هل بدأ تنفيذ مشروع تقسيم سورية ؟
26 شعبان 1436
د. زياد الشامي

لم يغب يوما مشروع التقسيم عن أذهان النصيرية والرافضة والصليبية العالمية منذ اندلاع الثورة السورية المباركة منذ أكثر من أربع سنوات , إلا أنه كان مؤجلا على ما يبدو حتى ينجز طاغية الشام الأهداف التي أُمر بتنفيذها من قبل أعداء الإسلام , المتمثلة بتدمير سورية على رؤوس أهلها قبل أن يمنحوه طوق النجاة .

ولعل الهزائم المتكررة لقوات النظام السوري وحلفائه من الرافضة في كل من شمال البلاد وجنوبها , وانهيار معنويات جنوده وهروبهم الجماعي عند أي مواجهة مع كتائب المعارضة ......قد سرعت من بدأ تنفيذ مشروع التقسيم على ما يبدو .

إن بعض الأحدث الأخيرة تشير إلى أن أوان مشروع التقسيم قد حان , وأن مقدمات إنشاء دويلة نصيرية على الساحل السوري قد ظهرت , ففي خطوة يرى ناشطون أنها بمثابة إعلان رسمي عن بدء تقسيم سوريا ، أصبح ممنوعا على السوري من غير أبناء الساحل دخول محافظتي اللاذقية وطرطوس ما لم يكن من مواليدهما ، أو مالكا لعقار أو مستأجرا فيهما ، أو عاملا في إحدى مؤسساتهما , وسيتطور الأمر – كما سيأتي - إلى إخراج أهل السنة منها مستقبلا بطريقة أو بأخرى , ليصبح الساحل السوري حكرا على أبناء النصيرية فحسب .

لم يكن ما سبق محض خيال أو توهم أو ظن , فقد قطع بعض السوريين الشك باليقين , فها هو المواطن راشد الذي خدم الطائفة أربع سنوات من خلال عمله كشبيح ومخبر لصالح النظام ، يُمنع اليوم من دخول مدينة اللاذقية دون سبب واضح، ونظرا لخوفه من الثوار لأعماله المشينة بحقهم اضطر للعيش مع أسرته في مخيم بريف اللاذقية قرب الحدود التركية .

لم يكن حال عشرات المتعاونين مع النظام من سكان إدلب وأريحا وجسر الشغور أفضل من حال "راشد" ، حيث اضطروا للتوزع على قرى ريف حماة ومخيمات النازحين في ريف اللاذقية ، بعد أن استعملهم النظام في حاجته ضد أبناء جلدتهم ودينهم , ثم رماهم واستغنى عنهم عندما ضاق عليه الخناق .

ولم تكن شهادات من مُنعوا من دخول الساحل السوري وحدها هي الدليل على بدء مشروع التقسيم , فقد أفاد الناشط محمد العزي أنه حصل على معلومات مؤكدة من ضابط في أمن النظام عن صدور قرار رسمي بذلك من جهات عليا لم يحددها , بخصوص كون الساحل قد بات ممنوعا على السوريين من غير سكانه أو القاطنين فيه بشكل قانوني .

وإذا عدنا بالذاكرة إلى شهر مضى تقريبا , واستحضرنا القرار الذي لم يتم الإعلان عنه حينها , والذي يمنع تجديد عقود إيجار المساكن لغير أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل وقراه الخاضعة لسيطرته , وهو ما يعني أن مئات الآلاف من نازحي حلب إلى اللاذقية ونازحي حمص إلى طرطوس سيتوجب عليهم مغادرة المدينتين , واللجوء للمخيمات بعد أن دمرت بيوتهم .....فإن ذلك مما يشير إلى أنها خطوات على طريق إقامة دويلة نصيرية في الساحل السوري على ما يبدو .

قد لا تكون أمثال هذه الممارسات العنصرية الطائفية غريبة على النظام النصيري , فهو لم يكن وفيا أصلا مع أتباع طائفته , حيث لم يسمح لبعضهم في قرى سهل الغاب بالنزوح إلى اللاذقية ، ليبقوا خط دفاع أخير عن معاقله ، يموتون من أجل بقاء رأس النظام , ناهيك عن الآلاف الذين تركهم لمصيرهم المحتوم ...فكيف يمكن أن تكون ممارساته مع أبناء الوائف الأخرى ؟!!

ولا يبدو أن هناك أي استثناء لهذا القرار إلا من يريد التطوع في لواء درع الساحل الذي أعلن عن إنشائه الشهر الماضي , ففي هذه الحالة فقط يسمح النظام النصيري لغير أبناء طائفته بدخول مدن الساحل .

وإلى أضفنا إلى ما سبق ما عبر عنه الرئيس "الإسرائيلي" ريئوفين ريفلين منذ أيام من قلق بالغ على مصير أبناء الطائفة الدرزية جنوب البلاد بقوله : " دروز سوريا مهددون ...وما يجري في الوقت الحالي ترهيب وتهديد لوجود نصف مليون درزي في جبل الدروز القريب جدا من الحدود "الإسرائيلية" ... وذلك خلال لقاء جمعه برئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في القدس .. فإن ذلك يشير بشكل أو بآخر على أن محاولات تنفيذ مخطط تقسيم سورية قد بدأ .

وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما جرى أول أمس في قرية درزية "قلب لوزة" في ريف إدلب , و محاولة التضخيم الإعلامي المتعمد لحادثة لا تكاد تذكر أمام ما يجري على الساحة السورية ....قد يكون مؤشرا أيضا لبدء تنفيذ فكرة التقسيم , بذريعة مخاوف الغرب المصطنعة على مصير ومستقبل الأقليات , وهو ما يمهد لإنشاء دويلة نصيرية على الساحل , وأخرى درزية على الحدود "الإسرائيلية" جنوبا ، وثالثة سنية بطبيعة الحال وإن كانت موزعة بين "داعش" وغيرها من قوى فصائل المعارضة المسلحة .

قد لا يكون تنفيذ مشروع تقسيم سورية من السهولة بمكان , فهناك الكثير من العقبات التي تعيق إتمامه كما يرغب أعداء الإسلام ويتمنون , إلا أن مخطط التقسيم ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" , قد اعتمد بشكل نهائي – على أي حال - من الكونجرس الأمريكي منذ عام 1983م , بعد أن وافق المجلس بالإجماع في جلسة سرية على مشروع كلف الدكتور "برنارد لويس" بإعداده عام 1980م .

ومن هنا فلا بد لأهل السنة عموما - في سورية وغيرها - من وضع هذا الاحتمال في الحسبان , والعمل على إفشال هذا المخطط بكافة السبل والوسائل الممكنة .