العلمانية تستهدف الحجاب بتونس من جديد
5 ذو القعدة 1436
د. زياد الشامي

قصة الحرب الشرسة التي ما تزال تشنها العلمانية الغربية والعربية على حجاب المرأة المسلمة قصة غريبة عجيبة , حيث إنها تتناقض مع أبسط ما ترفعه العلمانية من شعارات , ناهيك عن كونها تتجاوز حدود النطاق الديني و الاجتماعي إلى التسييس المتعمد .

 

 

 

 

أما ما يتعلق بمسألة تناقض هذه الحملة العلمانية الشرسة على الحجاب مع أبسط شعاراتها , ففي الوقت الذي تزعم فيه العلمانية أن من أقدس شعاراتها إطلاق الحرية الفردية وحمايتها , نراها لا تراعي ذلك في حرية المرأة في اختيار لباسها – ومنه الحجاب – ولو بعشر معشار ما تراعيه في نطاق إطلاق حرية المرأة في التعري .

 

 

 

 

من ناحية ثانية يزداد عجب المتابع لمحاولات العلمانية تسييس قضية الحجاب وإخراجها من نطاقها الحقيقي الإسلامي , إذ يحاول الإعلام العلماني ربط مسألة حجاب المرأة المسلمة بالتطرف تارة وبالإرهاب تارة أخرى .

 

 

 

 

 

وإذا كان المسلمون في الغرب يعانون من آثار هذه الحملة منذ عقود – وخصوصا بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001م – إذ إن التضييق على حرية المرأة المسلمة في ارتداء حجابها هناك لم يتوقف لحظة واحدة ....فإنها على كل حال معاناة متوقعة في بلاد تم فيها فصل الدين عن الحياة فصلا نهائيا , ولم يعد فيه مكانا للفضيلة والعفة , بل أضحت المادة والمتعة هي اللغة السائدة والرائجة . أما أن تخترق هذه الحملة الحدود لتصل إلى عقر ديار المسلمن , فإن معاناة المسلمين من آثارها السلبية ستكون بلا شك أشد وأفدح .

 

 

 

 

نعم ..... لقد صدّر الغرب إلى بلاد المسلمين رذائل العلمانية ومفاسدها , بينما حاربوا ما زعموا أنه عنوان العلمانية وشعارها الأبرز والأشهر "الديمقراطية" , الذي من خلاله سوقوا لهذا المذهب اللاديني وخدعوا به الكثير من المسلمين من قبل , وما دعم الغرب للانقلاب على الربيع العربي , ومباركته لعودة الدكتاتورية من جديد إلا شاهد على هذه الحقيقة .

 

 

 

 

ولعل من أهم أسباب ذلك مواصلة الحرب على الإسلام وثوابته , بعد أن أظهرت ثورات الربيع العربي وجهها الإسلامي , وكشفت رغبة الشعوب العربية في إعادة تحكيم الشريعة الإسلامية . وإذا كان الطعن والتشويه هو العنوان العام للحملة العلمانية الجديدة على الإسلام وثوابته , فإن العنوان الخاص لهذه الحملة هو المرأة المسلمة وحجابها , ذلك العنوان الذي لم يغب يوما عن خطاب العلمانية العربية ووسائل إعلامها منذ عقود .

 

 

 

 

 

وإذا كانت محاولات تغريب المرأة المسلمة تجري على قدم وساق في معظم الدول العربية منذ استقلالها عن المحتل الفرنسي والإنكليزي , فإن لهذه المحاولات خصوصية في تونس , حيث إن العلمانية هناك قد وصلت إلى مراحل متقدمة في حربها على الحجاب الإسلامي عبر أزلامها قبل اندلاع الثورة التونسية نهاية عام 2010م . ويكفي أن نتذكر قوانين الحبيب بورقيبة لمنع الحجاب في تونس , وعلى رأس تلك القوانين القانون رقم (108) عام 1981م , والذي حظر فيه على المرأة التونسية ارتداء الحجاب بدعوى أنه زي "طائفي" , مع العلم أن نسبة المسلمين في تونس 98% فقط !! ولم يكن عه

 

 

 

 

 

د زين العابدين بن علي - الذي تولى حكم تونس عام 1987م بعد أن انقلب على بورقيبة - بأحسن حالا من سابقه فيما يتعلق بالحرب على الحجاب , ويكفي أن نذكر أنه قبل اندلاع الثورة التونسية بسنة واحدة فقط , وتحديدا في شهر سبتمبر من عام 2009م , صدر قرار من الجامعات التونسية بوجوب توقيع الطالبات على أنهن لن يدخلن الجامعة إلا "برأس مكشوف" , أي أن أي غطاء على الرأس حتى لو كان قبعة أو منديلا ممنوع ومحظور !!

 

 

 

 

 

لم يرق للغرب – على ما يبدو - أن يرى حجاب المرأة يعود من جديد إلى الحياة في تونس عموما وإلى المؤسسات التربوية على وجه الخصوص , بعد هروب بن علي وقيادة حزب إسلامي للترويكا , فدعم انقلابا واضحا على التيار الإسلامي لإعادة العلمانية من جديد إلى سدة الحكم في تونس , لتبدأ حملة جديدة ضد الحجاب من خلال ظهور بوادرها في تصريحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في خطابه بمناسبة عيد المرأة يوم 13 أغسطس/آب بشأن حظر الحجاب في المدارس و رياض الأطفال .

 

 

 

 

وعلى الرغم من محاولة البعض التأكيد بأن هذه التصريحات تطال الفتيات الصغار السن في المدارس القرآنية فحسب , وأنه ليس هناك أي توجه للحكومة التونسية للتضييق على الحريات الدينية ...... إلا أن إغلاق الحكومة لكثير من المساجد مؤخرا بدعوى محاربة الإرهاب , وعزل كثير من الأئمة والخطباء بدعوى خطابهم غير الوسطي .....يثير كثيرا من المخاوف أن تكون هذه الخطوة ما هي إلا تمهيد لحرب علمانية جديدة ضد حجاب المرأة المسلمة في تونس .