كالحمار يحمل أسفارا
5 جمادى الأول 1435
عبد الباقي خليفة

من حين لآخر يخرج بعض الأفاكين الذين يزعمون وصلا بالمعرفة، يتقيأون أكاذيب المستشرقين، ويرددون إفك الذين لا يعقلون ، ولا يعلمون . ويزعمون أنهم قرآنيون والقرآن منهم براء، منهم محمد الشرفي وعمر صحابو الذي زعم أن الخمر حلال، ومنهم محمد الطالبي الذي دعا إلى ما وصفها بـ" الثورة الجنسية" معتبرا الزنا غير محرم . وقد افترى على الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما زعم أن  الرسول صلى الله عليه وسلم، أذن بالزنا . وقوله ما لم يقل بأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم ، أمر رجل اشتكى له سلوك زوجته بأنه طلب منه أن يتركها تمارس الزنا مع غيره ، بعد أن أخبره المشتكي بأنه يحبها ولا يريد طلاقها . وهي قصة من وحي خياله المريض لا أصل لها . الطالبي دعا إلى ما وصفها ب" الثورة الجنسية" لمنع قيام مجتمع الشريعة ، حسب تخرصه. ودون أدنى حياء طالب الفتيات ببيع أعراضهن وتلقي الأموال من أجل ذلك ، لأن الثورة الجنسية، أو المشاعية الجنسية والبغاء والدعارة مع مثيلاتها من الممارسات التي تحاربها الشريعة كفيلة بمنع تطبيق الشريعة ،لأن هناك من يؤسس لتطبيق الشريعة من خلال الحرية .

 

وكانت كاتب أخرى تدعى ألفة يوسف، قد دعت بدورها إلى ممارسة الشذوذ الجنسي زاعمة أن الاسلام لا ينهى عن ذلك .وكل ذلك في إطار حملات يائسة لانتاج فكر مسخ يزعم "الاسلامية " ويدعون لاحلاله محل الفكر الاسلامي الذي تعرفه الأمة .

 

لقد كانت هذه الفئة الضالة تعيث فسادا في تونس قبل الثورة ، وتعمل على وأد الاسلام ، وحصره وتطويعه إلى أن يضمحل ويتلاشى ويقبر في زعمهم . وبعد الثورة خافوا من منسوب الحرية الذي يجعل الناس قادرين على التمييز بين دعاة على أبواب جهنم ، ودعاة يدعون الناس إلى الخير وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فحاولوا استخدام لبوس الاسلام لتضليل الناس ، مستخدمين المتشابه ، والمنسوخ والمكذوب وما يعرف بالاسرائيليات لايجاد اسلام ممسوخ ، وفي نفس الوقت يدعون لقمع أصحاب الفكر الاسلامي وحل أحزابهم وجماعاتهم ، لأنهم يحصرون الاسلام في حزب سياسي، ويرون ذلك مضرا بالاسلام . وهو ما يذكرنا بقضيدة أحمد شوقي حول الثعلب الذي " خرج في لباس الواعظين " وسنركز في هذه العجالة على مقاربة يحمل لقب الحمَّار " بتشديد الميم ونصبها } وما فيها من اطلاقات غير علمية وغير عقلية وبالتالي غير موضوعية وهو بتناول الحركات الاسلامية التي يسميها "الاسلام السياسي" كاشفا عن خلفية فكرية علمانية منحازة لتصور خاص عن الاسلام والمجتمع المدني. ولذلك حاول ايهام القراء في مقال بعنوان" الاسلام السياسي وتحديات المرحلة" ، يقول فيه أن ما كاد يحصل للاسلاميين من انقلاب في تونس حسب قوله" تحصيل حاصل". ولأنه ينطلق من عقلية وصائية مقيتة عانت منها شعوبنا دهرا طويلا، رأى في ما جرى من محاولات انقلاب، والانقلابات التي مولتها بعض الدول {موقفا مجتمعيا} قائلا" لما تأكد المجتمع من عدم جاهزية الحزب ذي الخلفية الدينية لأن يقود البلاد إلى الانتقال السياسي والرقي الاجتماعي والتقدم الحضاري" فقد تحدث الحمار هنا باسم المجتمع، دون الاحالة على دراسات ميدانية محايدة، أو انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة، وإنما أراد بطريقة غير مباشرة إحالتنا على الخداع السينمائي الذي صور عدد 3 ملايين معظمهم معادين للعرب وللاسلام والمسلمين 30 مليونا .

 

ومن المضحك أن يحاول الحمار الدفاع عن فرية " الفشل" الذي يراد أن يلصق بفترة حكم الترويكة في تونس والذي مثلت فيه النهضة موقعا بارزا لا سيما في الشهور الأولى التي أعقبت انتخابات 21 أكتوبر 2011 م .

