20 جمادى الثانية 1437

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا أختكم في الله، عمري 34 عام، وقد تعرفت على رجل من بلدي، وهو مسلم وأخصائي نفسي، وكان سندي في ظروف عائلية ومحنة خاصة، فصرنا أصدقاء وأحببته كأخ وصديق، إلا أنني بدأت أشعر بميل إليه وانجذاب عاطفي، مع أنني لا أراه ولا أسمع صوته، وليس بيننا إلا رسائل قصيرة عبر الإنترنت، وهو رجل متزوج وزوجته لا تستطيع الإنجاب، وفي مرة كان يحدثني عن الأطفال، فسألته: لماذا لا تتزوج بزوجة ثانية؟، فأجابني: أنه لا يرغب في الانفصال عن زوجته الأولى، لأنها مريضة ولا يحب أن يؤذيها إن فعل، فاقترحت عليه أن يتزوج مرة أخرى دون أن يطلق زوجته الأولى، فسألني حينها: إن تقدم إلي هل سأقبل به في مثل ظروفه؟، فسرَّني ذلك وأجبته بالموافقة، وأخبرته أنه يسعدني الارتباط به، وقد يكرمنا الله بالأطفال، بعدها مرضت زوجته جدا، ولم يقدر أن يفاتحها في الموضوع، لا سيما أنها قد تشرف في وضعها الصحي على الموت، واستمرت علاقتنا وصرنا نتكلم عبر الهاتف، ونخطئ في كل مرة ونبتعد، ونستغفر الله ثم نعود، والآن أنا حائرة ولا أدري ماذا علي فعله، وأخشى إن استمرت علاقتنا معا دون زواج أن نقع في الحرام، وفي الوقت نفسه لا أقدر أن أبتعد عنه، فماذا أفعل؟؟ وجزاكم الله خيرا..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله
أما بعد:
أشكر لك أختي الكريمة ثقتك في إخوانك من مستشاري موقع المسلم، وأسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب، ويجري الحق على ألسنتنا، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه..
أما بخصوص مشكلتك، فهي لا تختلف عن تلك المشاكل التي تتعرض لها الفتيات وأبناء هذه الأمة، نتيجة الاختلاط بين الجنسين، ونتيجة التواصل خارج العلاقة الزوجية، وعدم الانضِباط بضوابط الشرع التي تنظِّم تلك العلاقة، وتحُدُّ من تفشِّي مظاهر الفساد الأخلاقي والدِّيني، وتجعل لها سِياجًا يحافظ على العِرض والشرف، وعلى أصولِ الدين والهُوِيَّة والعادات الموافقة لأحكام الشريعة..
وموطِن الدَّاء - أختي الكريمة – فيما تعانين منه، أصله داء الاختلاط، الذي سمَح بالتواصل مع رجل غريب عنك، في الوقت الذي كان عليك أن لا تتجاوز علاقتك به حدود وظيفته كأخصائي نفسي، قد لجأت إليه في ظروف خاصة لمساعدتك وحَلِّ مشكلتك الأسرية، إلا أنك كسرت تلك الحواجز التي تفصِل بينكما، ووطَّدت علاقتك به عبر رسائل الإنترنت، علما أن هذه الرسائل صارت في وقتنا الحاضر، تؤدي وظيفة التواصل عبر الهاتف، وتحقق الغاية نفسها في تقريب المسافة بين الجنسين، وتوثيق العلاقة العاطفية بينهما خارج إطار الزواج المشروع..
أما كونك اعتبرته في البداية أخا وصديقا، فهذا المعنى لا يجيزه ديننا الحنيف، ولا يعترف بما يسمى بالصداقة البريئة، أو الأخوة بين الرجل والمرأة، بل هي من معتقدات المجتمعات الغربية، المناسِبة لثقافتهم المتحَرِّرة من كل قيد وضابط وسِياج، وهي ذريعة ومطِيَّة لارتكاب الأخطاء تلو الأخطاء، واتِّباع خطوات الشيطان، والانجذاب إلى الأهواء والرغبات السَّاقطة، وهو مسلكٌ شنيع من مسالك الضَّلالة، يؤدِّي بأهله إلى انتهاك الأعراض وارتكاب المحرمات، والزَّيغ عن طريق الهداية، والانْحِراف عن الاستقامة، والصَّد عن تحرِّي الحلال الطيِّب، وهو سبيلٌ من سبُل اسْتِمالة النفس، وإغرائها لتُقْبِل على الملذات، وتنغمس في الفواحش والمنكرات، وصدق الله سبحانه حين قال في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}..
ومن الخطوات العملية اللازمة لحلِّ مشكلتك ما يلي:
أولا: وظِّفي حكمتك ورجاحة عقلك في تنظيم علاقتك بهذا الرجل، في إطار يحافظ على كرامتك فأنت المرأة المسلمة الشريفة العفيفة، التي تعرف ما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، فتلْزَم حدود الشَّرع وتتقيَّد بأحكامه..
