhames

المصدر/ الأنباء الكويتية