وهم اسمه صدقية الإعلام "الإسرائيلي"
25 شوال 1435
علا محمود سامي

ظل الإعلام "الإسرائيلي" على مدى العقود الأخيرة يصدر للعالم - وخاصة العربي منه- مصطلحا كثيرا ما يتردد في الأوساط المختلفة، أنه الإعلام الأكثر مصداقية ومهنية على المستوى العالمي، بشكل يفوق أي وسيلة إعلامية أخرى، وكان يفاخر العالم بوسائله وأجهزته الإعلامية، معتبرا إياها هى الوسيلة الأكثر احترافية، وأمانة مهنية.

 

وكلما حاول هذا الإعلام تسويق مثل هذه الأوصاف، كانت ممارساته تقود إلى نقيضها، وخاصة تلك المرتبطة بتعاملاته مع العرب، وعلى رأسهم الفلسطينيون، إذ كانت هذه الممارسات تعكس زيف وكذب هذه الادعاءات، وأنها لا أساس لها من الصحة، وأن هذه إحدى أشكال المناورات والمراوغات التي تمارسها سلطة الاحتلال من جرائم وسطو وتدليس وتهويد للتراث الفلسطيني بكل مشتملاته.

 

وجاء العدوان الصهيوني على غزة أخيرا، لينسف الادعاءات "الإسرائيلية" بأن إعلام الاحتلال هو الإعلام الديمقراطي ، وأنه الأكثر مهنية وصدقية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص بشكل يفوق الإعلام العربي. وإذا جازت المقارنة هنا بين إعلام عربي يخدم توجهات أنظمة استبدادية، وبين إعلام  الكيان الصهيوني، فإن الفارق لن يكون عميقا بين الجانبين، إذ إن كليهما يروجان لخطاب إعلامي تحريضي ضد المقاومة الفلسطينية، وكثيرا ما يصفانها بالإرهاب، ويزيدان على ذلك بأنها السبب وراء العدوان الصهيوني على غزة، وأنه لولا قتل ثلاثة من الجنود الصهاينة قبل العدوان ، لما وقع هذا العدوان، على الرغم من أن حركة المقاومة الإسلامية"حماس" لم تتبن  هذه العملية، مع أنها مشتهرة بحرصها الدائم على توثيق وتبني كافة العمليات التي تقوم بها، ما يدحض مثل هذه الأقاويل بأن المقاومة هى من جرت غزة إلى المعركة، والعدوان عليها من جانب جيش الاحتلال.

 

 لسنا هنا بصدد تحليل الأداء الإعلامي العربي -  بمختلف وسائله وأجهزته- إزاء العدوان على غزة، إلا أنه حري بنا التوقف عند المقارنة بين الجانبين (الإعلام العربي المتصهين والآخر الصهيوني)، ليتبين عدم وجود فوراق بينهما، وخاصة فيما يتعلق بالحديث عن المقاومة، ووصفها الدائم بالإرهاب، للدرجة التي صدر معها حكم قضائي من إحدى الدول العربية بإدراج حركة "حماس" ضمن قوائم المنظمات الإرهابية، فضلا عن حملات التحريض والكراهية، والتي تشنها ضدها أجهزة ووسائل إعلام عربية، تتفق مع  الخطاب السائد في الإعلام "الإسرائيلي".

 

من هنا ، فإن هذا الإعلام الذي يفتقر إلى الصدقية، ويحمل خطابا تحريضيا، يتشابه مع الإعلام الصهيوني في دولة الاحتلال، في فقده أيضا للصدقية، وترويج الاتهامات المتواصلة للمقاومة، وقيادته لحملات كراهية وتحريض ليس ضد المقاومة أو الشعب الفلسطيني فقط، ولكن ضد كل  ما هو حق وعدل وسلام في الوقت نفسه، فهو إعلام دموي يروج للقتل، ويمارسه على أوسع نطاق، ولا يعرف سوى لغة قتل الأطفال والشيوخ، القتل الجماعي وحملات الإبادة عموما ، ولا يرى عن ذلك بديلا، حتى إن ادعى أنه الإعلام الديمقراطي الأول في المنطقة.

 

وإذا كانت المعارك المتعددة التي خاضتها دولة الاحتلال ضد الدول العربية، على مر تاريخ هذا الاحتلال الإجرامي، كانت ترفع شعار الكذب ثم الكذب والتشويه والتدليس والتحريض، فإنه في أثناء العدوان الأخير على غزة، كان يمارسه على أوسع نطاق، وفي المقابل، فإن إعلام المقاومة تميز بالصدقية، وإن بدت وسائله تقليدية، غير أنه ظهر أقوى عزيمة وإرادة ومهنية ، للدرجة التي جعلته الأكثر جدارة بالثقة وناقلا أمينا لما يدور  على الأرض، سواء كان ما يرصده يصب في صالح المقاومة أم ضدها، وكثيرا ما كان إعلام المقاومة يعلن عن قتل جنود إسرائيليين، أو استهداف مواقع صهيونية لجيش الاحتلال، مقابل صمت دولة الكيان عنها، وعندما يقوم الإعلام المقاوم بالإعلان عن تفاصيلها وتوثيقها، سرعان ما ينكشف الزيف الإعلامي الإسرائيلي، وأنه كان سرابا ، ليقر هذا الإعلام الصهيوني - بعد ذلك- بما وقع وحدث، ما يجعل شعاراته حول المصداقية والأمانة المهنية ضربا من الخيال.

 

وقد دأب الإعلام الصهيوني على التذرع بأن عدم إفصاحه عما يتكبده جيش الاحتلال من خسائر  بغرض حماية الأمن القومي، وأنه لا يستطيع البوح بكل ما يدور على الأرض ، استجابة للرقابة العسكرية، وهو تذرع ليس في محله، ويعكس في الوقت نفسه ازدواجية هذا الإعلام، ناسيا عن عمد أو جهل أن العالم أصبح فضاء مفتوحا، وأن عدوان حكومته على القطاع واضح ومكشوف للجميع وأن القنوات الحرة والشريفة  كانت تنقل بالصوت والصوت زخات الصواريخ على الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني.

 

وليس هذا فحسب، بل إن عمليات المقاومة، وخاصة التي تقع خلف خطوط العدو الصهيوني، كانت أيضا تبث من حين إلى آخر من قبل  الإعلام المقاوم، الذي يمتلك من الوسائل البدائية ما يمتلكه، غير أنه يمتلك أقوى من كل هذه الوسائل، وهى العزيمة والإرادة، وقوة الحق وبأسه.

 

ولا أدل على ذلك من أن الكيان الصهيوني يضيق ذرعا بغيره من أجهزة الإعلام، خاصة تلك التي تكشف جرائمه، ما يجعله دائما حريصا على ترويع الصحفيين، بل واستهدافهم جسديا، علاوة على استهداف مقارهم الإعلامية، على الرغم من إدراكه يقينا بإحداثيات هذه الوسائل مسبقا، إلا أنه لضيقه بالحقيقية، فإنه يسعى إلى كتم كل صوت حر يكشف حقيقة العدو وهمجيته ووحشيته ودمويته بالأدلة الموثقة بالصوت والصورة بالرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه الإعلام النزيه والذي يصل إلى حد التضحية بأرواح الإعلاميين الباحثين عن الحقيقة بأمانة وموضوعية.