الأجواء في ليبيا لا تزال مشحونة بأمل الانفراج ، والخشية من انفلات الوضع أكثر مما هو عليه الآن.أمل يغذيه رغبة أغلبية الليبيين، في العيش بسلام بعيدا عن العنف وإراقة الدماء والمغامرات العسكرية، التي تذكرهم بسلوكيات الهالك القذافي. ومخاوف تثيرها التحركات العسكرية والمواجهات الدامية بين بنغازي، وطرابلس ودرنة، وغيرها.

آمال السلام: فرغم المواجهات التي عرفتها ليبيا في الأيام الأخيرة والمرشحة إلى ما هو أسوأ، انطلقت يوم 16 يونيو بمدرسة عمر المختار فعاليات الدورة التدريبية لموظفي مراكز الإقتراع التي تقيمها المفوضية العليا لانتخابات بالدائرة الثامنة. وتهدف الدورة تعريف الموظفين بواجباتهم واحترام الحقوق الأساسية لجميع المواطنين كحرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع والتعامل بحيادية تامة مع الناخبين والمرشحين والمراقبين الإعلاميين وعدم إظهار تأييدهم لأي مرشح والحفاظ على السرية التامة للمعلومات التي يطلعون عليها بحكم عملهم. ويتولى خبراء مختصون تدريب هؤلاء الموظفين على عمليات العد والتعبئة والفرز وغيرها من العمليات التي تؤدي إلى انتخبات حرة ونزيهة.

وتشرف المنظمة الوطنية للديمقراطية والانتخابات، على هذه الحملة، تحت عنوان" نعم لانتخابات 25 / 6 " وبرعاية مجلش الشورى والحكماء في ليبيا،تحت شعار" نعم للتداول السلمي على السلطة" وشارك في حفل الافتتاح المجلس البلدي المنتخب، ومجلسر بنغازي، ولجنة إدارة الأزمة واتحاد طلبة جامعة بنغازي، ومجالس أحياء بنغازي. إضافة إلى اللجنة الفرعية للانتخابات ورابطة الأئمة والوعاظ ووجهاء بنغازي.

المدير التنفيذي للمنظمة الوطنية للديمقراطية والانتخابات الدكتور على المهدوي ذكر بأن الهدف من الحملة توعية المواطنين بأهمية المشاركة الفاعلة في الانتخابات التي ستجرى في 25 من شهر يونيو الجاري، وحثهم على الايجابية ونبذ العزوف عن الخروج للتصويت يوم الاقتراع ليختاروا نوابهم في البرلمان.

الحرب الملعونة: لم يبق سوى أيام معدودة عن تاريخ الانتخابات المنتظرة، لكن نذر الحرب التي تزداد المخاوف بشأنها يوميا قد تحول دون اجرائها إذا ما تدهورت الأوضاع في ليبيا أكثر، وسط تهديدات خليفة حفتر ومن معه من العسكريين، فقد ذكر آمر سلاح الجو التابع لحفتر العميد صقر الجروشي،أن طائراته نفذت العديد من الطلعات الجوية الاستطلاعية فوق درنة لكنها لم تنفذ غارات حربية، وطالب الأهالي بالابتعاد عن أماكن تجمع ما وصفها بالجماعات المتطرفة لأنها ستكون هدفا لسلاح الجو التابع لحفتر. واستقبل مركز بنغازي الطبي يوم 16 يونيو جثتين مجهولتي الهوية، وقالت المصادر الليبيةأن عناصر الأمن عثروا على الجثتين في منطقة الصابري ببنغازي. ويعتقد أن الضحيتين قتلا في اشتباكات الأحد. كما عثر على جثة مصري يدعى خليف سيد حامد، يعتقد أنه من العمالة المصرية في ليبيا.

وقد بدأ حفتر حربه التي سماها " عملية الكرامة" في 16 مايو الماضي ، ولم يستطع حتى الآن السيطرة على مدينة ليبية واحدة . لكن خسائر الطرفين كبيرة ، فقد سقطت العديد من قيادات معسكر حفتر، إذ تعرض مقر قيادة حفتر لعملية عسكرية استثنائية كادت تودي بحياته وحياة قائد عسكري آخر هو العميد صقر الجروشي، والناطق الرسمي الرائد محمد حجازي. وفقد حفتر أحد أبرز ضباطه وهو النقيب عزمي البرغثي، الذي قتل في مواجهات مع أنصار الشريعة، وكتيبة راف الله السحاتي في منطقة سيدي فرج. وكان أكثر من 500 ضابط ومن كبار قادة الجيش قد أغتيلو من أبرزهم اللواء عبدالفتاح يونس ، وابراهيم السنوسي، رئيس المخابرات العامة في المنطقة الشرقية. في حين فقد أنصار الشريعة قياديين هما توفيق المنفي وفصيل بن جميعة والزبيرر عادل ومصطفى التاجوري. في هذه الأثناء شهدت مدينة جرمة هدوءا حذرا وقال رئيس ديوان رئاسة الوزراء بالجنوب مصطفى كنونو إن الوضع في جرمة تحت السيطرة وأن جميع الأطراف ملتزمة بالتهدئة وأن أعيان منطقة وادي الآجال يسعون إلى حل المشكلة نهائيا. وكانت وحدات من الجيش والشرطة قد دخلت جرمة لتأمينها. وتؤكد المواجهات التي التي تمت مساء الاحد 15 يونيو والتي دفعت العمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية بالتعاون مع مديرية أمن طرابلس بحماية محطات الوقود بالعاصمة الليبية . وكلفت الحكومة الليبية احدى الشركات باصلاح ما تم افساده . كما تسببت المواجهات في قطع الكهرباء عن بنغازي لكن السلطات أكدت اليوم الاثنين عودة الكهرباء بعد اجراء الاصلاحات اللازمة.
وفيما أعلنت قوات حفتر عن أسرها لخمسة من أنصار الشريعة، أعلنت كتيبة 17 فبراير عن أسرها لاحدى عشر عنصرا من قوات حفتر. وأنها غنمت عتادا عسكريا وأسلحة ثقيلة من بينها دبابة.