 

لقد أكد الإسلاميون أو بالأحرى المؤمنون قولا وفعلا بالإسلام ومبادئه وفرائضه وتشريعاته وحاكميته ، مرارا أنهم يدافعون عن فهم للاسلام يعتقدون أنه الفهم الصحيح ، ولكنهم لا يحتكرون الاسلام ، وليسوا ناطقين باسمه، ولا يكفرون غيرهم ممن لديهم فهم مغاير للاسلام حتى وإن كان صادما . لكن بعض الاستئصاليين والمعادين للمشروع الاسلامي ومن يتخذون الاسلام جنة يصرون على أن الاسلاميين تكفيريين بل وضالين بل وتبجح أحد السياسيين الباجي قايد السبسي بأن قال "أنا أكثر اسلاما منهم " في مزايدة رخيصة ومفضوحة ومضحكة في نفس الوقت ، فبائع الخمر ملعون ، ولا ينبغي له أن يقارن نفسه بمن يدافع عن المنظومة الاسلامية ككل ، بل إن حمة الهمامي الشيوعي الملحد والذي غير اسمه من محمد إلى حمة كرها في النبي صلى الله عليه وسلم تبجح في مدينة صفاقص التونسية متهما الشيخ راشد الغنوشي بأنه أكبر كافر، ولم يقل الأخير عنه ولا عن غيره أنه كافر.

 

إن ما غاب عن الحمار، هو أن الاسلام كل لا يتجزأ ، الاسلام سياسة، واقتصاد، واجتماع، كما هو عقيدة وشريعة، ونظام حكم يقبل بالآليات المعاصرة في إدارة الخلاف ، وهذا فهمنا ونحن أحرار في ذلك ونعتقد أننا نملك الآليات الصحيحة لفهم القرآن والسنة، وما استنبطه علماء الأمة منهما ، مثل الآخرين وربما أفضل.

 

إن الانقلاب الحقيقي على النفس ، هو أن يجعل الانسان إلها آخر له ، أن يجعل إلها آخر مع الله وهو خلقه . فمن خلق شرع، وإذا اعترفنا بربوبية الله ولم نعترف بأولوهيته وحاكميته فمعنى ذلك جعلنا مع الله آلهة أخرى . هذا ما يغيب عن الكثيرين من بينهم الحمار. وهو الأولى بحفظ وجهه هو وأمثاله عندما يعترفون لله بشئ وينكرون عن خالقهم شيئا آخر.

 

ويسقط الحمار في مطب آخر عندما يؤكد تعطيل جانب كبير من الايمان ، وجزء لا يتجزأ من التوحيد ، وأصل أصيل في الألوهية ، مما يستوجب عليه مراجعة علاقته بعقيدة الاسلام كما هو في حقيقته ، حيث ينكر على الاسلاميين رفع الاسلام كلا لا يتجزأ كما سلف فهو دعوة وهو دولة وهو شريعة وهو منهج حياة يؤخذ كله ولا يترك بعضه تحت أي مسمى من المسميات التي لا تصمد أمام الدليل العقلي أو النقلي، ولا تعارض بين الاثنين  . وليس هناك مجال للمرء بأن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه الآخر. ومرة أخرى يسقط الحمار في مطب الوصاية والتعميم ويتحدث باسم { المجتمع} " لقد بدأ هذا النضال دعويا توعويا ،في السبعينات من القرن الماضي في تونس، وراعى المجتمعات المعنية في مصروالسودان وتونس والاردن،وما إلى ذلك إلا أن تحول النضال إلى عمل سياسي باسم الدين حتى انتهى محكوما عليه بالحجروبالتحجير وبأساليب إقصائي مختلفة". 

 

لم ينتقد الحمار الحجر والتحجير والاقصاء، وكأنما رآه طبيعيا، ومبررا ، ولكنه عاب على الاسلاميين الدعوة إلى تطبيق الاسلام وتحكيمه وجعله منهج حياة ، أو على الأقل الافساح لمن يدعو لذلك حتى يقنع الناس ويخلى بينهم وبين أمتهم فتختارهم أو تلفظهم . فالأنظمة التي حجرت وتحجرت وأقصت لم تكن سوى أنظمة فاسدة استبدادية قمعية عميلة وخائنة ، وهو ما لم يتعرض له أو يتطرق إليه الحمار، وإنما حاول تبرير ما قامت به هذه الأنظمة . وفات الحمار أيضا أن المجتمعات التي تكلم باسمها وجعلها " روعت" اختارت من " روعوها" في أول فرصة حرة سنحت لها للتعبير عن موقفها من الطيف السياسي الواسع في البلاد في تونس وغيرها. وبالتالي لا يمكن أن يتحدث أحد عن المجتمعات في غيابها فهذا العصر انقرض وانتهى ولن يعود أبدا .

