اتجاهات ما بعد تفجيرات ضاحية بيروت
2 صفر 1437
أمير سعيد

حينما اختفت تفجيرات السيارات المفخخة قبل أربع سنوات في لبنان، بدا بوضوح الدور الذي كانت تقوم به الاستخبارات السورية في تركيع القوى المناوئة لها في لبنان، ثم انشغلت عنه بالداخل السوري.

 

 

 

وعندما عادت تفجيرات يقوم بها أشخاص انغماسيون تستهدف المصالح الإيرانية والسورية منذ التاسع من يوليو بالعام 2013 وتكررت، عُزي هذا إلى عدوان "حزب الله" في القصير وبابا عمرو على السوريين، وارتكابه مجازر في القرى والبلدات المحيطة بالحدود اللبنانية السورية، وتدخله من ثَم في العديد من المناطق السورية ضد فصائل الثورة..

 

 

 

النظام السوري وميليشات حسن عبد الكريم (نصر الله) تبقى مسؤولة على أية حال بعدوانها المباشر أو عن ردات الفعل ضدهما، والحال لا يختلف كثيراً حالما استأنفت أصوات التفجيرات فرقعتها في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية التي تقطنها الطائفة الشيعية، وتعد معقلاً رئيساً لها، مع تفجيرات برج البراجنة التي أوقعت أكثر من أربعين قتيلاً ونحو مائتين وأربعين جريحاً في صفوف أبناء الطائفة، والتي أنحي فيها بالمسؤولية على تنظيم الدولة.

 

 

 

ما يعني الأكثرية الآن ليس حدود مسؤولية هذا الطرف أو ذاك لاسيما في بلد يعاني من اختراقات استخبارية عديدة، وإنما فيما ستؤول إليه الأمور استغلالا لسقوط هذا العدد ما بين قتلى وجرحى؛ فانفجارات برج البراجنة قد تخدم هذا التنظيم بالفعل انطلاقاً إلى تأكيدها على كونه لاعباً مؤثراً من وراء الحدود وقادراً على إلحاق الضرر بالجميع في حال ما إذا تجاوزت القوى الأخرى حدودها معه، واقتربت أكثر من الرقة السورية أو الأنبار العراقية، لكنها من جهة أخرى تضره وتساهم في تصفيته إذا ما تمكنت إلى جوار عمليات باريس وشرم الشيخ من تجييش قوى دولية ضده على نحو يتجاوز حد "المزاح العسكري" الذي مورس بشكل أو بآخر معه في عدة مناطق لم تبد فيها أعمال استهدافه جادة على نحو واضح سواء من الولايات المتحدة وحلفائها أو روسيا ومحورها.

 

 

 

ومهما يكن من أمر التنظيم، ومن يقف وراءه أو حتى لا يقف؛ فإن عمليات برج البراجنة تمثل تحفيزاً لاستهدافه بشكل أكبر بكثير مما هو الآن بالنسبة للقوى الدولية، وفي مقابل ذلك تمنحه مكانة أكبر في المعادلة، وهما عاملان متضادان، سيرى ما سيرجح فيهما في قادم الأيام.

 

 

 

أما "حزب الله" فإن مثل هذه التفجيرات يمكنه الإفادة منها حين يسوق لأتباعه حاجة الحزب لإرسال مزيد من أبناء الضاحية لحتوفهم في سوريا دفاعاً عن بيوتهم في بيروت، مع أنها تجسد ضعفاً في حماية معقله بعد سنوات من القتال بالخارج السوري تحت ذريعة حماية الضاحية والجنوب اللبناني من "عدوان التكفيريين" عليه! وكلا الأمرين أيضاً متضادان، ويغلب منهما ما يقصده الطرف الفاعل تحديداً.

 

 

 

الأهم هو مدى إفادة النظام السوري والميليشيات المساندة له من تسويق فكرة "الإرهاب" كجُنة واقية للنظام عن التغيير بحجة مكافحة هذا الخطر "الداهم"، لاسيما إذا ما وُضعت عمليات شرم الشيخ وباريس وبيروت على خط مستقيم يقود إلى الخلوص إلى وهم "جحيم بشار ولا جنة الإرهاب"! خصوصاً أنها جميعها قد وقعت قبل أيام من اجتماع فيينا الذي تتفق فيه روسيا والدول الغربية على ضرورة بقاء نظام بشار العسكري الفاشي مع اختلاف طفيف حول مدة بقاء بشار في الحكم.

 

 

 

طرفان مستضعفان يرقبان نتائج تفجيرات برج البراجنة، هما اللاجئون السوريون الذين قد يجتمع عليهم برد الشتاء مع حرارة الانتقام الطائفي بعد شحن إعلامي يحملهم مسؤولية وقوع تلك التفجيرات، ويتهمهم بإيواء "إرهابيين"، ويزيد من الاحتقان ضدهم، واللاجئون الفلسطينيون الذين قيل إن انغماسيين فلسطينيين من مخيم برج البراجنة الفلسطيني المتاخم لمسرح الأحداث قد فجرا نفسيهما في تلك العملية، وهو ما دفع قوى فلسطينية لمحاولة احتواء التحشيد ضدهم في الضاحية، والذي بدا أنه متسارع مع خلفية أيديولوجية كارهة لكل ما هو فلسطيني لدى الطائفة الشيعية.

 

 

 

ربما التفسيرات متباينة في اتجاهات الأحداث بعد التفجيرات، لكن في اعتقادي؛ فإن ما واجهه "حزب الله" من تمرد نسبي في الضاحية مع ازدياد وتيرة وصول صناديق الجثث إليه من جبهات سوريا، كان بحاجة لطوق نجاة يمكنه أن يتعلق به مروجاً لفكرة أن "قتال الخارج هو بالأساس دفاع عن الداخل"، بأكثر مما يؤلمه شعوره بالعجز عن حماية معقله، وليس بالضرورة هذا ما يقصده تنظيم الدولة، لكنني أتحدث هنا عن النتائج لا النوايا. كذا؛ فإن حدوث عمليات قتل في بيروت وباريس قبل حلول الرئيس الإيراني ضيفاً على الأخيرة وقبل ساعات وأيام من اجتماع فيينا، يفيد فكرة "الحل السياسي" من منظور إيراني/روسي أكثر مما يعزز فكرة الإطاحة العسكرية بنظام بشار الأسد.. أيضاً، لا يعني هذا توجيه الاتهام لهذه الأطراف بالضرورة، لكنها تبقى في دائرة الإفادة الجيدة من عمليات كهذه في تحقيق أجندتها الإجرامية بحق شعوب المنطقة.