حين بكى الأمير..
12 رمضان 1436
أمير سعيد

كثيرون شاهدوا أمير الكويت متأثراً بالحادث الدامي الذي استهدف متعبدين من الطائفة الإمامية الشيعية في الكويت، وبعضهم لاحظ الدموع في عيني الأمير، ومنهم خطيب حسينية الإمام الصادق، عبدالله المزيدي، الذي قال إنه رأى "صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد والدموع في عينيه تبكي حال الوطن اثناء زيارته مكان الحادث".

 

 

 

 

رغم هول ما قد رآه الأمير إلا أن ما استدعى الحزن إلى وجهه ليست أجواء الموت التي كانت تخيم على المكان الذي وقع فيه الانفجار وزاره أمير الكويت على الفور؛ فسوى ما رآه كفيل باستجلاب الدموع على حال يتغير بسرعة في المنطقة كلها..

 

 

 

لعله استذكر أياماً هنية كان فيها أمراء الكويت الراحلون يتجولون بسياراتهم بلا حراسة بمنتهى الأمن قبل أن ينشر عماد مغنية ورفاقه الرعب والإرهاب في الثمانينات، حين كانت طهران تضغط على الكويت بقوة لتمنعها من مد يد العون لنظام صدام حسين في حربه مع إيران.

 

 

 

خاطر سريع يمكن أن يجول بذهن أي كويتي أو غيره ربطاً بين هذه الأجواء وتلك، فالبعض لا يرى غضاضة في أن يتجاوز صرامة الليبراليين العرب الرافضين بشدة أن يفكر البعض بتوجيه اتهام لطهران هذه المرة أيضاً، استناداً إلى دعم الكويت لعملية عاصفة الحزم، ثم إعادة الأمل، والتي تستهدف تقليم أظافر الإيرانيين في جنوب الجزيرة العربية، مثلما وجهت في الماضي أصابع الاتهام بكل أريحية لطهران الرافضة للدعم الخليجي للعراق قبل ربع قرن.

 

 

 

تلك خاطرة بريئة لا غرو أن تمر بتفكير أي مواطن عربي، حين ينقب عن الفاعلين لا الأدوات الساذجة التي تنفذ ما لا يفضي إلى شيء، لا لأهداف مشروعة، أو حزبية خاصة، لكن ما قد يكون قد استجاش دمعات الحزانى في الكويت ليس هذا فحسب؛ فالسياق الذي تمت فيه عملية تفجير المهاجم ذاته في حسينية الإمام الصادق، وأسقط عشرات القتلى وأكثر من مائتي جريح قد لا يثير المخاوف من تأجيج صراع بين سنة وشيعة فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى فضاءات التفكير في إعادة تقسيم وتجزئة هذه المنطقة، بما لا يجعل الكويت في مأمن من هذا أبداً.

 

 

 

لا يخفي تنظيم الدولة رغبته في أن يرى الكويت جزءًا من دولته، كما لا تخفي خارطة "حدود الدم" التي أعلن عنها رالف بيترز الخبير العسكري الأمريكي قبل تسع سنوات في دراسته المحكمة التي نشرتها دورية القوات المسلحة "ارميد فورسز جورنال"، بعنوان "حدود الدم كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل"، حيث تلك الأفضلية لا يرد فيها اسم الكويت مطلقاً، إذ تتضمن داخل حدود "الدولة الشيعية العربية"، والتي تضم إلى جانب الكويت، الأحواز، وجنوب العراق، والمنطقة الشرقية بالسعودية.

 

 

لذا، فمن حق أهل الكويت أن يساورهم قلق عميق حيال ما يرتب لبلادهم التي لم تندمل دماءها بعد من غزو عراقي فاجأهم ذات صباح؛ فإذا الكويت "محافظة عراقية"، مثلما تردد وسائل إعلام ومسؤولون حزبيون إيران الحديث ذاته عن ارتباط الكويت بإيران! وقلقهم هذا يتعزز حين يأتي التفجير عندهم في أعقاب آخر في المنطقة الشرقية السعودية، القطيف، في تركيبة عنفية مطابقة تماماً.. حسينية تستهدف من "انغماسي" – مثلما يحلو لتنظيم الدولة تسميته – يفجر نفسه في يوم الجمعة وسط متعبدين شيعة، وهو يهتف "الله أكبر".

