محاكمة شرعية لأردوغان
21 رجب 1436
منذر الأسعد

{{احتراز ضروري: أينما وردت كلمة "أردوغان"في هذه المقالة فهي تعني تياره السياسي لا شخصه،وعندما يراد الشخص سيتضح ذلك من السياق}}
*********

 

 

أتألم كثيراً عندما أصغي إلى أصوات قلة من السوريين المحسوبين على الثورة،وقد تفرغوا من هموم الدنيا والآخرة ليشتموا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،في موازاة حفلات مسعورة يشنها عليه غلمان خامنئي في الشام ولبنان،بمن فيهم سفيه يعتلي منبر الجامع الأموي بدمشق، يرمي تركيا بسوءات طاغيته!! الجامع الأموي الذي أحالته العصابة الطائفية المتدثرة بغلاف علماني إلى ساحة لحثالة المجوس من شذاذ الآفاق،يسبّون أصحاب رسول الله ويطعنون في عرضه عليه الصلاة والسلام.
*********

 

 

ليس بيني وبين الرئيس التركي صلةٌ شخصية أو حزبية أو .....
لكنني أتعاطف مع الرجل بعامة بالرغم من أخطائه هنا وهناك،وأحزن عندما أجد بين السوريين المؤيدين لثورة شعبهم من يناصب أردوغان عداءً عجيباً،يهبط لدى بعضهم إلى مستوى من الإسفاف غير اللائق بمسلم البتة ولو كان يتكلم عن فرعون هذه الأمة أبي جهل !!
فأما الذين يستسهلون تكفير الأفراد والجماعات،فليسوا ممن أخاطبهم هنا، لأن التفاهم مع هؤلاء مستحيل لاختلافنا في مناهج الاستدلال الشرعي وفقه الجمع بين الأدلة،والترجيح بين بعضها الذي يكون في ظاهره شيء من التعارض. فقد عجز عن ذلك صحابة كبار بقيادة رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله،لأن الخوارج متعنتون ومكابرون..
*******

 

 

سنسعى في هذه المساحة الضيّقة إلى الإجابة عن بضعة أسئلة جوهرية لكي نبني موقفنا على أرض صلبة،
أولها: هل يستطيع أردوغان الحكم بما أنزل الله؟
الثاني: من هم أعداء أردوغان؟
الثالث: ما هو البديل من أردوغان في تركيا؟
******

 

 

فأما الغلاة المزايدون فيجزمون بأن تحكيم الشريعة في تركيا قرار فوقيٌّ يسير، ولذلك تراهم يتهمون الرجل بالكفر والنفاق أو ما يدانيهما..
وفي هذا ظلمٌ فادح لأن من يقوله يقفز على إرث تسعين سنة من التغريب القسري لجميع شؤون الحياة،ويتعامى عن تربية الجيش الأتاتوركي –وكذلك الشرطة والقضاء والإعلام.....- على فرض العلمنة في أشرس صورها بالقوة..ولذلك تعددت الانقلابات العسكرية في تركيا،منذ انقلاب 1960 الذي أطاح الرئيس المنتخب عدنان مندريس وانتهى به إلى حبل المشنقة، لأنه أعاد الأذان للصلوات إلى اللغة العربية التي يبغضها القوم بغضاً شديداً لأنها لغة الوحي.بل إن التغريب القسري في تركيا بدأ قبل إزاحة الخلافة وذلك في انقلاب 1908م!!
 

 

 

وأما أعداء أردوغان فهم يعلنون عن أنفسهم :
الصهاينة والصليبيون والصفويون !! وهل هنالك أعداء للإسلام وأهله بحقد هذه الفئات الثلاث؟ فهل من مسلم يلتقي معهم في العداء لإنسان مهما كان وضعه؟
وأما البديل من أردوغان فهم عبيد أتاتورك الحاقدون على الإسلام والمناوئون للشعب السوري المظلوم..فهل من السياسة- لئلا أقول: هل من الدين!!- أن نكون معهم ضد أردوغان وحزبه بما له وما عليه؟
إن المسلمين في المرحلة المكية القاسية،فرحوا بانتصار الروم على الفرس، مع أن الطرفين كافران،لأن الروم من أهل الكتاب ولو كان محرَّفاً..

 

 

لنفترض أن أردوغان غير مسلم –جدلاً فحسب- لكنه تمكن من:

1- كبح الغلو الأتاتوركي بدهاء لا يجحده إلا مكابر.

 

2- تيسير حياة المتدينين في تركيا بعد عقود من الزمن شديدة الوطأة عليهم.

 

3- نجدة الشعب السوري ولو في نطاق استقبال مليوني مهجَّر من براميل الطاغية استقبالاً لم تقم به دولة أخرى من دول الجوار كافة!!

 

4- أعاد علاقات تركيا مع أشقائها في الدين
لو سلّمنا جدلاً بأن أردوغان وحزبه ليسوا مسلمين،أفليس من السياسة الشرعية أن نكف عن الرجل في الأقل،لتلك الأسباب؟

 

ألم نقرأ في سيرة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام أنه - صلى الله عليه وسلم – لما رأى ما يصيب أصحابه منالبلاء ، وما هو فيه من العافية ، وأنه لا يقدر على أنيمنعهم مما هم فيه من البلاء ، قال لهم:  لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه  ،وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي ، لا يظلم أحدبأرضه ، وكان يثنى عليه وفيه صلاح  ، فخرج عند ذلكالمسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إلى أرض الحبشة  ، وكان ذلك في السنة الخامسة من النبوة  ، أي في السنة الثامنة قبل الهجرة ، مخافة الفتنة ،وفرارًا إلى الله بدينهم ، فكانت هذه الهجرة أول هجرة فيالإسلام  ، وهي الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة  .

 

وكان ذلك-بالطبع- قبل أن يدخل النجاشي في دين الله الحق!! بل كان نصرانياً مثلّثاً كغيره من النصارى،لكنه كان عادلاً..

 

 

فلنتقِّ الله في أنفسنا قبل أن نتقيه في أردوغان وغيره،ولنتق الله في تركيا التي يستهدفها ثالوث أعداء الله في زماننا،وتآمروا عليها منذ 200 سنة على الأقل.. فهي ركن ركين في أي نهضة إسلامية حقيقية تدافع عن الدين وأهله.. فأردوغان زائل مثل كل البشر،لكن ما أنجزه يمكن البناء عليه بحكمة واتزان،وإلا فسيعود الجنرالات الماسونيون وستعود الأتاتوركية البغيضة في أقبح صورها وأشد تطرفها..