التطرف العلماني في بنغلادش
23 شعبان 1436
د. زياد الشامي

على الرغم من رفعها لشعار المساواة والعدالة والديمقراطية عاليا لا تتورع الحكومات العلمانية عن استخدام كافة الوسائل القمعية وغير الديمقراطية تجاه التيارات الإسلامية , بل يمكن القول بأن الحكومات العلمانية أثبتت في العصر الحديث بأنها االأكثر استبدادا وتطرفا من غيرها من التيارت والمذاهب الفكرية المعاصرة , وإن ادعت وزعمت خلاف ذلك .

وفي المقابل يمكن القول - من خلال الواقع المشاهد - أن التيارات الإسلامية أثبتت أنها أكثر تنفيذا والتزاما بمفهوم الحرية والديمقراطية إذا وصلت إلى سدة الحكم من أولئك الذين يزعمون أنهم رموز الحرية في العالم , ولعل ما حدث بالانتخابات التركية بالأمس القريب خير شاهد على ذلك , حيث استطاعت بعض الأحزاب المناوئة لحكومة العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الحاكم من الوصول إلى البرلمان بسبب أجواء الحرية والديمقراطية التي وفرها الحزب الحاكم للناخبين .

ومن هذا المنطلق لم يكن إعلان وزير القانون في حكومة بنغلادش العلمانية عن مسودة يجري الإعداد لها من أجل حظر الجماعة الإسلامية هناك , بل وتقديم جميع من ينتمي إليها إلى المحاكم تحت تهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة .... بالأمر الجديد , فقد سبق لبرلمانيين ينتمون إلى الحزب الحاكم في بنغلاديش أن طالبوا خلال اجتماعات البرلمان و الحكومة بضم الجماعة الإسلامية إلى الجماعات المحظورة في بنغلاديش كالقاعدة و حركة المجاهدين و فريثق أنصار الله البنغالي و غيرها .

لم تكتف الحكومة العلمانية في بنغلادش – على ما يبدو – بحرمان الجماعة الإسلامية من دخول الانتخابات التي كانت مقررة في بداية العام الماضي , من خلال اعتبار ثلاثة قضاة بالمحكمة العليا في "داكا" أن برنامج الحزب يتناقض مع الدستور العلماني في البلاد .

كما لم تكتف بملاحقة قادة ورموز الجماعة الإسلامية بتهم ارتكاب جرائم حرب شملت القتل والنهب والسلب عام 1971م عند انفصال باكستان الشرقية واستقلال بنغلاديش , و اختراع محكمة خاصة باسم "المحكمة الدولية للجرائم عام 2010م لهذا الغرض المدعوم من الهند ودول خارجية أخرى , والحكم على كثير منهم بالإعدام , بل وتنفيذ الحكم في أكثر من واحد من قادة الجماعة ....

بل وصل التطرف العلماني في بنغلادش إلى حد الفزع من مجرد بقاء حزب الجماعة الإسلامية دون أي امتيازات أو حقوق سياسية , والخوف من تمدده وانتشاره في البلاد مع كل الإجراءات الجائرة بحق رموزه وقادته , فها هي رئيسة الحكومة حسينة واجد تعلن مؤخرا أن ملف الجماعة سيتم حسمه قريبا , و أن القضاء سيعطي كلمته في هذا الإطار , وهي تشير بذلك إلى قرب إنهاء وجود الحزب من خلال القضاء المسيس , الذي يعتبر الأداة الطيعة بيد الحكومات العلمانية في العالم .

لا يمكن إغفال الدعم والتحريض الذي تتلقاه حكومة بنغلادش العلمانية من الهند وغيرها من الدول لممارسة مزيد من الاضطهاد ضد التيار الإسلامي , ولا أدل على ذلك من إعلان الهند عن تعاون جديد مع حكومة حسينة واجد قيمته 22 بليون دولار خلال زيارة رئيس وزراء الهند ناريندا موذي يوم السبت 6 يونيو الجاري الى بنغلاديش , و هي أكبر و أضخم مساعدة و تعاون يجري إعلانه بين البلدين مند استقلا بنغلاديش .

إن المضحك المبكي في التطرف العلماني ضد التيار الإسلامي على وجه الخصوص - والذي لا تكاد تخلو منه دولة في العالم - أنه في الوقت الذي تمارس فيه العلمانية إرهابا غير مسبوق بحق الإسلاميين , تزعم أنها تفعل ذلك انتصارا للديمقراطية , وانقاذا للمجتمعات من "إرهاب" مزعوم من التيار الإسلامي الذي هو في الحقيقة الضحية الوحيدة "للإرهاب" الممارس من قبلهم .

إن مقارنة بسيطة بين التناقض الفج والمقزز بين ما ترفعه الحكومات العلمانية المعاصرة من شعارات – المساواة والحرية والديمقراطية – وبين ما تمارسه على أرض الواقع من ممارسات التمييز والاضطهاد والعنصرية والاستبداد بحق الأحزاب الإسلامية المعارضة – بل وغير المعارضة فكل مسلم سني هو "إرهابي" في عرف العلمانية على ما يبدو - يظهر عدم صلاحية هذا النظام للحكم , ويؤكد أن النظام الإسلامي هو البديل الوحيد للعالم إن أراد حقيقة العدالة والمساواة والحرية المنشودة .

ومن هنا فليس عجيبا أن يرى المتابع أن العلمانية باتت تمارس الديكتاتورية أينما حلت - ليس في بنغلادش فحسب بل في كل بلدان العالم – بل وتمارس نوعا من الشماتة والتشفي من عدم نجاح الأحزاب ذات الجذور الإسلامية – حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا - في الحصول على الأغلبية 50 +1 لتشكيل الحكومة بمفرده بسبب ترسيخه العمل بالديمقراطية والحرية في البلاد .
فهل بقي من معاني التطرف شيء أكثر من ذلك يمكن أن توصف به العلمانية ؟!