من يعبث بفطرة شباب المسلمين
4 ربيع الأول 1435
د. عامر الهوشان

أن يسيء اليهود وأمثالهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتاباتهم وأفلامهم ورسوماتهم , فهو أمر متوقع من أشد الناس كراهية وعداوة لهذا الدين ورسوله الكريم بنص القرآن الكريم { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ...} المائدة/82 , أما أن ينحرف بعض شباب المسلمين عن فطرته السليمة , ويتنكب عن الجادة القويمة , إلى مهاوي المساس بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهو أمر في غاية الخطورة , ولا بد من معرفة أسبابه ومعالجتها بأسرع ما يمكن .
فقد انتفض الموريتانيون غضبا إثر وقوع جرم من هذا النوع في بلادهم , وخرجت المظاهرات في كل من العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو شمال البلاد نصرة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم , وتنديدا بالتطاول على مقامه الكريم من قبل بعض الكتاب، منتقدين بعض المواقع الإلكترونية التي نشرت مقالا مسيئا خلال الأيام الماضية .
وتكمن المشكلة هذه المرة أن المدون والكاتب المسيء للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن يهوديا أو صليبيا , بل هو واحد من المسلمين المغيبين عن فهم أصول عقيدتهم وصحيح دينهم , شاب يدعى محمد ولد محمد الشيخ امخيطير نشر مقالا على الفيس بوك بعنوان : (الدين والتدين و لمعلمين) أساء فيه فهم الدين الإسلامي والسيرة النبوية , ونسب فهمه الخاطئ هذا للنبي الكريم والإسلام , مما تسبب بموجة غضب عارمة في البلاد .
ومع الموافقة على إدانة أمثال هذه الأفعال وتجريمها , و تأييد مطالب الشعب الموريتاني بإنزال أقصى العقوبات على كاتب المقال وأمثاله من المتطاولين على الدين وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم , ومع تأييد تنفيذ مطلب مفتي موريتانيا الإمام (أحمدو ولد لمرابط) خلال خطبة الجمعة الماضية بالأخذ على أيدي السفهاء الذين يتطاولون على النبي الأعظم من قبل السلطات الموريتانية , والذي تم على الأقل البدء بتنفيذه من خلال إلقاء الشرطة الموريتانية القبض على كاتب المقال , إلا أن ذلك كله لا ينبغي أن يشغلنا عن سبب وقوع الحادثة أصلا في ديار الإسلام وعلى أيدي بعض المسلمين أنفسهم .
وإذا أضفنا إلى ذلك معلومات تفيد بأن أسرة كاتب المقال أسرة مسلمة محافظة , ويدل على ذلك براءة والد هذا الشاب وأخوته مما قال ابنهم أو كتب أخوهم , ومطالبتهم تطبيق شرع الله فيه ، وإذا علمنا أن مصادر صحفية تؤكد أن والد كاتب المقال - ويعمل مساعدا لمحافظ مدينة نواذيبو - هو الذي سلم الشاب بنفسه لوحدات أمنية قائلا إنه «يتبرأ من أفعاله»، كما طالب السلطات بإنزال العقوبات المستحقة عليه , فإن موضوع البحث عن أسباب انحراف فطرة شبابنا وبناتنا إلى هذا الحد وطريقة معالجتها أهم بكثير من السب والشتم واللعن وأمثاله .
ولا يخفى على أحد من المسلمين الدور الكبير والأثر الخطير للتيارات الفكرية الوافدة على عقول وفطرة المسلمين في العالم الإسلامي , خاصة مع التقدم المذهل في الحصول على المعلومة من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي غزت البيوت والجيوب , ولا يخفى أثر تسهيل دخول ثقافة التغريب إلى بلادنا - عبر بعض عملائهم وأزلامهم - لتعبث بإيمان المسلمين , عبر التشكيك من خلال إثارة الشبهات تارة , أو بإثارة الشهوات تارة أخرى .
ومع ضحالة تثقيف المسلمين بثوابت دينهم وأصول عقيدتهم , ومع ضعف الوازع الديني الناتج عن أزمة تربوية إيمانية أخلاقية علمية في العالم الإسلامي , ومع الانبهار الثقافي الناجم عن قوة الغرب وضعف المسلمين , تسللت الكثير من ثقافة الغرب إلى شباب المسلمين , تلك الثقافة التي تدس السم بالعسل – وإن لم يكن هناك عسل أصلا – فالحرية الفردية تعني سب الدين وإهانة المقدسات وإتباع الشهوات , وحقوق الإنسان مقصورة على العنصر الغربي , والديمقراطية حق للغرب حرام على المسلمين ....الخ .
وبعيدا عن مناقشة مقال الكاتب وتفنيد هرطقته وسوء فهمه لدينه , والذي كشفه بعض من رد عليه وعلى مقاله من الموريتانيين وغيرهم , فإن المشكلة الأهم هي في معالجة هذه الظاهرة قدر المستطاع , من خلال اتباع بعض الإجراءات الوقائية التالية :
1- الاهتمام بنشر العقيدة الإسلامية الصحيحة على نطاق واسع , من خلال تدعيم مادة الدين الإسلامي في مدارس ومناهج الدول العربية والإسلامية , وانتقاء خيرة المدرسين لتولي شؤون تدريسها وتبسيطها إلى التلاميذ .
2- عقد بعض الدروس والمحاضرات والندوات التي تشرح فيه أصول الدين وثوابت الشريعة , وتزيل أي شك أو لبس أو سوء فهم لأي مسألة إسلامية من خلال اتباع أسلوب السؤال والجواب في كل بلد عربي وإسلامي .
3- مراقبة وسائل الإعلام والاتصال التي تدور حولها علامات استفهام , وذلك للحد من نشر أمثال هذه الترهات والأفكار التي تزعزع هيبة الإسلام في النفوس والعقول .
4- سن القوانين التي تجرم كل ما يمس الدين الإسلامي , ووضع العقوبات الحاسمة والمناسبة مسبقا لجرائم الاعتداء على حرمة الأديان والمقدسات , حتى يتيقن الجميع أن العقوبة الشديدة تنتظر كل من تسول له نفسه المساس بحرمات المسلمين ومقدساتهم .
وإذا كانت معالجة المشكلة بعد وقوعها واجبا وفرضا , فإن الوقاية منها قبل وقوعها أشد وجوبا وأكثر فرضية , وكما يقول المثل : (درهم وقاية خير من قنطار علاج ).