6 رمضان 1435

السؤال

أفيدوني بارك الله فيكم، فأنا في حيرة، فقد تزوجت مرتين، في المرة الأولى تزوجت من فتاة، ورُزِقتُ بطفلة، وحدث بعدها طلاق، ولم أكن راضيًا عن الطلاق، إلا أنهم ضغطوا عليَّ، مع أن الحياة كان بها كثير من المشاكل، ومن ضمن أسبابها أن عندها عُقَد بسبب المشاكل الأسرية منذ أن كانت صغيرة، فأثرت على بيتنا، وأخبرنا الجيران بعد الطلاق بأنه كان عندها مرض نفسي وكان علاجها الزواج.
ثم بعد ذلك قابلني رجل فاضل ودلني على إحدى الفتيات لكي أتقدم إليها، وأخبرني بأن عمرها ثلاثين سنة، أي أكبر منى بثلاث سنوات، في ذلك الوقت، وذهبت إلى بيت أهلها، وأخبرتني بأن عمرها اثنان وثلاثين سنة، يعنى أنها أكبر مني بحسب كلامها بخمس سنين، ثم حدث قبول بيننا بعد أن أخبرتها بما مضى، وما أدى إلى الطلاق، وما عانيته من ابتلاءات، وما أحبه وما أكرهه، ثم بعد ذلك تمت الخطبة والزواج.
وبعد الزواج، وفي اليوم الثالث تحديدًا، رأيت في بطاقتها أنها تكبرني بثمان سنوات، يعنى أنها كذبت عليَّ، وهذا الأمر أحزنني وأغضبني إلى وقتنا هذا، في أنها أخفت عليَّ سنها الحقيقي (ثلاث سنوات غير الخمس سنوات)، ثم بعد ذلك ظهر القبيح منها في رفع صوتها عليََّ واستفزازها ليّ، حتى أنها أوصلتني إلى درجة الغضب الشديد، وحذرتها مرات عديدة من أن رفع صوتها وجرأتها عليَّ سيوصل الأمر إلى مشاكل وخراب للبيت، ولكنها لم تستجب.
وحدث الشجار بيننا، فاضطررت مُرغَمًا إلى ضربها، بعد استفزازها ليَّ، فتركت البيت مرة بدون إذني فأرجعها والدايّ، ثم تركت البيت مرة أخرى بدون إذني وأنا أصلي، ولم يُخَطئْها أحدٌ من أهلها فيما تفعله، ومع ذلك ذهبت إليها وأرجعتها إلى البيت، ثم بعد ذلك حدثت مشاكل كثيرة بيننا، ووصلت إلى مد الأيدي والشتائم، وصرخت وحضر الجيران على صراخها، وبعدها حدثت مشكلة فتركت البيت بدون إذني وأنا أغتسل في دورة المياه، فتركتها شهرين عند أهلها.
ثم هي الآن تتصل عليَّ تريد أن ترجع للبيت، ولكنني أشعر بالنفور منها، لأفعالها ولكذبها عليَّ في سنها، وأرغب في الزواج من غيرها، وفكرت في طلاقها، وليس هناك أولاد بيننا، وأنا أخشى من إرجاعها لأنها مقصرة في بعض حقوقي الشرعية، وبسبب جرأتها عليَّ وعصبيتها ورفع صوتها.
إن طلقتها ستأخذ كل ما في البيت، وليس لدي مال لأشترى أثات وأجهزة للبيت، وإن طلبت منها أن تطلب هي الطلاق لتأخذ ما أتت به من جهازها فقط سترفض، لأنها لا تريد الطلاق، بل تريد الرجوع، ولكنني أخاف الفتن (من تقصيرها في حقوقي الشخصية ولكذبها عليَّ في سنها) والمشاكل (جرأتها عليَّ وكذبها ونكران ما تقوم به)، وأرغب في الذرية (لأنه لم يحدث إنجاب)... فماذا أفعل بارك الله فيكم؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فقد قرأت استشارتك عدة مرات، وفهمت منها، أنك تزوجت مرتين، وفي الأولى رُزِقتُ بطفلة، ثم وقع الطلاق بينكما، على غير رغبتك، وبعدها علمت من جيرانها أنها كانت مريضة نفسيًا. وفي المرة الثانية تزوجت من فتاة، ولم تنجب منها حتى الآن، وأنها الآن في بيت أهلها منذ شهرين، بعد عدة مرات من الشجار والشد والجذب بينكما، وأنها تريد أن تعود إلى بيتكما، لكنك متردد بين إعادتها وتطليقها.
كما فهمت من رسالتك أن هناك عدة مشكلاتك تقف أمام إعادتها للبيت، وهي: ما تقول إنها قد كذبت عليك في سنها حيث اكتشفت أنها أكبر بثلاث سنوات مما قالت لك، وعصبيتها ورفع صوتها عليَّكَ واستفزازها لك، وتركها البيت مرات دون إذنك، فضلاً عن كونها مقصرة في بعض حقوقك الشرعية، خاصة وأن الأمر وصل إلى مد الأيدي والشتائم بينكما، وأنك اضطررت مُرغَمًا إلى ضربها، بعد استفزازها لك.
وتوضح أنه ليس هناك أولاد بيننا، وأنك تفكر في طلاقها، وأن المشكلة تتلخص في خوفك من أنها "ستأخذ كل ما في البيت" إن طلقتها، وليس لديك مال لتشترى أثات وأجهزة للبيت، كما أنك تتوقع أنها لن تطلب الطلاق. وتلخص المشكلة بقولك: "أخاف الفتن، والمشاكل، وأرغب في الذرية"، وتتساءل: فماذا أفعل؟.