 

ويواصل الحمار اسقاطاته، بل سقطاته المعبرة عن اللاحيادية في تناول القضية الاسلامية في بلادنا عندما يشير إلى أن "الحركات الاسلامية كانت غير قادرة على التأثير الايجابي على الحياة العامة وعلى الشأن العام " ويجيب" ذلك أنها حبست الاسلام في حزب سياسي بينما كان عليها أن تعمل خارج ذلك الاطار حتى يبقى الاسلام متحررا ".

 

 من قال أن الحركات الاسلامية غير قادرة على التأثير الايجابي؟ وماهي مفردات ذلك ؟ وما الدليل على ذلك ؟ أليس الانقلاب الذي حدث  والدموية التي طبع بها حتى الآن وعمليات المصادرة والقتل والسجن والملاحقة دليل على تغلغل الاسلاميين في جميع مفاصل الحياة ، مما يستحيل على أي قوة مهما بلغت درجة الاثخان فيهم أن تستأصلهم ، وتاريخ تونس وغيرهما أكبر دليل على ذلك .

 

في كل الأحوال يقول الحمار للاسلاميين ، حلوا أحزابكم ، فنحن نفكر لكم نيابة عنكم وباسم الاسلام . فأيهما يحتكر الاسلام ؟، ومن يزعم التحدث باسم الاسلام وتخطئية الآخرين ، الاسلاميين أم الحمار وأمثاله ؟ إنه يقول لهم "لقد أخطأتهم المرمى، وأخطأتم الوسيلة، بل وأخطأتم العصر" هل هناك فكر استئصالي قمعي وصائي أكبر وأكثر مما عرضه الحمار في مقاله ؟

 

لا يتعرض الحمار للقمع الذي تعرض له الاسلاميون، ولم يتحدث عن الانظمة القمعية التي قامت والعمالة التي اتسمت بها جميع اجراءاتها ، ولم يتحدث عن الظلم الذي تعرض له الاسلاميون بل يحملهم المسؤولية عما جرى لهم لانهم فهموا الاسلام بطريقة خاطئة ، وأن الاسلام الصحيح هو ما يعرضه عليهم ؟ فالطرق والآليات التي توخاها الاسلاميون كما يزعم " أكل عليها الدهر شرب" إذن لماذا يقمعون ؟ وإذا كان الشعب انفض عنهم بعد أن راعه خلطهم الدين بالسياسة كما يقول لماذا لا تتركهم أيها الحمار أنت وأمثالك للدهر ؟ لماذا تخافون من أن يكونوا المستقبل وقانون التطور لا يحابي أحدا ، فدائما هناك من ينقرض طبيعيا . لكن الحقيقة هي أن من يهددهم الانقراض يحاولون أن يأخدوا الاسلاميين معهم بل أن يسبقهم الاسلاميون ليس بفعل الانتخاب الطبيعي الذي يمقتونه وإنما بفعل الاجرام والقتل والسجون والاقصاء والمتابعات الأمنية وحتى التضييق في المعاش ومصادرة حق الحياة ، هذه هي الحقيقة ، وهذا ما يعرفه الحمار للأسف ولكنه يتعامى عليه

 

الحمار يبشر بفكر اسلامي جديد بعد أن يباد الفكر الاسلامي المعاصر تحت جنازر دبابات المستبد العلماني أو المحتل الأجنبي الذي وصل لقناعة بأن العملاء أقل تكلفة من الاحتلال المباشر.

 

لم يقل لنا الحمار ماذا نفعل بالأحزاب اليسارية ؟ والأحزاب الليبرالية ؟ والأحزاب القومية ؟ في إطار مقاربة جديدة تنمحي فيها الأحزاب الإسلامية ؟ وماذا لو رفضت الأحزاب الإسلامية مقترحاته التي لم يكن أول من طرحها ، وهي أحلام أعداء المشروع الإسلامي . لقد أجاب الحمار على سؤال دور { الفكر الاسلامي الجديد } كما وصفه وهو " التجذير التدريجي للاشتراكية وللشيوعية و لليبرالية ولسائر المكونات النظرية والفلسفية الكونية في داخل النسيج الفكري والعقل المجتمعي. وعندئذ سيكون الفكر الإسلامي الإصلاحي بمثابة القاطرة التي تقود المجتمع السياسي على درب تحقيق الأهداف التي تتطلبها تحديات المستقبل بشأن الرقي والتقدم" بمعنى إعطاء مبرر اسلامي لتجذير الشيوعية والاشتراكية والليبرالية وغيرها من النظريات والمذاهب ، وإعطائها صكا اسلاميا بأنها حلال ، ثم قيادة هذا الفكر الاسلامي المسخ للقاطرة ؟ هل يصدر هذا من عاقل يعرف الاشتراكية والشيوعية والليبرالية ، بمعنى إذا سئل الفكر الاسلامي المسخ  الذي يبشر به الحمار عن وجود الله في ظل هذا الكوكتال العجيب الذي يقترحه أن يجيب فيه قولان ، القرآن يقول أن الانسانية أبناء آدم ، وداروين يقول أن الانسانية من فصيلة للقرود!!