ما الحرب في عراق اليوم
18 ربيع الأول 1435
جون لي أندرسون

نحن في السنة الحادية عشر منذ الغزو الأمريكي للعراق، والذي منذ أن بدأ، ثبت أنه آلة قاتلة بحجة الحرب على الإرهاب التي أطلقها جورج دبليو بوش، وإدارته، الصقور المحافظين الجدد، وذهب أبعد من ذلك في الترويج للحرب في العراق كوسيلة لتعزيز الديمقراطية في أراضي المسلمين. في الوقت نفسه، كان هناك قلق متزايد من أن الأمور قد لا تنجح. ففي 2005 كان لي محادثة مع السفير الامريكي لدى العراق في ذلك الوقت، زلماي خليل زاد، وقال انه تحدث عن مخاوفه: "أسارع إلى التفكير في ماذا يمكننا أن نواجه اذا لم نستطع ترتيب الاوضاع في العراق" وأضاف أنه يتوقع إمكانية أن حربا عراقية أهلية بين السنة والشيعة يمكن أن تنتشر في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

 

أين نحن اليوم؟ يبدو انه الوقت المناسب لترتيب الأوراق من جديد.
في العراق، وبعد عامين من حكمه، قام الرئيس باراك أوباما بسحب القوات الامريكية من العراق بعد مقتل أربعة آلاف وخمسمائة من الأمريكيين، والله وحده يعلم كم من أرواح العراقيين ستزهق، في حرب طائفية ممكن ان تشتعل.

 

تذكرون الفلوجة، تلك المدينة الواقعة على مشارف بغداد، في محافظة الأنبار السنية، موطن القبائل المضطربة منذ الاحتلال البريطاني لبلاد ما بين النهرين، قبل مائة عام. وفي الفلوجة ايضا، في عام 2004، في محاولة للتغلب على المتطرفين الذين كانوا يسيطرون عليها في ذلك الوقت، خاضت القوات الامريكية المقاتلة معركتين منفصلتين، بتكلفة تبلغ ما يقرب من ربع الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق خلال الحرب التي استمرت بالمدينة - ونحو ألف من الرجال والنساء لقوا حتفهم - في محافظة الأنبار.

 

في سوريا، ومنذ أكثر من عامين ونصف هنالك حرب أهلية دامية، حوالي مئة وعشرين ألف شخص قد لقوا حتفهم، وأكثر من ربع سكان البلاد يعيشون الآن كلاجئين إما كنازحين بالداخل أوخارج البلاد في الدول المجاورة. وبعد أن فقدت الحكومة سيطرتها الفعلية على اهم ثاني مدينة في البلاد، حلب، لصالح المتمردين، يشعر النظام الآن على ما يكفي من الثقة لاعداد هجوم لاستعادة السيطرة عليها.ان الصراع في سوريا، بطبيعة الحال، حول الكثير من الاشياء.

 

أما في لبنان، الدولة المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي شكلتها أوروبا في غمار تقسيم الإمبراطورية العثمانية، عقب الحرب العالمية الأولى، وبفضل امتداد الصراع في سوريا المجاورة، أنها تبدو وعلى نحو متزايد وكأنها قطعة متصدعة من الزجاج، فقط تنتظر صدمة كي تنهار تماما، وكما هو الحال في سوريا.

 

وهكذا فان المنطقة سائرة باتجاه التقسيم. واذا كانت الحرب الباردة قد ثبطت الصراعات وجعلتها طويلة الأمد (التي ساعدت على احتضان الاسلام المتطرف) ويظهر ذلك جليا في سقوط الاتحاد السوفيتي ويبدو واضحا الآن في تدخل الولايات المتحدة في العراق وافغانستان ( ان موت صدام حسين، شنقا، في 2006 بنزعة انتقامية، لكنها لم ترض شياطين العراق). وجاء الربيع العربي في 2011 تلك الظاهرة التي رفعت المعنويات والآمال وتسببت بنوع من الخوف في الغرب وبالتأكيد في انحاء الشرق الاوسط حيث انهار الاستقرار واستبدل بالفوضى، ففي مصر التي كانت حليفا استيراتيجيا لامريكا بالمنطقة وللقوى الغربية كذلك منذ توقيع انور السادات معاهدة سلام مع اسرائيل في كامب ديفيد والآن ما بعد مبارك وبعد الإخوان مصر في قبضة زمرة عسكرية تحاول يوما بعد يوم توسيع تعريفها للإرهاب ومن هم الارهابيين ؛ فبدأ العنف المتطرف بالظهور كردة فعل أو من جراء الاستفزاز أو كليهما، والطغيان المتوقع والعنف المتزايد في بلاد الفراعنة وربما حتى الحرب الاهلية.

