24 رجب 1436

السؤال

أنا أبلغ من العمر 30 سنة، وقد تزوجت من رجل متزوج، ورضيت بأن يخفي أمر زواجه بي عن زوجته الأولى، وظل معي ما يقارب السنتين ومن فترة قصيرة عرفت زوجته بالأمر، فطلقني من أجلها ولكن سرعان ما ردني، وأنا وافقت بالرجوع إليه لأنني أحبه ولا أستطع العيش بدونه، وهو اشترط علي في الفترة الأولى من زواجنا عدم الإنجاب، إلا أنه في الفترة الأخيرة وافق على أن أنجب لكي يرضيني، لكن زوجته الأولى خيَّرَته بين طلاقي أو طلاقها، وهو عنده طفلين منها وهي مصرة على أن ينفصل عني، واتصلت بي وقالت لي بأنها تدعو علي ليل نهار هي وأهلها، فماذا أفعل؟ فأنا أعاني جدا من هذا الوضع، وأحب زوجي ولا أستطيع ان أتركه..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي الكريمة أشكر لك ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، وتقديري لغيرتك الشَّديدة على زوجك، التي تنمُّ عن حبِّك الكبير وحرصِك الشَّديد على ذاك الميثاق الغليظ الذي يربط بينكما..
أما بخصوص مشكلتك فهي مشكلة تعاني منها كثير من الزوجات اللاتي اخترن الزواج من رجل له زوجة أو عدة زوجات، والسبب في الغالب يرجع لتأجُّج فتيل الغيرة والمنافسة بينهن، أو فشل الزوج في تحقيق العدل بينهن في الحقوق، وميله كل الميل لإحداهن، أو سوء تدبيره وإدارته وقيادته للبيت والأسرة..
ومن الحلول المناسبة التي تخفِّف من حِدَّة معاناتِك ما يلي:
أولا: اعلمي - أختي الكريمة حفظك الله - بأن الرجل إذا قرر الزواج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة فإنه بذلك لا يرتكب حراما أو معصية، ولا يخالف حكما شرعيا، فتعدد الزوجات أباحه الشرع الحنيف بشروطه وضوابطه، والآية صريحة في هذا الحكم في سورة النساء: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُ‌بَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾..
وما دمتِ لا تحرِّضين زوجك على ما يغضب الله تعالى، ولا تسعَين للإساءة إلى زوجته الأولى أو إلحاق الضَّرَر بها، أو تشجيع زوجك على التَّقصير في حقوقِها وحقوقِ أبنائها، أو إظهار رغبتك وإلحاحك على التفريق بينهما، والاحتيال على هدم أركانِ بيتها وإثارة العداوة والبغضاء بينهما..
فلا مناسبة لشعورك بتأنيب الضمير أو ارتكابِ عملٍ فيه معصية لله، أو ظلم لزوجته الأولى، أو الخوف من شكواها والقلق من أن يلحقك أذى من دعائها عليك..
بل إن الخطأ الكبير يكمُن فيما ارتكبته بحقِّك وحقِّ زوجها حين اشترطت عليه أن يطلِّقك في المرة الأولى، ثم حين خيَّرته بينكِ وبينها في المرة الثانية والضَّغط عليه بذريعة أنها أم أبنائه للتفريق بينكما بلا ضرورة ملحة أو وجه حق..
ثانيا: إن الزوجة العاقلة الحكيمة هي التي تملك مفاتيح قلب زوجها، وتقترب منه بالقدرِ الذي يدخِل عليه المسرَّة والبهجة، ويمنحه الشعور بالسكن، والمودة، والرحمة، والدفء، والحنان..
فكوني تلك الزوجة التي لا يملك أن يُفارقها زوجها أو ينفصل عنها، ومهما ابتعد لابد وأن يعود إليها، لأنها فرعه الممتد عن أصله، وظلُّه الذي يستظِلُّ به، ومرفأ الأمان والسلام، ومنبع الصدق والوفاء، الذي يهبُه الحياة الهانِئة والهادئة، تطبيقا لقول الحق سبحانه في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾..
وكوني لباسَه الذي يحتويه بمحاسنه ومثالبه، مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾، متمثِّلة تلك المعاني التي شرحها الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن": " أصل اللباس في الثياب، ثم سُمِّي امتزاج كل واحد من الزوجين بصاحبه لباسًا، لانضمام الجسدين وامتزاجها وتلازمها تشبيهًا بالثوب"..