 

 

وقلقهم هذا انصرف في اندفاعة تجاه فكرة "الوحدة الوطنية"، وشعار "سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه"، لكن أكان هذا كافياً، بل أيكون هذا هو المعالجة الحقيقية لآثار الحادثة؟

 

 

 

هذا، وإن كان حصل من قبل في أعقاب تفجير القطيف، حين تقاطرت الإدانات، وتناسلت المقالات، وتكاثرت التطمينات؛ فإنه لا يغير من واقع حقيقي شيئاً، نعم، ربما يعالج لدى المتخوفين بعض هواجسهم، لكنه على المستوى الاستراتيجي الممتد لا يحقق التفافاً على ما يعد ويرتب.

 

 

 

لدينا لاعبون، إيران، أمريكا، "إسرائيل"، دول الخليج، روسيا.. تنظيم الدولة، هناك أيضاً أطراف عربية تتلاقى مصالحها إما في الضغط لاستجلاب دعم أو في كبح جماح خطوة تجاوزت حدود المسموح في التعاطي مع المشكلات الإقليمية.. هؤلاء جميعاً – باستثناء دول الخليج - لا يوقف تطلعاتهم المتناقضة مع مصالح معظم دول الخليج إقامة صلاة مشتركة بين سنة وشيعة في مسجد..

 

 

 

وهناك سياسات وتطورات ذكت مشاعر متأججة في المنطقة، وهنا استحقاق مبدئي فات كثيرين؛ فلقد سبق ونبه غيورون إلى أن وأد "الربيع العربي" سيقوي نزعات العنف، وسيمنح أصحابها أكبر مبرر لنشر أفكارهم، وسوف لن يجدوا عائقاً أمام استقطاب شباب غاضبين يمكن لبعضهم أن يرتكب أفعالاً يتعفف عنها الجيل السابق من حملة السلاح. لقد أخطأت المنطقة برمتها حين قوضت آمال الشباب وسدت طرق التغيير الهادئ أمامهم؛ فسهل استقطابهم في تنظيم مريب في أفكاره وتحركاته وقاداته وسلوكياته.. وأخطأت حين لم تقرأ منظومة تحالفاتها العتيقة البالية، واستمرأت السير في دروب الوهم السياسي، ظناً بأن الحلفاء الغادرين لا يخونون ولا يكذبون! أخطأت حين غضت الطرف عن تجاوزات الأقليات واستفزازاتها، وأخطأت خطيئة لا تغتفر عندما ألفت أصوات مئات الآلاف من المعذبين السنة وحشرجات المحتضرين الأبرياء في كل من سوريا والعراق، وغيرهما.

 

 

 

إن الدم تناثر في أرجاء منطقتنا بعد أن أخفقت دول في آخر اختبار تعويضي أتاح لها فرصة الاستقلال والعودة للهوية، فلفظتهما معاً والتجأت إلى عدو لا يرحم، فأدماها.. لقد أطلقت دول عربية رصاصها وسط الغبار الثائر على عدو توهمته من داخلها؛ فلما انقشع الغبار تكشف لها أنها أطلقت الرصاص على أقدامها.

 

 

الجميع بات اليوم مدركاً أن الخطر كبير، وأن سياسات السابق قد أدت إلى ما نحصده الآن؛ فالعدو لا يرحم الضعفاء، وها هو يفعل للتو مع كل تفجير، هاتفاً: "لابد أن ندافع عن أنفسنا".. ها هي "اللجان الشعبية" تشكلت على الفور على أبواب الحسينيات لحماية "المؤمنين"، كما يقولون.

 

هل قلتُ "لجاناً شعبية"؟
نعم، هو المسمى الذي كنا نسمعه بغزارة في الأيام التي سبقت "عاصفة الحزم"، حيث أمكن لـ"اللجان الشعبية" أن تمتلك "أسلحة ثقيلة"! ثم تنفذ انقلاباً دموياً، وتشترى جنرالات في الجيش اليمني بأموال "اللجان الشعبية" تلك!

 

 

الحل لديكم، إن تملكتم زمام شجاعتكم، وإلا فالهروب إلى الأمام، لا إلى الوراء.. إن طريق الدولتين "الهادئتين"، اللتين لا يستهدفهما تنظيم الدولة، ليس متاحاً للجميع.. إنهما حالتان شديدتا الخصوصية لا يمكن استنساخهما مطلقاً.