الخيار السعودي لم يَعُدْ خياراً؟!
24 ذو القعدة 1436
منذر الأسعد

هل يمكن أن تسفر زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى واشنطن، عن تغيير حاسم في سياسات أوباما المتعلقة بمنطقتنا، وهي سياسات ترتدي طابع التردد لتخفي رؤية إستراتيجية معادية للعرب والمسلمين؟

 

 

 

الجواب الحاسم عن هذا السؤال صعب ومغامرة مبكرة،  فالذي يسارع في الإجابة بالنفي، يتجاهل أن الملك الذي رفض قبل أسابيع حضور اللقاء الخليجي / الأمريكي،  قرر قبول الدعوة الأمريكية، وهذا يعني أن الأمر ليس مجرد برتوكول.
ومن يتعجل في قول:نعم، يتناسى أن السياسات الحاسمة في الغرب، ليست قرار فرد حتى لو كان رئيس الولايات المتحدة، ذا الصلاحيات الواسعة في ظل نظام رئاسي .

 

 

 

 

بازار المبادرات
المريب في الوضع، أن واشنطن التي تعمدت إبقاء المأساة السورية حمام دم مفتوحاً زهاء أربع سنوات لفائدة الطاغية وخامنئي، أصبحت فجأة على عجلة من أمرها، لفرض تسوية سياسية تقوم على إعادة إنتاج النظام الطائفي المتوحش،  مع بعض التغييرات الديكورية في شكله وربما في بعض رموزه القتلة.

 

 

 

 

 

لذلك تناسلت " مبادرات التسوية السياسية" في سوريا،   فأصبحنا أمام أربع مبادرات:
1-مبادرة جنيف 1 الأمريكية / الروسية التي تقضي بعملية سياسية انتقالية تؤدي إلى تشكيل حكومة من نظام  بشار من دونه شخصياً ويشترك فيها أدعياء المعارضة المقبولون لدى العصابة الحاكمة بدرجات متفاوتة!
 2-مبادرة روسية تقضي ببناء جبهة فيها نظام الأسد وروسيا وأميركا ودول الخليج وتركيا وإيران ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي وقت لاحق عدلّت موسكو مبادرتها وحاولت الإيحاء بأن التعاون الأمني -السعودي خصوصاً- مع نظام الأسد يتم من دون الأسد،  لكن السعودية رفضت أي تعاون مع النظام في ظل بقاء رئيسه.

 

 

 

 

3- حتى الملالي الذين يحتلون سوريا فعلياً، وهم السند الأول لمجازر بشار المستمرة، دخلوا السوق  فطرحوا مبادرة سعت فيها إلى تكريس الانقسام السائد بين قوات الأسد والمعارضين،  يترافق ذلك مع وقف نار وإجراء انتخابات برعاية دولية للرئاسة في سورية على شرط عدم منع الأسد من الترشح،  وهي مبادرة رفضتها أنقرة ودول الخليج !! ولم يتخذ البيت الأبيض موقفاً صريحاً من هذه المهزلة.

 

 

 

 

3- المبادرة السعودية التي حملها وزير الخارجية عادل الجبير إلى موسكو،  وتقوم على القبول بمبادرة الكرميلن،  بشرط تنحي الأسد عن الحكم،  وهو ما رفضه الروس علناً،  بالرغم من ادعاء  المسؤولين الأمريكيين  أن الروس تخلوا عن بشار سراً،  و أنهم تتمتع أقاموا علاقات قوية مع بديلين عنه داخل النظام!

 

 

 

4- مسرحية دي مستورا التي أقرها بيان غير ملزم من مجلس الأمن، ولكن بإجماع أعضائه الخمسة عشر؟! وهي مليئة بالثقوب الفاقعة، ويكفيها دجلاً ومخاتلة أنها تحمل شعار العصابة الأسدية: مواجهة داعش أولاً!! وقد تحدثت مصادر  المعارضة السورية عن أن الرياض تعكف على التحضير لمؤتمر شامل وغير مسبوق لقوى الثورة والمعارضة السورية، لقطع الطريق على خطة المبعوث الأممي التي تكافئ السفّاح وتعاقب 23 مليون سوري!
فشعار:داعش أولاً لعبة أمريكية بالتنسيق مع خامنئي وبوتن

 

 

 

وهدف إعادة إنتاج بشار، وتوهم أوباما أنه يستطيع اتهام الرياض بأنها موافقة على هذه الخطة الخبيثة، لكن الرفض السعودي فضح لعبته. وربما كانت زيارة رجل المخابرات الأسدي علي مملوك إلى السعودية جزءاً من مؤامرة تقديم  الرياض في صورة الراضي ببقاء الطاغية..لكن دهاء السعوديين كان أكبر من المتربصين بهم،  فهم وضعوا هذا الاحتمال أولاً، وتصرفوا على أساسه، ولذلك أبلغوا حلفاءهم الخليجيين بالزيارة قبل إتمامها!! ففشلت المؤامرة التي أظن شخصياً أنها بإيعاز من أمريكا أو تل أبيب!

