تونس بعد حادثة متحف "باردو"
30 جمادى الأول 1436
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

كانت تونس قبل الهجوم الذي استهدف متحف باردو بالعاصمة قرب البرلمان في منطقة شديدة الحساسية تعد من أكثر بلاد الربيع العربي استقرارا حتى وإن تعرضت من حين لآخر لبعض الهجمات ولكنها ظلت بعيدة عن قلب العاصمة..

 

الهجوم الذي شهدته العاصمة التونسية أول أمس يشكل تطورا نوعيا في العمليات المسلحة خصوصا مع تبني تنظيم داعش للهجوم سريعا وتوعده بالمزيد حيث أنه قبل هذا الهجوم لم يكن للتنظيم أي وجود معلن في أول بلاد الربيع العربي...ردود أفعال واسعة شهدتها معظم عواصم العالم إثر الهجوم الذي استهدف سياحا أجانب من جنسيات مختلفة منها الفرنسية والإيطالية وهي بلاد قريبة جغرافيا واقتصاديا من تونس وترتبط معها بعلاقات تاريخية قوية واستراتيجية, كما أن الهجوم سيكون له تأثير سلبي على الأوضاع الاقتصادية في البلاد والتي تعتمد بشكل كبير على السياحة والاستثمارات الأجنبية التي شهدت تراجعا منذ الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي....

 

الأوضاع السياسية والأمنية في تونس في حالة من إعادة ترتيب الأوراق وعدم وضوح الرؤية وذلك بعد أن فاز باجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس والمحسوب على النظام السابق بالرئاسة وتمكن حزبه من الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان في حين تراجع حزب النهضة ـ أحد المكونات الرئيسية للثورة ـ ليحل في المرتبة الثانية بعد أن كان في المقدمة في أول انتخابات شهدتها البلاد عقب الإطاحة بزين العابدين...

 

كان من أول الأمور التي اعتمد عليها العلمانيون ورجال النظام القديم للنيل من حكومة الترويكا التي تزعمتها حركة النهضة أنها غير قادرة على ضبط الأمن في البلاد وهو اتهام متهافت لأن ما جرى في متحف باردو يتجاوز في خطورته جميع الحوادث التي جرت في عهد النهضة ومع ذلك كانت النغمة السائدة عقب الحادث ضرورة التكاتف من أجل مواجهة التحديات وهو ما كان يغيب تماما في عهد النهضة حيث كانت الأحزاب العلمانية توجه سهامها للحكومة وتطالب بإقالتها وتتهمها بالتقصير أما اليوم فالجميع بما فيهم النهضة يطالب بالوقوف وراء الحكومة ووحدة الصف وهو أمر إن دل فإنما يدل على انتهازية الاحزاب العلمانية في بلادنا وعدم اكتراثها سوى بمصالحها الضيقة حتى ولو كانت على حساب مصالح البلاد العامة...

 

حركة النهضة للمرة الثالثة أو الرابعة في غضون أشهر قليلة تثبت وقوفها إلى جانب وحدة الشعب التونسي ومصلحته وعدم استخدامها ألاعيب السياسة في سبيل الوصول إلى مكاسب خاصة, حدث ذلك عندما تخلت عن الحكم طواعية وعندما أقرت بخسارتها للأغلبية في الانتخابات البرلمانية وعندما وافقت على المشاركة الرمزية في الحكومة الجديدة ومع ذلك لم نسمع في وسائل الإعلام إشادة تذكر بالنهج القويم والمنفتح الذي يتخذه أحد الأحزاب الإسلامية البارزة حاليا في العالم العربي بينما تجد تصيد لأقل خطأ يقع فيه أي حزب أو حركة إسلامية لتشويهها!...الهجوم على متحف باردو قد يكون له تداعيات سلبية على الحريات في تونس كما حدث ذلك في بلاد مجاورة فقد تستغله السلطة القائمة والتي لا تبدو مرتاحة لكثير من القوى الثورية الموجودة في الشارع للتضييق على التجمعات والأنشطة الحزبية وترسيخ البعد الأمني في كافة مناحي الحياة العامة بحجة مكافحة "الإرهاب", وهو أمر سيؤدي إلى تداعيات خطيرة وسيدخل البلاد في نفق مظلم حيث ستندلع صراعات سياسية داخلية تؤثر على وحدة الصف...

 

كذلك قد تستغل مثل هذه الحوادث كذريعة لتبرير أي فشل تقع فيه الحكومة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للبقاء أطول فترة ممكنة دون تحقيق إنجازات تذكر...

 

في نفس الوقت من غير المستبعد أن تخرج أصوات لتطالب بتجريم الأحزاب الإسلامية والمطالبة بمنعها والهجوم عليها بدعوى أنها الحاضنة الرئيسية لما يسمى "الإرهاب" كما جرى في مصر والمغرب وهي وسيلة علمانية رخيصة لإبعاد القوى الإسلامية ذات الشعبية لإخلاء الساحة أمام القوى العلمانية التي أثبتت التجربة فشلها في الحشد والتجميع الهادف والقائم على تحقيق إنجازات وليس إفشال الآخرين...

 

الأيام والأشهر القليلة القادمة ستوضح لنا خريطة الأحداث في تونس ولكن من المؤكد أن البلاد مقدمة على منعطفات حادة.