ثالثا: زوجك بحاجة إلى مساندتك - خلال هذه الفترة العصيبة - فاجتهدي على أن تمنحيه ثقتك الكاملة، واثْبِتي له محبَّتك الصادقة من خلال أقوالك وأفعالك وسلوكك العام، وإخلاصك له، وتمسُّكك بذاك الميثاق الغليظ الذي يربطكما معا بوشائج وثيقة..
وكوني ملاذه الوحيد، فيأوي إليك لحلِّ مشاكله، ومُؤانسَتِه في أحزانه، والتخفيف عن همومه ومتاعبه..
وأظْهِري له استعدادك الكامل لمساعدته على تجاوز هذه المحنة مع زوجته الأولى، والتفكير سويًّا في إيجاد الحلول الممكنة والمُرْضية لجميع الأطراف، والسَّعيِ معًا للمحافظة على استقرار البيت والأسرة في جوٍّ من التفاهم والوئام..
رابعا: لا تقلقي على مصير زواجك أن ينتهي بالطلاق، لأن ذاك المصير ليس بيد أيٍّ كان، بل هو القدر حين يختار لكلٍّ منهما نصيبا مع غيره..
إنما الواجب عليك - خلال هذه المرحلة - أن تسعي جاهدةً لكسب ودِّ زوجك والتحبُّب إليه بالمعاملة الحسنة، والعشرة الطيِّبة..
وتذكَّري بأن صمَّام الأمان الذي يضمن الحفاظ على العلاقة الزوجية وحمايتها من التفسُّخ والانهيار هي الثقة المتبادلة بينهما، ومقدار الحب المتين الذي يجمع بينهما، فإن كانت علاقتك بزوجك علاقة سليمة ومتماسكة بوثائق وشيجة، فتأكَّدي بأنها ستدوم وستستمر العِشرة بينكما، فالزوجة المحبوبة هي كنز ثمين بالنسبة لزوجها، لا يملك أن يفرِّط فيها لأي سبب من الأسباب، لأنه وجد معها ما يبحث عنه من أسباب الراحة والسعادة، ولأنها موطِن الجاذبية والإبْهار الذي يؤجِّج بداخله العواطف المَنْسِية، ويوقِظ مشاعر الحبِّ المُخْتَبِئة تحت رماد المشاكل ومنغِّصات العيش..
خامسا: لا تعكِّري صفو حياتك الزوجية بالتذمُّر من تصرُّفات زوجك، بل اجتهدي في إسعاده، وحافظي على الرباط الذي يجمع بينكما، ودَعي الأمور تأخذ مَجْراها الطبيعي، حتى تستقرَّ الحياة وتهدأ النفوس، ويتحقق التغيير والإصلاح..
واصرفي تركيزك إلى الأهم وهو الحفاظ على استقرار البيت بعيدًا عن التفكير في الطلاق، وتجنَّبي التذمُّر من تقصير زوجك بحقوقك، واضْطِراب أحواله وتصرُّفاته، فمن أهم الأسباب التي تؤدي إلى فساد العلاقة الزوجية وانهيارها، هو التفكير السِّلبي وتوهُّم حدوث الأسوأ، وثِقي بوعد الله سبحانه وتعالى لعباده الصادقين المخلصين: ﴿وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾..
وفي الختام..
احْرِصي - أختي الكريمة - على الدعاء، وتقربي إلى الله تعالى بالطاعات، وثقي بأنك إذا أصْلحت ما بينك وبينه سيُصلِح ما بينك وبين زوجك، وعلى قدر إقبالك على الله، والتفرُّغ لعبادته وذكره آناء الليل وأطراف النهار، وقراءة القرآن، وإخراج الصدقة والإكثار من عمل الخير، سيمنحك شعورا بالراحة والطمأنينة، وسيصرف عنك كل أذى، وكل أسباب الضِّيق وضنكِ العيش، مصداقا لقوله تعالى في سورة طه:﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾
واعْلمي بأن مفتاح السعادة الزوجية في تقوى الله تعالى..
وحتى في حالة إذا استمر إصرار الزوجة الأولى على شرطها في تخيير زوجك بينكما في أمر الطلاق، فهنا يظل الزوج هو صاحب القوامة والإدارة، وهو من يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار المناسب..
وعلى كلّ حال، فإنّ وقع الطلاق بينكما لأي سبب من الأسباب، فليس بالضرورة أن يكون شرّاً، وعلى الرغم مما فيه من الضرر الظاهر، إلا أنه قد يحمل في طياته نعمة لا يعلمها إلا الله، وقد يعوضك الله خيراً منه، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِه﴾
أسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بينك وبين زوجك في طاعته ومرضاته، وأن يلهِمك الهدى والصَّواب والرشاد..