ثانيا: عليك أن تنفصلي عن هذا الرجل، وتقْطعي كل الأسباب التي تربطك به بروابط محرَّمة، لأنَّه لا يجوزُ لك شرعا تبرير أو تسْويغ عاطفة الحب التي تجمع بينكما، فهي ليست من مَوْرِدِها الطيِّب ولا من مشْربِها العَذْب، وقد تفضي إلى الوقوع في المحرَّمات، والتَّساهل في ارتكاب الخطأ تلو الخطأ، كما أن تجاذُب أطراف الحديث بينكما عبر الهاتف، أو عبر أية وسيلة مشابهة هي سبب في تأجيج الانْجِذاب العاطفي بينكما وإشعال فتيل الشَّهوة، ولا خلاص لك من كل هذا العذاب إلا باتخاذ قرار الابتعاد، حتى وإن تجرعت غٌصَص الآلام ووجدت تعبا ومشقة شديدة، إلا أنها ستكون أهون بكثير من الاستمرار في علاقة ليس من ورائها إلا الأذى، وثقي أن الله سيجعل لك بعد الضيق مخرجا، وسيعوِّضك خيرا من هذا الرجل، ما دمت قد اخترت طريق الحلال إِرضاء لله ورسوله..
ثالثا: عليك أن تكوني سببا من أسباب نشر الخير، لا سببا من أسباب نشر الشُّرور والفتن، فاجتهدي في الحفاظ على تلك العلاقة الجميلة التي تربط هذا الرجل بزوجته، وتدعوه لأداء ما عليه من واجبات تِّجاهها، وعدم الإخلال بحقوق رعايتها، والحِرْص على السَّهَر على راحتها، خاصَّة أنها تعاني من ظروف صحية شديدة، وهي بذلك أحق منك بتلك العواطف والمشاعر الجياشة، لأنها في رحِمِها الطبيعي ومحيطها الشرعي، وهي أحوج منك إلى ذاك الحب الذي يؤلف بين قلب الزوج وزوجه، ويجمع بينهما بصِلات المودة والرحمة والسكن، والميثاق الغليظ الذي يدعوه خلال هذه المرحلة للوفاء لنداء الواجب، وعدم التقصير بمساندتها، والسَّهَر على رعايتها وراحتها، والقيام بشؤونها، حتى تبرَأ وتشفى بإذن الله، أما وجوده معك فليس في إطاره الصحيح، ومصيره أن يفضي بكما إلى الوقوع في الحرام أو ارتكاب المحظور..
رابعا: تذكَّري أن اتِّباع خطوات الشيطان تجُرُّ وراءها خطوات لا تنتهي، كأنها شباك العنكبوت وخيوط توقِع صيدها في شَرَكه، فلا تستسلمي لحديث النفس فإن له شجون وصوت ساحرٌ، يسلب العبد من إرادته القوية، حتى يصدَّه عن سلوك الطريق الوارية، والخضوع لكلِّ ما تعشقه النفس وتهواه، ولما يرضي رغباتها الجامحة، في غير حرصٍ على تحرِّي الصَّواب، أو الالتزام بحياض الحلال، والانتصار للحق، والاحتكام لميزان العدل والإنصاف، لأن اتِّباع الهوى يضِلُّ صاحبه فينحرف عن فطرته النقية، وإذا تدبَّرت في هذه الآيات العظيمة، ستجِدي فيها بصائر تنير طريقك، وتزيح عن صدرك تلك الأقفال الصَّدِئَة، وتشرق بصيرتك بنور الإيمان، قال تعالى في سورة ص: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}، وقال تعالى في سورة القصص: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وفي سورة النساء: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"..
خامسا: إن صمَّام الأمان في سَدِّ الذَّرائع، وإغلاقِ أبواب الاختلاط المؤِّدِّية إلى الوقوع في الفواحش والرَّذائل، وحماية العلاقة بين الجنسين بالسِّياج الرَّباني، والانضباط بضوابط إحكام النفس، وإلجامها بلجام العفَّة والتقوى، لصَرْفِها عن الإقبال على الشهوات، وصَوْنِها بحجاب السَّتر والعِفَّة حتى لا تَنْساق خلف سُعار الغرائز والأهواء، فالتقوى شرف النفس، وحِمْية الجوارح لتستقيم على الحلال، وتُعْرِض عن المكروهات والمحرمات، والفواحش والآثام، وتلتزِم الحذر والحرص، ويكفيك النَّظَر في قوله صلى الله عليه وسلم، وسيُجْلي عن قلبك كل الشكوك: "الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّن، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَام، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيه، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُه" متفق عليه.
سادسا: وثِّقي علاقتك بالله بميثاق الطَّاعة والخضوع لما يرضيه، وتجنُّب كل ما يغضبه، فالعلاقات الآمنة هي التي تتجنَّب اتِّباع الشُّبه والمحرمات، وهي التي تبني وتؤسِس أركان البيوت المطمئنة وتقيم قواعدها ولا تسعى لخرابها وشتاتها..
وختاما..
اعْلمي ــ أختي الكريمة ــ أنَّ المرأة المسلمة المؤمنة هي التي تعِفُّ نفسها عن الوقوع في مواطِن الشُّبهات والمحرَّمات، وتنصرف عن مراتِع الزَّلل والرَّذيلة، وتنقاد لنصوص الكتاب والسنة، وتحصِّن جوارحها بالخضوع لرقابة الله وخشيته في السِّر والعلن، وتضبط الرغبات والحريات بحدود الشرع والدين، والمحافظة على الأخلاق والقيم، وصَدِّ النفس عن فتن الاختلاط وإقفال أبوابه المشرَّعة..
فأسأل الله العلي القدير بمَنِّه وكرمِه أن يرزقك الزوج الصالح الذي يعِفُّك ويصرفك عن الحرام، ويهديك سبل السلام والصلاح والاستقامة على الحق..