انتصار حزب الله المكلف في يبرود
18 جمادى الأول 1435
ياسر الزعاترة

من حق حزب الله أن يحتفل بالانتصار العظيم!! في يبرود، ليس لأنه يمهِّد الطريق إلى القدس التي لا يني حسن نصر الله يعتبر أن ما يجري في سوريا حربا تردُّ على خدمته وتحالفه لقضيتها، كأن شعب سوريا الذي ثار وبذل أزكى التضحيات شهورا طويلة قبل أن يطلق رصاصة واحدة هو محض عميل للاحتلال الصهيوني، بل أيضا لأن الانتصار هوانتصاره بالفعل، وما كان لجيش بشار من دور في المعركة سوى توفير الغطاء الجوي والمدفعي، وبالطبع لأنه وضعه متهالك، ولم يعد يقوى على خوض أية معارك، وهو لا يظهر إلا على قناة الميادين والعالم والمنار حين تحضر كاميراتها لتصوير إنجازاته وبطولاته!!

 

بوسع حزب الله أن يرفع راية الحسين في معركة يزيد، تماما كما كانينتصر للمالكي القادم على ظهر الدبابة الأمريكية، وهو يزعم مقاومة الأمريكان والصهاينة، فالطائفية تقبل أسوأ أنواع التناقضات، وهذه ليست سوى واحدة منها، لأن الشعب السوري هو الذي يمثل الحسين الذي ثار على يزيد، مع أن الأخير كانت له جيوش تحقق انتصارات عظيمة ضد أعداء الأمة في ذلك الحين، لم ولن يحقق بشار الأسد عُشر معشارها ولو مكث آل الأسد في الحكم ألف سنة أخرى.

 

حين يطلق حزب الله الرصاص في قلب بيروت احتفالا بانتصار يبرود، فهذا يعني أنه يمعن في طائفيته، لأنه يعلم أن هناك كثيرين يسمعون صوت الرصاص فيشعرون بالقهر، لا لأنهم طائفيون كما يفسر هو ومحازبيه، بل لأنهم يؤيدون شعبا ثائرا ضد الظلم والاستبداد، تماما كما أيدوا من قبل الشعب المصري والتونسي واليمني والليبي الذين ثاروا ضد أنظمة "سنيّة". كما أنهم ليسوا صوتا لفريق سياسي يتبع أنظمة تناهض الثورات؛ كل الثورات، بما فيها الثورة السورية حتى لو اضطرت تحت وطأة شارعها أن تفعل العكس؛ بوجود حسابات أخرى أيضا.

 

  ما فعله حزب الله ويفعله في سوريا مكلف إلى حد كبير، وهو ثمن التبعية العمياء للولي الفقيه، ولو كان للعقل مكان، أي مكان، لما كان بوسع حزب يدعي التحرر والمقاومة أن يصطف ضد شعب يطلب الحرية، ولا قيمة للقول إنه يحمي ظهر المقاومة التي لم يكن السوريون ضدها، والتي توقفت عمليا بالقرار 1701 بعد حرب تموز، وقد كان أفضل له أن يتعايش مع بقية اللبنانيين كحزب محترم يمثل طائفة لن يكون بوسع أحد أن يهمشها، خير له من أن يدخل في مزاج عداء مع غالبية الأمة، وليس فقط مع اللبنانيين السنّة، وقطاع لا بأس به من الطوائف الأخرى، وإن تحالف معه بعضها لحسابات قصيرة الأمد.

 

  إنه نصر مكلف ذلك الذي حققه حزب الله في يبرود، وقبله في القصير، وهو قبل ذلك وبعده يفضح حقيقة المشهد السوري، وحيث لا يمكن لنظام بشار أن يصمد لولا التبني الإيراني الكامل له سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وذلك في استنزاف دفعه أولا للتخلي عن السلاح الكيماوي السوري، وها إنه يقترب من تخلي إيران عن البرنامج النووي أيضا.

 

  ليس ثمة خسارة أكبر من أن يضع حزب نفسه في مزاج عداء مع غالبية المحيطين به من أبناء الأمة، وهو يوهم نفسه إذ يعتقد أن ميزان القوى سيبقى على حاله إلى الأبد، وما من سبيل غير التعايش، لكنه تعايش له ثمنه الذي ينبغي أن يُدفع.

 

  ولعل السؤال الذي يطرح نفسه على حزب الله، ووليه الفقيه في طهران هو: لنفترض أن منحنى الأحداث في سوريا سيبقى على حاله، وسيواصل النظام تقدمه بهذا القدر أو ذاك؛ كم عاما يحتاج النظام لكي يركّع الشعب السوري، بينما ينتقل العنف إلى لبنان نفسه، وبينما يعجز نوري المالكي عن تركيع العرب السنّة، وسيبقى عاجزا عن ذلك، لأن من طردوا الأمريكان من العراق بمقاومتهم، لن يكونوا لقمة سهلة أمام الذنب الذي تركوه فيه، حتى لو غيّر بوصلته نسبيا نحو السادة في طهران أيضا.

 

  لم يكن لدينا أدنى شك في أن الحزب وكتائب المالكي القادمة من العراق، بغطاء من جيش بشار سيدخلون يبرود، فهي ليست ستاليننغراد، وميزان القوى يفرض نفسه في نهاية المطاف، ولولا بسالة الثوار، لما كان لها أن تصمد كل هذا الوقت، لكن السؤال الذي لا بد من طرحه يتعلق بالقوى الداعمة للثورة، والتي انشغلت بحرب بعضها البعض، وما إذا كانت ستواصل تجاهل ما يجري، أم ستقوم بخطوة لتعديل ميزان القوى.

 

  يبقى أن أي سيناريو مهما كان، لن يعني تركيع الشعب السوري، أقله غالبية الشعب السوري، لأن الفجرة وحدهم هم من يعتقدون أن السنّة في سوريا سيكونون مع بشار، بينما يعيشون قبالة جبهته وممارساتها الطائفية، وهؤلاء لتذكير نصر الله ووليه الفقيه يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع السكان.

 

  إن شعبا قدم كل هذه التضحيات لم يعد في وارد الركوع، وحتى لو انتهت المعركة بعد سنوات، فإنه لن يلبث أن ينزل إلى الشوارع من جديد منتفضا ضد من استباحوا دمه. نقول ذلك فقط من باب الجدل، لأن المسار القادم لن يكون إلا واحدا من اثنين؛ إما تسوية يرضى بها الشعب، وإما استنزافا طويلا لن يعيد الوضع إلى ما كان عليه بحال من الأحوال. وعلى الصعيد الإقليمي؛ إما تعايش على نحو متوازن، وإما حرب طاحنة تمعن الأقلية في غرورها إذ تعتقد أن بوسعها أن تكسبها بأي حال، مع أن الجميع خاسر دون شك، ربما باستثناء الصهاينة الذين يزعم البعض أنه يخوض المعارك من أجل مواجهتهم.

 

المصدر/ عربي 21