بديل الجمعيات الإسلامية المصرية المجمدة
10 ربيع الأول 1435
د. عامر الهوشان

لم تعد الحملة الشرسة على الإسلام والمسلمين في العالم تحتاج لدليل أو برهان , فالواقع المعاصرة ينطق بهذه العداوة بفصاحة وبيان , والأحداث اليومية الدامية ضد المسلمين في كل مكان من هذا العالم , تنبئ عن خروج هذه العداوة الغربية العلمانية عن عباءة التستر بالشعارات الكاذبة , إلى التصريح والمجاهرة والعلن .

 

ولم تقتصر هذه العداوة على المسلمين في العالم الغربي غير المسلم , بل تعدته إلى البلاد العربية والإسلامية , التي تتعرض لموجة تغييرات لم تشهد المنطقة لها مثيلا , أثمرت عن عودة التيار الإسلامي إلى الساحة السياسية بقوة , وأظهرت قوته وتماسكه وشعبيته رغم الضربات العلمانية الكثيرة التي تعرض لها منذ انهيار الخلافة العثمانية وحتى الآن .

 

وكعادة الغرب في تعامله مع هذا التيار منذ عقود من الزمان , فإن العنف والقوة ومصادرة الحريات هو سلاحه الأهم في معركته مع المسلمين , بعد هزيمته الحالية والتاريخية أمامهم ديمقراطيا وحضاريا , ولعل ما يحدث في مصر ترجمة حقيقية لما سبق , فبعد فشل العلمانيين في الفوز بأي استحقاق برلماني أو رئاسي , لم يجدوا إلا الطريقة الغربية الأخيرة للتعامل مع الإسلاميين , والتي لم تكتف باستهداف قادة التيار الإسلامي واعتقالهم , بل تعدته إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية , التي تتحمل عبئا كبيرا عن الدولة المصرية في مساعدة الفقراء والمساكين وعلاج المرضى والمصابين . فقد صدر منذ مدة قرار بتجميد أموال 1055 جمعية خيرية إسلامية في مصر , وأشهرها "الجمعية الشرعية" و "أنصار السنة المحمدية" و "الشبان المسلمون" , بدعوى ارتباطها بشكل أو بآخر بجماعة الإخوان المسلمين التي أصبحت محظورة , بل ومنظمة إرهابية وفق قرار الحكومة المصرية الأخير .

 

ومع علم جميع المصريين براءة هذه الجمعيات من أي ارتباط بالإخوان أو غيرهم , إضافة إلى حاجة المجتمع المصري الشديدة لأمثال هذه الجمعيات على الأرض , حيث تزداد نسبة الفقراء والمحتاجين في مصر يوما بعد يوم , فإن ذلك لم يشفع لهذه الجمعيات بالبقاء , بل مضى قرار تجميد أموالها تمهيدا لإيجاد البديل عنها , والذي كشفت صحيفة المصريون عن طبيعته وخلفيته وأهدافه , التي لا تقتصر على مساعدة الفقراء والمساكين فحسب , بل تتعداها إلى أهداف عقائدية وإيديولوجية وسياسية خطيرة .

 

ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحرب على الجمعيات الخيرية الإسلامية , فتح الباب على مصراعيه للجمعيات النصرانية , حيث كشفت صحيفة المصريون عن وجود 1600 جمعية قبطية تعرض خدماتها كبديل عن الجمعيات الإسلامية التي صدر بشأنها قرار تجميد أموالها مؤخرا .

 

ونقلت الصحيفة عن محمد الشماس - الذي كان يعمل شماسًا بالكنيسة قبل إسلامه - عن أن الجمعيات القبطية المعلن عنها لا تزيد على 700 جمعية , بينما هناك أكثر من 900 جمعية مخفية غير معلن عنها ، مؤكدا أن كل الجمعيات القبطية المعلنة و المخفية تحظى بدعم خارجى وداخلى كبير , أما الداخلي فيتمثل برجال الأعمال الأقباط وعلى رأسهم نجيب ساويرس , وأما الدعم الخارجي فيتمثل بتجمع الأقباط المهجر "بولندا" الذين يمولون الكنائس المصرية التى تقوم بتمويل الجمعيات المعلن عنها ، بالإضافة إلى الأقباط المهاجرين بالخارج فى أستراليا وأوروبا والأمريكيتين بطريقة شخصية والذين يمولون الجمعيات القبطية بشكل مباشر وشخصى .

 

ولم ينكر الأقباط إحلال جمعياتهم كبديل عن جمعيات الإسلاميين , بل أكد نشطاء وحقوقيون أقباط ، استعدادهم التام لاستقبال كل المتضررين من إغلاق الجمعيات الإسلامية بجمعياتهم القبطية - الخيرية القبطية و التوفيق و المحبة و الإيمان و الإخلاص و ملجأ الأيتام و الأقباط الأرثوذكس وغيرها كثير - مؤكدين أنهم يعملون على جمع أكبر قدر من التبرعات من الداخل والخارج للمساهمة فى إنجاح هذا العمل البديل , وكشفت بعض الحركات القبطية عن استعدادها لمساعدة المتضررين بقرار التجميد , وتفعيلها لحملات لمقاطعة منتجات شركات ومصانع جماعة الإخوان المسلمين , متمثلة فى قائمة تشمل كل مصانع وشركات الإخوان .

 

و رغم زعم رمسيس النجار – مستشار الكنيسة المصرية – خضوع كل الجمعيات القبطية للمراقبة المالية والاجتماعية من وزارة التأمينات , وتأكيده على عدم وجود مصادر تمويل لها إلا ما تتلقاه من المتبرعين و بعض الدول الخارجية , تحت سمع وبصر وزارة التأمينات و مباحث الأمن الوطني , إلا أن الجميع يعلم أن الكنائس لا تخضع لهذه المراقبة لا في مصر ولا في غيرها . لقد دق الإسلاميون في مصر ناقوس الخطر من آثار ونتائج هذه الخطوة , محذرين من حرب على الإسلام تتحرك على قدم وساق, مستغلة حالة الفوضى التي تعيشها البلاد للقضاء على الإسلام في مصر والترويج للنصرانية فيها , من خلال إغلاق الجمعيات الخيرية الإسلامية لفتح الطريق لجمعيات قبطية ، لكون الطريق الأسهل للمواطن الـ"البسيط" هى المساعدات الخيرية . وقد أكد خالد سعيد - المتحدث باسم الجبهة السلفية - أن نحو ربع مليون أسرة مصرية معرضون لخطر اللجوء للجمعيات القبطية المتهمة بالقيام بأعمال أخرى في الخفاء مثل التنصير , مؤكدا رصد عدة حالات تنصير في عدة محافظات مصرية . إنها السياسة الغربية المعادية للإسلام والمسلمين التي لم تتغير منذ عقود , التي تجعل من حاجة المسلمين الماسة إلى لقمة العيش والغذاء والدواء , وسيلة للمساومة على الدين والعقيدة , وتحقيق المصالح الغربية المادية المقيتة .

 

ومن هنا يمكن فهم حرص الغرب الشديد على إبقاء الفقر مخيما على معظم بلاد المسلمين .