 

 

 

 

 

 

 

اليهود وراء الستار
إن أمريكا تلتقي مع بشار بذريعة محاربة داعش التي لولاه لما كانت، وتلتقي مع داعش ضد أردوغان  والمناطق الآمنة؟؟

وقد كشف  موقع "وللا" الصهيوني النقاب عن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يجري اتصالات مع روسيا بشأن الملف السوري،  مشيرا إلى أن الأمريكيين يميلون بشكل واضح إلى التوصل لحل للأزمة السورية يقوم على إبقاء بشار  رئيساً قهرياً لسوريا.
وقال المستشرق الصهيوني إيلي فوده:إن وقوع سوريا تحت هيمنة المحور الشيعي أفضل من وقوعها في قبضة الجماعات السنية.
وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" مؤخراً،  لفت فوده إلى أن الموقف الغربي مما يجري في سوريا يتعارض بشكل كلي مع موقف كل من السعودية وتركيا،  اللتين تفضلان إنهاء حكم الأسد بأي ثمن.

 

 

 

 

 

وفي السياق نفسه،  أكد رئيس الموساد الأسبق إفرايم هليفي،  أن الاتفاق بين إيران والدول العظمى جيد لأنه أفضى إلى التقاء مصالح بين إسرائيل والمحور الشيعي!
ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية عن هليفي قوله،  إنه على الرغم من تراث العداء المرير بين إسرائيل وإيران،  فإن كل المؤشرات تدلل على أن هذا الاتفاق يعزز من مواطن التقاء المصالح،  مشيرا إلى أن حلفاء إيران في سوريا يقاتلون الجماعات السنية المتشددة،  التي ستوجه سلاحها ضد إسرائيل بمجرد أن تفرغ من مهمة إسقاط نظام الأسد

 

 

 

 

 

فتش عن أوباما
لم يتغير الإخراج الأمريكي بعد، فواشنطن منذ انطلاق الثورة السورية، تداري تآمرها بالتلطي وراء الفجاجة الروسية،  مع أن اللعب بات مكشوفاً، وانحسر عدد المستعدين للانخداع بتمثيلية سخيفة كهذه..فأمريكا –لا روسيا- هي التي منعت بشراسة وصول أسلحة مضادة للطيران إلى أيدي الثوار،  بمن فيهم عملاؤها الستون الذين ارتضوا أن يقاتلوا معركتها، وألا يطلقوا رصاصة على مرتزقة نيرون العصر.
وأمريكا هي التي أجهضت الجبهة الجنوبية عن إسقاط درعا مؤخراً، بالتنسيق مع الأردن!! ومنعت إقامة منطقة آمنة في الشمال، بالرغم من الإلحاح التركي المستمر.

 

 

وأمريكا هي التي تراهن على إشغال الدول الثلاث الوحيدة، التي تناصر الشعب السوري: إشغال السعودية باليمن أطول مدة ممكنة، وإلى أعمق درجة متاحة-ولكن الله خيّب ظنون أوباما فسارت المعارك سيراً لا يحقق له أمنياته- وكذلك إشغال تركيا بالأكراد عملاء تل أبيب وواشنطن،  وإشغال قطر بمصر..

 

 

 

 

 

لذلك تضغط الرياض لكي لا يكون للطاغية بشار الأسد أي دور في المرحلة المقبلة، ونشطت دبلوماسيتها لإقناع الآخرين برؤيتها،  وهو ما يفسر تكرار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني فيليب هاموند   أنه لا مستقبل للأسد في أي حل سياسي مستقبلي لسوريا وأن رحيله “عبر عملية سياسية أو عبر هزيمة عسكرية هو تحصيل حاصل” .

 

 

 

 

فالسعودية هي الدولة الأكثر قدرة  إقليمياً ودولياً،  على تنظيم مؤتمر للمعارضة الجادة،  بسبب تأييدها الثابت للثورة السورية،  وعلاقاتها الجيدة مع معظم فصائل ومكونات المعارضة.
فإذا نجحت في بناء خريطة طريق انتقالية متوازنة،  وفق مؤتمر جنيف1”،  فإنها  توجه رسالة عملية قوية إلى اللاعبين الكبار،  وخاصة أميركا ،  مفادها أنَّ معظم فصائل المعارضة على خط واحد.
ولعل هذه المساعي الهادئة تفسر حرص  المبعوث الأميركي الخاص الجديد لسوريا مايكل راتني زيارة على موسكو والرياض وجنيف  لإجراء مباحثات حول الملف السوري.ربما لمحاولة عرقلة الخطة السعودية، وربما للتفاوض مع الرياض، إذا استشعر الأمريكيون أن حظوظ خطتها في النجاح قوية.
***

 

 

 

 

لكل ما سلف، لم يعد الخيار السعودي خياراً وإنما أصبح ضرورة للرياض وموقعها الريادي ومصالحها العليا في مواجهة مؤامرة كبرى تستهدف تطويقها وإضعافها أولاً.