تحصيل حاصل: تأزم الوضع في ليبيا رغم الإستعدادات للإنتخابات دفع المفوضية السامية للامم المتحدة لاجراء محادثات مع الحكومة التونسية حول إقامة مخيمات جديدة للاجئيين لاحتواء نزوح جماعي من ليبيا، وإعادة مخيم بوشوشة للاجئيين الذي استقبل اللاجئيين الليبيين إبان ثورة 17 فبراير 2011م . وقال ناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئيين التابع للامم المتحدة أن المفوضية كمؤسسة انسانية تراقب الموقف في ليبيا عن كثب وما تقوم به هو اجراءات طبيعية في الدول التي تجاور دولا تواجه توترات مثل ليبيا". هذه الإجراءات والمساعي، تنبئ عن وجود احتمالات كبيرة لحرب أوسع لا قدر الله، ووجود أطراف دولية تغذيها، فالاستعدادات الإستباقية لا تكون سوى في صورة وجود مخطط جاهز من شأنه إحداث موجة واسعة من الهجرة ، كما يقول كثيرون .

الإتحاد الأوروبي، بدوره أعلن تعزيز قدرات بعثة، يوبام ليبيا، لمراقبة الحدود الليبية وبشكل يسمح لها بأداء مهامها بعد فترة من المصاعب التي لاقاها انتشارها في ليبيا. وكان الإتحاد الاوروبي قد خفض عدد أفراده إلى ثلاثين عنصرا فقط خلال الأشهر الأخيرة واقتصر وجودها في المقر الرئيس في طرابلس وهي تستعد لتعزيز قدراتها على الأرض. ومن المتوقع أن تتسلم البعثة الاوروبية سيارات عسكرية مدرعة كدفعة أولى كما سيتم دعم عناصر الوكالة الأمنية البريطانية المكلفة بحمايتها وتمكين العناصر الليبية من قدرات إضافية. واتخذ الاتحاد الاوروبي قرارا بتكليف البريطاني كنيث ديل قائد الشرطة الاوروبية في الأراضي الفلسطينية وقائد الشرطة الاوروبية سابقا في أفغانستان، بمهام الإشراف على قسم العلميات في بعثة ، يوبام  ليبيا، تحت قيادة الفلندي آرتي هاتيكانان.وستقوم البعثة الأوروبية بتكثيف التنسيق مع قيادة "أفريكوم" العسكرية الأمريكية في افريقيا، والتي قررت اختيار المغرب كمركز لتدريب العناصر الليبية لحماية الحدود . 
الاتحاد الأوروبي مثل الولايات المتحدة الأمركية، لم تنتقد خليفة حفتر، ولم تعلن دعمه بشكل سافر، ولم يوجه له أي انتقادات ، في حين كانت ليبيا حاضرة في اجتماع سفراء الدول الاوروبية الثماني والعشرين في بروكسل مع رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة الاثنين 16 يونيو.

هل تصنع ليبيا تجربتها الخاصة : دار الافتاء الليبية والتي تثير بياناتها ومواقفها ردود أفعال مختلفة، كالموقف من خليفة حفتر واعتباره باغيا وصائلا وقتلاه في النار ومن يقاتله ثم يقتل فهو شهيد ، قدمت تعازيها لأسر الضحايا وإلى الشعب الليبي، وطالبت دار الافتاء من جميع الجهات تحمل مسؤولياتها في الكشف عن ملابسات ما وصفته بالجرائم النكراء، والقصاص الرادع من الجناة كي يكونوا عبرة لغيرهم من المفسدين في الارض، حسب ما ورد في البيان ا. كما طالبت دار الافتاء بتأمين حاجيات المواطنين .

ليبيا لم تفقد الأمل في النجاة من السيناريو العراقي ، لكن المفارقة أن بعض الليبيين يصفون ما يجري في بلاد الرافدين بأنه سيناريو ليبيا، ويقول آخرون أن السيناريو السوري هو الأقرب لليبيا إذا ما استمر التحاكم إلى السلاح ، إلا أن المتفائلين يدعون أن يكون السيناريو التونسي،إذا لم تستطع ليبيا انتاج تجربتها الخاصة .