الاختراق الصهيوني للدول الإسلامية
24 ربيع الثاني 1435
د. عامر الهوشان

لم يترك اليهود وسيلة ولا طريقة لاختراق الدول العربية والإسلامية إلا فعلوها , في محاولة منهم للوصول إلى تنفيذ أهدافهم التوسعية ومصالحهم الاستراتيجية , فإذا لم تفلح محاولات التطبيع الكامل فلا بأس بالجزئي , وإذا تعذر التمثيل الدبلوماسي المعلن فلا حرج بالخفي , وإذا فشل هذا وذاك فلا بأس بالاستعانة بصديق .
لقد تنوعت أشكال علاقة الدول العربية والإسلامية مع هذا الكيان الصهيوني , فمنهم من ارتبط معه بمعاهدة سلام معلنة وصريحة , ومنهم من لم يوقع معه معاهدة سلام , إلا أن التمثيل الدبلوماسي بينهما ظاهر و صارخ , ومنهم من اكتفى بالعلاقات التجارية والاقتصادية غير المعلنة , والتي تحتاج لبعض التسهيلات الدبلوماسية التي لا بد منها , فكان لا بد من اللجوء لدولة غربية تقوم بهذا الدور .
ومن المعلوم أن العلاقات "الإسرائيلية" الغربية وطيدة وقوية , بل إن الغرب بأكمله مع أمريكا هو من زرع هذا الكيان أصلا في المنطقة العربية , وهو يعمل جاهدا منذ ذلك الوقت وحتى الآن لتعزيز مكانة "إسرائيل" في المنطقة , على حساب الدول العربية والإسلامية سياسيا واقتصاديا .
وفي إطار خدمات الغرب لليهود ذكرت أسبوعية "دير شبيغل" الألمانية أن الحكومة الألمانية وحكومة الكيان الصهيوني ستوقعان اليوم الاثنين في "تل أبيب" ، اتفاقا يتضمن قيام ألمانيا بتمثيل مصالح الكيان الصهيوني في الدول التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، ولا سيما في البلدان الإسلامية كإندونيسيا وماليزيا , وذلك خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اليوم بصحبة 17 وزيرا من أصل 18 من حكومتها للكيان الصهيوني تستمر لمدة يومين .
ويعود التعاون الألماني اليهودي إلى عام 2008م , تاريخ تأسيس مجلس الوزراء الألماني "الإسرائيلي" المشترك , الذي يهدف إلى تطوير شراكة إستراتيجية بالمجالات المختلفة بين الجانبين , و الذي تشارك ميركل وأعضاء حكومتها في الدورة السادسة منه خلال هذه الزيارة .
ومن أهم الخدمات التي أغدقت بها ألمانيا على اليهود اليوم كما ذكرت صحيفة "معاريف الإسرائيلية" ما يلي :
1- موافقة ألمانيا على منح تصاريح عمل بشكل آلي "للإسرائيليين" دون حاجة لأية تأشيرات ، بحيث يحق "للإسرائيلي" الذي وصل برلين للسياحة أن يعمل هناك لمدة ستة أشهر دون أية تصاريح .
2- موافقة ألمانيا بالسماح "للإسرائيلي" الذي يتواجد في دولة لا توجد بها بعثة دبلوماسية "إسرائيلية" ، بالحصول على الخدمات الاستشارية من السفارة الألمانية بتلك الدولة , وذلك في دول أسيوية مثل ماليزيا وأندونيسيا ، والتي تتزايد فيها أنشطة رجال الأعمال "الإسرائيليين" ، فيما لا توجد علاقات دبلوماسية بين تلك الدول والكيان الصهيوني .
والغريب في الأمر أنه رغم التحذير الإلهي للمسلمين من الركون لليهود أو موالاتهم , والتشديد على شدة عداوتهم للإسلام والمسلمين في أكثر من آية وموضع قرآني من خلال قوله تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ...} المائدة/82 , وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة/51 إلا أن بعض المسلمين ما زالوا يقبلون – علنا أو خفية – إنشاء علاقة معهم اقتصاديا أو سياسيا .
قد يقول البعض : إن عقد معاهدات مع الكفار من اليهود وغيرهم جائز في أوقات الضرورة , وخاصة في حالة ضعف المسلمين كما هو الشأن في الوقت المعاصر , مستشهدين بصلح الحديبية وغير ذلك من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومع صحة هذا الكلام بشكل عام , فقد ذهب بعض الفقهاء والعلماء إلى جواز عقد المعاهدات مع الكفار , إلا أن ذلك مقيد بما يحقق مصلحة المسلمين , وضمن ضوابط وشروط لا يجوز الخروج عنها شرعا أو تجاوزها , ومن أهم هذه الشروط : ألا تتضمن المعاهدة اعترافا أو إقرارا للكفار بشبر من أراضي المسلمين , إضافة لعدم وجود بند وضع القتال معهم إلى الأبد , فقتال الكفار فريضة باقية إلى يوم القيامة كما هو معلوم , ناهيك عن شرط عدم تضمنها بندا يخالف الشريعة الإسلامية أو يعطلها .
وبعيدا عن تفاصيل هذه الشروط الفقهية لصحة المعاهدة مع الكفار , فإن من أهم مصالح المسلمين المتوخاة من تلك المعاهدات , هو كسب الوقت لإعادة ترميم قوة المسلمين بعد ضعفها , وإعادة اللحمة والوحدة بين دوله المتفرقة , وهو ما لا نراه على أرض الواقع في معظم المعاهدات الموقعة بين المسلمين وأعدائهم في العصر الحديث .
فبينما تتناقل وسائل الإعلام منذ تسعينيات القرن الماضي أخبار تحالفات وتكتلات اقتصادية وسياسية تجري بين دول أعداء الإسلام , نرى تفرق المسلمين واختلافهم يزداد يوما بعد يوم سياسيا واقتصاديا , ومن المعلوم أن الدول المتوحدة القوية تستطيع دائما اختراق الدول الضعيفة المتفر قة .
فإلى متى سنبقى عرضة لاختراقات الدول المعادية بسبب تفرقنا وضعفنا , على الرغم من أننا نملك أكثر عوامل الوحدة والقوة في العالم ؟؟!!