 

بالتأكيد ان هلال عدم الاستقرار السياسي العنيف يربط الدول المسلمة من موريتانيا غربا وحتى باكستان شرقا مما يؤثر على الدول المجاورة في اوروبا وافريقيا وهذا الموضوع ليس له نهاية، والتأثير الأكثر ازعاجا لهذا الهلال هو في وسط وشرق افريقيا لأنها دول ضعيفة حيث تنتشر فيها موجات من الحروب المتقطعة والعنف واللاجئين والفوضى العارمة التي تمتد من القرن الأفريقي إلى النيل ومن البحيرات العظيمة الى منطقة الساحل، إنه أمر خطير: الحرب تزدهر في الفراغ.

 

في هذه الأيام نجد أن الولايات المتحدة غير مهتمة بإرسال قوات قتالية وتكتفي بالمستشارين وفرق التدخل السريع الصغيرة في مهمات خاصة (قتل بن لادن أو القضاء على الارهابيين في الصومال) وبدلا من ان ترسل قوات مقاتلة فهي تدعم بعثات حفظ السلام وترسل مساعدات انسانية ومنخرطة بالدبلوماسية الشاقة وهذا كله جيد من مبدأ لماذا تدخل حروبا لا تستطيع الفوز بها ؟ وانها لا تريد استذكار ماحصل في الماضي وتكرار الأخطاء الاستراتيجية والحماقات التي أدت إلى غزو العراق وتداعيات هذا الغزو ولكن في نفس الوقت من يستطيع القول ان هذا العالم ليس في حالة حرب ؟ وهل لدينا خطة عمل ؟

 

 ورجوعا الى الخلف، عندما كان يحاول اصلاح العراق، السفير خليل زاد تحدث عن اسلوبه في استخدام نظرية الفوضى لكنه عبر عن اسفه لعدم وجود استراتيجيين امريكيين ببراعة وعمق مثل بريجينسكي - استاذ خليل القديم - أو كيسنجر الذي يعتبر مساعدا في وضع الأمور وتوجيهها على أحسن حال، وكان زاد على ما أظن من طريقة كلامه هذه يريد أن يقول لجميع الطموحين ان "مؤسسة الولايات المتحدة" تدار من قبل العميان.

 

ولا يبدو ان هنالك بريجينسكي جديد فالرئيس بوش وتشيني و وولفويتز ورامسفيلد الذين تقاعدوا منذ مدة طويلة وراحوا يجلسون في مزارعهم وكتابة المذكرات لخدمة مصالحهم الذاتية، و روبرت جيتس خرج على الملأ بكتاب كتبه بنفسه باسم (A Tell-All) ومعناه (أقول للجميع) يكشف من بين الأمور التي ذكرها أنه بكى ليال طويلة على موت الكثير من القوات الامريكية ويقول عزاءنا أننا كلنا رجعنا إلى وطننا أو بالطريق الى ذلك، ولكننا تركنا وراءنا فوضى عارمة فما هي الخطوة التالية ؟ والى أين نحن ذاهبون ؟

 

 أما بالنسبة الى أولئك الجنود الأمريكان المتسائلين : هل كانت تضحياتنا في الفلوجة تستحق العناء ؟
 أحدنا يكون في حيرة من أمره حول كيفية الرد على هذا السؤال خاصة ان الإجابة التي تتبادر الى الذهن هي أنها لا تستحق ذلك وقد حان الوقت لنغضب. انتهى

 

المصدر/ صحيفة نيويوركر