السلطة المذهبية: التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي
15 جمادى الثانية 1435
منذر الأسعد

هذه ترجمة عربية للكتاب تولاها عباس عباس وقام بمراجعتها د. فهد بن عبد الرحمن الحمودي. وقد خص المؤلف هذه الترجمة بمقدمة كشف فيها شيئاً من أسباب اختلاف لغته عن اللغة الفقهية المألوفة، لأن كتابه موجَّهٌ في الأصل إلى جمهور أكاديمي غربي لم يألف هذه اللغة.. ولا يخفي الباحث أن جهده يرمي إلى دحض خطاب المخاتلة الاستيطاني الاحتلالي الذي يبغض الإسلام ويزدري المسلمين، ولذلك كان دائماً في خدمة الافتراء على الشريعة الإسلامية واتهامها بالجمود، لكي يسهل على القوم إحلال قوانينهم محلها!!

 

وكما تقول نبذة عن الكتاب عرضها النيل والفرات فإذا كان البحث في أحد وجوه الشريعة يشكل في حد ذاته مغامرة من نمط ما، فإن الغوص في بناها الفقهية، بما يفترضه من تأويل ونقد وتفكيك وإعادة قراءة وما إلى ذلك، يعد مغامرة ذاتية أكبر، من حيث تناولها للموروث والمرجعيات، مروراً بالمذاهب الأربعة وما رافقها من تعددية رؤيوية، وصولاً إلى الطيف الواسع من المقاربات التي حاولت مواكبة التغيرات الزمانية والمكانية على مدى قرون عديدة تلت نشوء تلك المذاهب. إن عديد الأسئلة التي طرحها الدكتور وائل حلاق في سياق مؤلفه هذا تعكس منطقياً، إن لم نقل وجوباً، القراءة الموضوعية المتأنية، والعرض الحيادي المؤيد بالشواهد والحجج، الذي رافق جميع الآراء، سواء أكانت في نطاق التقليد أم التجديد في الشريعة الإسلامية، وعلاقة كل منهما بالسلطة المذهبية. وفي هذا الصدد يقول الكاتب في مقدمة كتابه: "إن الاستمرارية والتغيير في الشريعة هما وجهان لعملة واحدة، ولذلك فهما يستلزمان الدفاع المتعمد عن عقيدة ما مع فارق وحيد هو أن الاستمرارية تقتضي الدفاع عن عقيدة قائمة، في حين يتطلب التغيير الدفاع عن عقيدة جديدة أو عقيدة أقل موثوقية في الغالب".

 

يقع هذا الكتاب في ستة فصول رئيسية تعالج عدداً من الإشكالات والالتباسات التي طرحت داخل البيت الفقهي نفسه أو كانت استجابة للتطورات الدنيوية الموضوعية ومقتضياتها، التي أفرزت، وما زالت تفرز، أسئلتها وتحدياتها أمام الفقهاء من مفتين ومشرعين ومجتهدين، وتضطرهم، بالتالية، إلى ولوج ميادين اجتهادية تجاه قضايا مستجدة لم يختبروها من قبل، كما وإعادة النظر في قضايا أخرى كفت عن أن تكون من المسلمات. وهنا بالذات تكمن أهمية هذه الدراسة –المؤلف- مع ما تثيره من موضوعات خلافية قد تشكل حافزاً، لدى المهتمين، للسجال معها.

 

من جهة أخرى، وعلى الرغم من اللغة شبه الموحدة لـ"الثقافة الشرعية" التي يستخدمها الفقهاء، فإن الفترة الزمنية الطويلة التي يغطيها الكتاب، وهي خمسة قرون، شهدت بعض التغير على صعيد اللغة والمصطلح والخطاب والمساجلات، الأمر الذي استوجب لحظ هذا التغير لدى ترجمة الكتاب، والحرص ما أمكن على مواكبة المعنى السياقي الذي تقع فيه المفردة.

 

وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من ثلاثية يمكن قراءة كل منها بشكل مستقل صدرت باللغة الإنكليزية عن منشورات جامعة كمبردج البريطانية وهي على الشكل التالي:

1-تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام.
2-السلطة المذهبية التقليدية والتجديد في الفقه الإسلامي.
3-نشأة الفقه الإسلامي وتطوره.

 

تقدم هذه الثلاثية مشروعاً أكاديمياً تحقيقياً لمناهضة الخطاب الاستشراقي الغربي المعاصر في الدراسة الشمولية والتأصيلية لتاريخ الفقه الإسلامي. بحيث تحرص هذه الدراسة على محاكمة الفكر الاستشراقي من خلال منهجيته ونظام خطابه، موجهة للجمهور الأكاديمي الغربي في طبعتها الأصلية.

 

يبحث الجزء الأول النظرية العامة للشريعة الإسلامية كما تبلورت بتطور علم أصول الفقه، بينما يبحث الجزء الثاني ما قبل فترة التكوين للفقه الإسلامي حتى فترة النمو في القرون الهجرية الثلاثة الأول، في حين يبحث الجزء الثالث تطور الفقه في القرون الهجرية الخمسة التالية. ومن المؤكد أن المثقف العربي والباحث العلمي في شؤون الفقه والحضارة الإسلامية عموماً سيجدان في هذه الثلاثية ما لا يجدانه لا في البحوث التراثية ولا حتى الغربية، ذلك لأن المؤلف الأستاذ الدكتور وائل خلاق حقق في ثلاثيته التاريخية هذه أصالة الانتماء للتراث العربي الإسلامي ودقة البحث العلمي على الطريقة التي يشترطها أهل العلم التأريخي الحديث، هذا ويؤمل أن تفجر هذه الثلاثية مسارات جديدة للنظر في تراثنا الحي وتقدم للباحثين أرضية جديدة لبحوثهم.

 

___________________

يمكن تحميل الكتاب من الرابط :
http://www. gulfup. com/?R7hM0R