إيران وروسيا وسياسة الهروب إلى الأمام، وسبل المواجهة
18 جمادى الأول 1436
دـ أحمد موفق زيدان

لا عبارة يمكن أن تختزل وتختصر وتُجمل سياسة البلدين الحالية إيران وروسيا بأفضل من عبارة "سياسة الهروب إلى الأمام " فالبلدان يواجهان مشاكل داخلية جمّة لا يقويان على مواجهتها لأنها قد تُطيح بالنظامين السياسيين المصطدمين مع شعوبهما، ولذا فقد دأبت الأنظمة الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية على مدى التاريخ على الهروب أو التهرّب من هذه الاستحقاقات الداخلية بسياسة الهروب إلى الأمام، وتصدير الدمار والخراب والقتل إلى الحلقة الأضعف وهو ما يعكس ما يجري تماماً للسياسة العدمية الروسية ـ الإيرانية في المشرق العربي اليوم، يساعدهم في ذلك انكفاء أو تواطؤ أميركي غربي لا فرق ما دامت النتيجة واحدة..

 

في روسيا نرى الكارثة الاقتصادية التي تواجه الشعب الروسي وليس خافياً تداعيات خطيرة لانهيار أسعار النفط ما دامت موسكو تعتمد في موازنتها بشكل أساسي على تصدير النفط، الذي انهارت أسعاره من سعر برميل 132 دولاراً بحسب الموازنة الروسية إلى حدود الخمسين دولاراً، مما يعني أن الموازنة تقلصت إلى الثلث، يُضاف إليه حصار غربي ، وانشغال عسكري في أوكرانيا، ومعارضة روسية تتحدى سلطة بوتين، فتواجه بقتل زعيمها بوريس نيمستوف وسط موسكو، اغتيال لا يزال غامضاً وهو ما ألهب المعارضة بالنزول إلى الشوارع، ويأتي هروب الشركات العالمية من روسيا ليؤكد عمق الأزمة هناك بعد أن تراجعت الثقة بالنظام السياسي وقدرته على التعاطي مع الأزمات الداخلية والخارجية، فالثقة هناك مبعثها شخصية بوتين، والأخير اليوم يواجه لوحده كل هذه الأزمات، الذي هو سببها. أما في إيران فنجد المظاهرات الضخمة التي سّيرها المعلمون احتجاجاً على أوضاعهم المالية السيئة إذ لايتعدى راتب الواحد منهم 160 دولاراً بينما تنفق عشرات المليارات من الدولارات على مغامراتها في كل بقعة تصل إليها عدميتها السياسية والطائفية، فراتب المرتزق المرسل إلى ساحات القتل والخراب والدمار في الشام وقريباً ربما في اليمن يتعدى راتبه الألف دولار، وترافق هذا مع كشف مسؤول أميركي أخيراً عن تقديم إيران أكثر من 35 مليار دولار للنظام العميل لها في دمشق، هذا ناهيك بالطبع عن عمدها شراء عقارات وأصول في سورية من أجل تعميق وتجذير الاحتلال الإيراني، كل هذا يحصل في ظل بطالة وتراجع اقتصادي غير مسبوق في البلد بسبب تركيز كل سياساتها وديبلوماسيتها على مغامرات عسكرية تقود من فشل إلى آخر بغض النظر عن انتصارات عسكرية آنية كلفتها أضعاف كلفة خسرانها..

 

حين التقى مسؤول عربي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاولاً شقه عن نظام الأسد وإيران وعارضاً عليه إغراءات اقتصادية، التفت إليه بوتين قائلاً نحن لا نغير أصدقاءنا بسرعة ونحن مرتاحون لهذه العلاقة المتينة مع أسد وإيران، المشكلة إذن تكمن في رعاية الطرف الآخر بأصدقائه وحلفائه، وعدم التخلي عنهم بسرعة، فقديماً قالت العرب ليس الحكيم من يعرف الشر من الخير، ولكن الحكيم من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.. إيران وروسيا لن تردعهما القوة الناعمة، ولن يرتدعان عن العبث في المشرق العربي وتدميره بكل ما أوتيا من قوة وهي رغبة غربية أيضاً تطير لها طرباً، فهما يدركان تماماً استحالة حكمهما لهذا المشرق الممزق الآن بعد كل هذه التغيرات الضخمة التي اعتملت فيه، ولكن غاية سياستهم نشر العدمية وإيصال هذا الخراب والدمار لأكبر عدد ممكن من الدول الأخرى الأمر الذي سيجعلهما في مأمن من تعرضهما لانتقام مستقبلي من خلاله، لإدراكهما حجم الخسائر التي تسببوا بها له..

 

لا مندوحة عن محور سعودي ـ قطري ـ تركي، ودعوة كل من يرغب في العمل تحت أهداف هذا المحور الممثل بوقف المخطط الإيراني ـ الروسي الخطير،فكل تأخير عن التعجيل بهذا المحور سيجعل الكلفة على المنطقة أكبر والتأثير أعمق وأبعد، وسياسة الحوار والنقاش معهما لا تجدي، فهما يريدان الحوار من أجل الحوار، بينما على الأرض يغذّان السير في تجريف ما تحت البنية التحتية للمشرق العربي، وقديماً قال الشاعر العربي المتنبي

 إذا قيل رفقاً قال للحلم موضع ...........وحلم الفتى في غير موضعه جهل