هل حقا خسر أردوغان؟
23 شعبان 1436
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

لأول وهلة قد يتخيل البعض خصوصا من تعليقات الصحافة العالمية والعربية العلمانية الموتورة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان صاحب الجذور الإسلامية قد تلقى خسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي أسفرت عن فوز الحزب بـ41 في المائة تقريبا من أصوات الناخبين متقدما بفارق كبير عن أقرب الأحزاب العلمانية وهو حزب الشعب الجمهوري الذي نال 25 في المائة تقريبا ما يعني خسارة حزب العدالة للأغلبية المطلقة التي كانت تخوله تشكيل الحكومة منفردا ولكن الواقع أن الحزب استطاع ولأول مرة في تاريخ تركيا الحديد أن يفوز بالانتخابات للمرة الرابعة على التوالي وبفارق واسع بصرف النظر عن طريقة تشكيل الحكومة الجديدة...

 

المتأمل لنتائج الانتخابات يجد أن الحزب المنافس لأردوغان وهو حزب الشعب الجمهوري والمتبني لمبادئ أتاتورك العلمانية المتطرفة لم يحقق تقدما ولا غيره من الأحزاب الأخرى المنافسة لأردوغان كل ما جرى أن حزبا جديدا هو حزب الشعوب الديمقراطي الكردي فاز لأول مرة  في تاريخ الأكراد بأكثر من 10 في المائة وهو الحد الأدني للدخول للبرلمان وهو أمر يحسب لأردوغان وحزبه الذين انفتحوا على القضية الكردية بشكل كبير واقتربوا من حلحلتها ودعوا الأكراد للمشاركة السياسية ونبذ العنف وهو ما جرى في هذه الانتخابات التي تعد خطوة هامة من أجل منح الأكراد حقوقهم بعيدا عن المزايدات العسكرية التي يراهن عليها بعض المتطرفين الأكراد وهو مكسب لسياسة أردوغان وأعتقد أن الأكراد في معظمهم يقدرون هذا لأردوغان وحزبه وهو ما ظهر من تصريحات صلاح الدين دمرداش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي عندما قال، إن على تركيا ألا تخاف من الائتلافات الحكومية لأن الدول تدار بهذه الطريقة، مطالبا حزب العدالة والتنمية بالتعامل مع حزبه بندية, ملمحا باستعداد حزب الشعب الديمقراطي للحوار بشأن تشكيل الحكومة الجديدة...

 

مشاركة حزب الأكراد لحزب العدالة في الحكومة الجديدة هو الخيار الاول الذي يمكن أن يكون وسيلة للحفاظ على مكاسب حزب العدالة في الحكم طوال الـ12 عاما الماضية والتي استطاع خلالها تحقيق انجازات ضخمة على كافة الأصعدة كما يمكن عند تحقيق هذا الخيار حل الأزمة الكردية وهو ما سينعكس بالإيجاب على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد ويحقق مردودا قويا يضاف لإنجازات حزب العدالة...أما في حال تعثر الاتفاق مع الأكراد على الائتلاف الحكومي فأعتقد أن الخيار الأوفق هو انتخابات مبكرة يسحب فيها أردوغان رغبته في تعديل الدستور وهي النقطة الجوهرية التي حالت دون تحقيق حزب العدالة لفوز ساحق لأن الأتراك كما يبدو ليسوا مستعدين بعد لنظام رئاسي وهناك مخاوف كثيرة تنتابهم بشأن تعديل الدستور وهو ما كشفت عنه الاستطلاعات قبل الانتخابات وعلى أردوغان أن يطمئنهم بشأن هذه النقطة شديدة الحساسية....

 

هلل كثير من العلمانيين في بلاد لا تعرف الديمقراطية ولا الانتخابات النزيهة لنتائج الانتخابات التركية بشكل صبياني غير ملتفتين لنزاهتها رغم أنها جرت تحت إشراف حكومة حزب العدالة ولو أراد أردوغان التلاعب لفاز بأكثر من نصف عدد المقاعد وتحقق له ما أراد وهو ما كان يجري ولا زال في بعض البلدان التي هلل إعلاميوها بنتائج انتخابات تركيا وأوهموا مشاهديهم بفشل وخسارة أردوغان لانحيازه للقضايا الإسلامية وهو ما فعلته بعض الصحف الغربية التي شنت حملة شعواء من قبل الانتخابات على أردوغان لنفس الأسباب تقريبا ولخوفها من صعود نمر إسلامي يزاحم الأقوياء في سماء الاقتصاد والسياسة...

 

هذا التهليل تمدد حتى وصل إلى الكيان الصهيوني الذي أبدى سعادة بالغة لعدم حصول أردوغان على الأغلبية المطلقة وهو ما يدل على وحدة أهداف الغرب والعلمانيين العرب و"إسرائيل" معا وهو ما يكشف نوعية الطابور الخامس ومخططاته في عالمنا العربي...