دلالات حادث اللاذقية
25 شوال 1436
د. زياد الشامي

لم يك ما جرى بمحافظة اللاذقية التي تعتبر معقل الطائفة النصيرية والخزان البشري لطاغية الشام بالأمر الجديد أو المستغرب , فمافيا الفساد التي تقوده عائلة طاغية الشام هناك يعلمه القاصي والداني منذ عقود , وهو في الحقيقة يعطي صورة واضحة عن طريقة إدارة نظام الحكم النصيري للبلاد , الذي وصفه الكثيرون بأنه نظام يقوم على مبدأ العصابات , وأنه لا يمت إلى نظام المؤسسات الذي تقوم عليه الدول الحديثة بأي صلة .

نعم...بدم بارد ولسبب أقل من تافه أقدم سليمان هلال الأسد ابن عم طاغية الشام وابن قائد قوات الدفاع الوطني هلال الأسد الذي قتل في 23 من شهر آذار / مارس في العام الفائت 2014 بقتل العقيد المهندس في القوى الجوية حسان الشيخ من مرتبات القوى الجوية في حمص أمام زوجته وأولاده بسبب تجاوز الأخير بسيارته سيارة سليمان ...ما أثار موجة احتجاجات ومظاهرات تطالب بإعدام القاتل والقصاص منه .

وكعادة النظام في مثل هذه الحوادث المحرجة – نظرا لكون القاتل والمقتول من نفس الطائفة ناهيك عن كون المقتول ضابط في القوات الجوية في ظروف الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات - فإن احتواء الموقف من خلال الكذب والنفاق هو الحل بالنسبة إليه , أما مسألة القصاص من الجاني أيا كان فهو أشبه بالمستحيلات في نظام حكم يقوم ابتداء على المحسوبية وحكم العائلة الواحدة .

ففي الوقت الذي ادعى فيه إعلام النظام السوري : " أن الأوامر أتت بإلقاء القبض على سليمان الأسد حيا أو ميتا " , ذكرت مصادر مقربة أن رأس النظام أمر بهروب سليمان إلى لبنان ريثما تهدأ الأمور , بل وسهل له أسباب الهروب .

وانطلاقا من حساسية الموقف وخطورة تداعياته يمكن فهم توارد الأنباء عن تدخل أخت طاغية الشام بشرى لحل الأزمة , وذلك من خلال قيام ابنها باسل آصف شوكت بزيارة عاجلة إلى أهل الضابط المقتول لتهدئة الأجواء وامتصاص موجة الغضب في أوساط الطائفة النصيرية .

الحادثة بخصوصيتها وتوقيتها تحمل الكثير من الدلالات أبرزها :

1- أن ما يسمى "التربية" التي تلقاها أبناء العائلة الحاكمة في سورية تقوم على مبدأ التعالي على كل القوانين والأنظمة , وتزرع فيهم أنهم خارج إطار القانون , وأن ممارساتهم لا تخضع لأي محاسبة مهما كانت .

وبالإضافة لما سبق فإن هذه "التربية" تقوم على مبدأ الاستهتار بأرواح وأموال وأعراض الآخرين , بل وتحدي الأنظمة والقوانين وتهديد من يطالب بحقه من ضحياهم , فالمفترض في قاموسهم الخاص أن لا تصرخ الضحية وأن لا تطالب بحقها , ومن هنا يمكن فهم رد فعل النظام على مظاهرات الشعب السوري الذي خرج بداية يطالب بمحاسبة من أجرم بحق أبناء درعا , فكان الرد هو الرصاص والقتل مباشرة .

ومن خلال هذه العقلية يمكن فهم ما تناقله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، من تهديدات أطلقها سليمان بعد هروبه إلى لبنان ضد المحتجين والمتظاهرين المطالبين بالقصاص منه , حيث وصفهم "بالكلاب التي تنبح على دوران الزراعة – مكان الحادث – مؤكدا أن نباحهم دون فائدة – حسب وصفه – وأنه سيحاسب كل من خرج احتجاجا على جريمته بعد عودته إلى سورية .

2- من دلالات الحادثة أن العائلة الحاكمة تستخدم الطائفة النصيرية وتستثمرها لتثبيت حكمها لا أكثر , فمع الامتيازات التي يتمتع بها أبناء الطائفة على الأغلبية السنية وعلى باقي الطوائف , إلا أن هذه الامتيازات تختفي إذا اصطدمت بأهواء وامتيازات أبناء العائلة الحاكمة .

3- من دلالات الحادثة أيضا تأكيد مصدر مفهوم الخيانة والعمالة الغريب والعجيب في سورية , والذي يعتبر مفهوما مغايرا لكل مفاهيم الخيانة المعروفة عالميا , فالخيانة والعمالة في عرف النظام السوري هو مخالفة رغبات وشهوات العائلة الحاكمة , ولا أدل على ذلك من تخوين النظام كل من يخالف وجهة نظره خلال السنوات الأربع من عمر الثورة السورية .

ومن دلالات ذلك أيضا منشورات سليمان على الفيس بوك الذي انتقد من خلالها احتجاجات المتظاهرين على جريمته , معتبرا أنهم خونة وعملاء لمجرد مطالبتهم بالقصاص منه قائلا باللهجة النصيرية الساحلية : "لو رحتو انقلعتو والتحقتو بالجيش وصديتو الإرهابيين بسهل الغاب كان أحسن من هالتعواية بس كلكم خونة وستندمون" .

4- من دلالات الحادثة اعتراف المؤيدين للنظام بمنظومة الفساد المنتشرة بين صفوف العائلة الحاكمة وما يسمى "الدفاع الوطني" , بل واتهام بعضهم – وعلى رأسهم سليمان – بالعمالة للموساد كما فعل الكاتب اليساري الأردني الموالي للنظام "ناهض حتر" والذي يكتب في زاوية "بهدوء" لصحيفة "الأخبار" التابعة لحزب الله اللبناني حيث قال : إن سليمان ربما يكون عميلا للموساد أو "الإرهابيين" , معترفا بأن عصابات البلطجية ومن يعمل تحت شعارات "الدفاع الوطني" تقبع على صدور المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد .

إنها إذن قضية معلومة ومشهورة , ولكن النظام وحلفاءه ومؤيديه يخفونها ولا يظهرونها خوفا من آثارها وتداعياتها السلبية خصوصا في هذه الأوقات التي تعتبر الأسوأ على النظام .

قد لا يكون متوقعا أن تؤدي هذه الحادثة إلى تغيير جذري وملموس في موقف الطائفة النصيرية الداعم والمدافع عن نظام طاغية الشام منذ أربع سنوات وحتى الآن , إلا أنها بالتأكيد سيكون لها صدى وتأثير في نفوس أبناء الطائفة على المدى المنظور , وخصوصا بعد أن وصل الثوار على أبواب معقل النظام في الساحل .