أخي الحبيب:
قبل أن أقدم لك مقترحاتي لحل المشكلة، أود أن أوضح لك بعض النقاط الأساسية، وهي:
1) أن الإسلام شرع الزواج محلاً للسكن، وعنوانًا للمودة والرحمة، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم- 21].
2) أمرنا الإسلام بالتدقيق عند اختيار الزوجة، شريكة العمر، ومصنع الرجال، ووضع لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عددًا من الشروط لنستهدي بها في رحلة الانتقاء والاختيار، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" [متفق عليه].
3) هناك فارق بين مناقشة أمر قبل وقوعه، ومناقشته بعد وقوعه، فعندما يقول قائل: أريد أن أتزوج وأود أن أعرف ماذا يجب عليّ؟ وما هي الشروط الواجب مراعاتها عند اختيار الزوجة؟.. فهذا أمر، وعندما يسأل سائل: تزوجت ووقعت في مشكلة كذا وكذا.. فماذا أفعل؟.. فهو أمر مختلف تمامًا، ففي الحالة لثانية نحن لا نؤسس لبناء جديد وإنما نقوم بترميم بناء يكاد أن يتهدم.
4) في أحيانٍ كثيرة يكون تأخر الإنجاب فرصة من الله عز وجل لكلا الزوجين لاختبار الآخر، في معترك الحياة الزوجية، بعيدًا عن الصور المصطنعة التي يبدو عليها كلاهما في فترة ما قبل الزواج.
5) في الحياة الزوجية لابد أن يتحلى كلا الزوجين بعدة أخلاق أساسية، وفي مقدمتهاِ: الصفح الجميل، والصبر الجميل، إنكار الذاتـ حتى يتمكن قطار الزوجية من السير دون الخروج عن القضبان.
أخي الفاضل:
أما عن مشكلتك فليس أمامك سوى خيارين اثنين، لا ثالث لهما:
الأول: أن تطلقها.. ولو اتخذت هذا القرار فلن يلومك أحد، لأن مبررات هذا السيناريو كثيرة، ومنها: أنه "ليس لديكما أبناء" يمكن أن يتحملوا عاقبة مثل هذا القرار، وأنها "كذبت عليك في سنها"، أنها "عصبية"، و"ترفع صوتها عليَّكَ"، و"تستفزك"، و"تترك البيت دون إذنك"، كما أن "الأمر وصل بينكما إلى مد الأيدي والشتائم"، فضلاً عن كونها "مقصرة في بعض حقوقك الشرعية"، كما ورد في رسالتك. غير أن هناك مشكلة ستقابلك في هذا الخيار (الطلاق)، وهي أنها "ستأخذ كل ما في البيت من أثات وأجهزة"، بينما ليس لديك مال لتشترى غيره، وهو ما يعني أنك ستتأثر "ماديًا" لدرجة كبيرة، قد تمنعك من الزواج بأخرى، وهو ما يعني "العيش بلا زوجة وبلا أثاث ولا أجهزة"!!.
أما الخيار الثاني: فهو "أن ترجعها إلى البيت وتصبر وتتحمل"، وهو خيار أقرب إلى واقعك، وأنسب لظروفك، ولو اتخذت هذا القرار فلن يلومك أحدٌ أيضًا، ومبرراتك كثيرة، ومنها: أنها "مكثت في بيت أهلها شهرين" وهي مدة كفيلة بإصلاح العلاقة، فلا شك أن الزمن جزء من العلاج، كما أنها هى التي تتصل عليك َ"تريد أن ترجع للبيت".
ومن ناحيتي، فأنا أرجح الخيار الثاني، ان وجدت منها الندم على مافات والاستجابة المبدئية لمطالبك , وأوصيك ببعض النصائح لعل الله يجعل فيها النفع، وهي:
1- اجلس مع نفسك، جلسة الحسم، قبل اتخاذ القرار المصيري، ثم استخر الله عز وجل، والاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم, وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ (رضي الله عنه)، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَ(يُسَمِّي حَاجَتَك) وكرر ذلك ثلاثا.
2- استشر أهل الفضل ممن تثق في دينهم، ممن ليس لهم منفعة بكلا الأمرين.
3- اجلس معها على انفراد، قبل البت في القرار، على أن تكون جلسة مصارحة، ومكاشفة، لا عتاب فيها، ولا لوم، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.
4- اتفقا خلال الجلسة على: إغلاق صفحة الماضي بحلوها ومرها، وأن يصفح كلٌ منكما عن أخطاء الآخر في حقه، على أن تفتحا معًا صفحة جديدة، ملؤها الاحترام المتبادل والحب والتفاني والإخلاص، وملاطها الصبر، والمودة، والمغفرة، والتحمل، ولا تنس أن تصلي ركعتين في جوف الليل ثم تبتهل وتدعو لها بصلاح الحال.
5- بعد صلاة الاستخارة، والاستشارة ومجالستها , اجلس مع نفسك، لترى إلى أي الخيارين ارتاح قلبك؟، فإذا وجدت أنك مستريح للقرار الثاني فتوكل على الله وأعد زوجتك لبيتكما، وعيشا سويًا في سعادة وهناء، وابتعدا تمامًا عن كل ما يعكر صفو هذا الحياة الزوجية. وإذا لم يسترح قلبك لهذا الخيار، واستقر فؤادك للخيار الأول وهو الطلاق، وعقدت العزم عليه، وعرفت جيدًا أنك ستتحمل تبعاته، فاحسم الأمر، واعلم أن آخر العلاج الكي، وأن الطلاق في الإسلام حلٌ لبعض المشكلات التي لا حل لها.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح فساد بينكما، وأن يهد قلبيكما للاستجابة لنداء الشرع والعقل، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره، وأن يصلح لك زوجك، اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.