حسن أن تتذكروا الأحواز الآن.. حسن ألا تندفع
8 رجب 1436
أمير سعيد

فجأة تذكرت دوائر إعلامية في العالم العربي أن الأحواز محتلة.. فجأة تذكرت أنها بحاجة لتغطية ذكرى احتلالها قبل تسعين سنة!

 

 

قنوات تلفزة تستضيف ناشطين أحوازيين للتعريف بالقضية.. دهشة تتملك مذيعين بل معدين في "قنوات مستقلة"؛ فاجأتهم "تعليمات" بأن ثمة بلداً عربياً محتلاً يتوجب إحياء قضيته؛ فانتفخت أوداجهم غاضبين من هذا الاحتلال القديم الذي علموا بخبره للتو، بسبب فروق التوقيت العربي والإنساني!

 

 

وقعت بلاد العرب في الجانب الآخر من الخليج العربي تحت الاحتلال في العام 1925 في ظروف لم تختلف كثيراً عن تلك التي تعيشها اليوم.. حينها سلمت الأحواز إلى بلاد الفرس قبل أن تكون إيران ذاتها دولة، وذلك بإرادة دولية، بريطانية، وروسية، ولم تزل حسابات الماضي تحكم حاضر هذا البلد البائس.

 

 

معظم العرب لا يعرفون شيئاً عن الأحواز، وهم قد عجبوا لطمس هذه المعلومات عنهم لكل هذه السنوات، وسيعجبون أكثر حينما يحصل ظرف جديد يزيل الغبش عن أعينهم حيال احتلالات أخرى؛ فستفاجئهم الأنباء بأدوات الإعلام تخبرهم بأن سبتة ومليلة ما زالتا محتلتين إسبانياً من المغرب، وأم الرشراش محتلة صهيونياً من مصر.. وهلم جرا.. ثم في الحلقة الأخيرة سيفاجئهم الإعلام بأن بلاداً عربية أخرى بالأصل محتلة، وهم لا يشعرون..

 

 

بالعودة للأحواز، وحتى لا نعطي الإعلام العربي أكبر من حجمه؛ فما هو إلا رجع صدى لسياسات الدول؛ وهي من تدير قرص الاهتمام ليستقر مؤشره على ما تريده، وبعضها أراد اليوم التذكير والإخبار والانتشار بأن الأحواز محتلة، وأقيمت لهذا الفعاليات المناسبة، وتفاءل كثير من الأحوازيين خيراً بها.. تفاعلوا، لكنهم هذه المرة لم يندفعوا معها حتى آخر الشوط.

 

 

يدرك الأحوازيون أن روحاً جديدة تسري في منطقة الخليج، وأن ثمة حرصاً على تغيير المعادلة الظالمة المظلمة في المنطقة، وأن شيئاً من التوازن تحاول بعض العواصم الخليجية تحقيقه، وتدرك أيضاً أن الرغبة في مساندة الأحوازيين ليست شكلية هذه المرة، وأن تلك الرغبة باتت تحرك إرادة تمتد من اليمن إلى سوريا، وأن غد إيران قد لا يكون كأمسها.. لكنهم في مقابل كل هذا يعلمون أن الحسابات المعقدة التي ظللت المنطقة العربية منذ قرن من الزمان لم تزل في معظم مفرداتها على حالها، وأن التغيرات هي في غالبها للأسوأ، وأن ضعفاً يعتري إرادات عواصم عربية كثيرة، وأن التعويل الكامل على صحوتها هو نوع من المقامرة غير المحسوبة.

 

 

نشط الأحوازيون هذه المرة خارجياً أكثر من الداخل، فكان مؤتمر لاهاي ذو الحضور المؤثر الإيجابي، وانطلقت كثير من الفعاليات الأحوازية في بعض العواصم العربية، وبرعت قنوات إسلامية في إحياء القضية وإيلائها اهتماماً متميزاً هذه المرة، مستفيدة من الأجواء الإيجابية، وظروف الحرب في اليمن، وتولد إرادة إقليمية بتحجيم إيران.. كل هذا جيد، والأجود منه إدراك للقوى الأحوازية أن عليها أن تتحلى أكثر بالحكمة ولا تندفع في التماهي مع هذا الجهد الإعلامي والسياسي والحقوقي الخارجي؛ فمعضلة الأحواز لن تحل بمجرد انتفاضة اعتادت السلطات الإيرانية الدموية أن تقمعها بكل قسوة وترتكب المذابح في الشوارع أو في أقبية السجون بغطاء قضائي صفيق، من دون رقيب أو حسيب من الناس، فلقد باتت القوى الأحوازية تدرك جيداً أن سلطان القوة لا يذهبه إلا نظيره، وأن معركة الأحوازيين لن يخوضها إخوانهم العرب نيابة عنهم، وإنما فقط يمكنهم أن يساندوهم متى كان الظرف الإقليمي والدولي يسمح بهذا.

 

 

لنكن صرحاء أكثر، إيران لا يمكنها أن تفرط في الأحواز وتستغني عن كامل نفطها تقريباً، ومعظم ثرواتها، ونفوذها في الخليج، وستستميت لأجل استمرار احتلالها للأحواز حتى آخر رمق لآخر جندي  لديها، ولنكن صرحاء أيضاً، في أن الأحواز لكي تعود مجدداً في "حوزة العرب" مثلما كانت، ونحت لنفسها هذا الاسم، ستكون بحاجة لتنسيق عالٍ جداً بين القوى الاستقلالية الكردية والبلوشية والتركمانية والعربية، وبحاجة لمساندة إقليمية تتدحرج متى حققت تلك القوى تغييرات حقيقية على الأرض، وأضعفت قبضة الإيرانيين في أطرافها، وبدون هذا؛ فكل ما يقال اليوم هو من قبيل التحفيز والتثوير المنضبط الحكيم الذي لا ينبغي أن يصل حد التهور والاندفاع.

 

 

لقد عقلت القوى الأحوازية كل هذا، ومرت ذكرى الاحتلال بنشاط كبير في الخارج، ونضال داخلي محدود ومنضبط؛ فلا أحد يريد للأحوازيين مجازر بلا ثمن، ولا مغامرات غير محسوبة، فلابد أن يكون المحرك الأول لنضال الأحوازيين قدرة داخلية عليه قبل أن يكون تحفيزاً خارجياً قد ينشط وقد يفتر وفقاً لحسابات مقدرة ومتفهمة.. وبأي حالٍ؛ فإن الشعوب هي من تحرر ذاتها، وهكذا يفعل الأحوازيون الذين يقول دوماً رموزهم إنهم يتولون مهمة التحرير بأنفسهم، ولا حاجة لهم إلا لدعم عربي يتسق ومبادئ الإخوة، ومصالح الجميع، بمن فيهم بالطبع ساكنو الجانب الآخر من الخليج العربي.