مؤتمر "النص الشرعي"...خطوة لنبذ التعصب
26 صفر 1438
تقرير إخباري - محمد الشاعر

لعل من أهم ما تعانيه الأمة الإسلامية في عصرها الحديث إعجاب كل ذي رأي برأيه , وتعصب كل مجموعة أو حزب أو جماعة لرأيها رغم كونه بعيدا كل البعد عن حقيقة ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم , والذي أدى بدوره لحالة الفرقة والتشرذم الذي تعاني منه الأمة منذ عقود , بل ربما تجاوز الأمر مسألة الفرقة إلى إقصاء بعض الأمة لبعضها الآخر وتكفير آخرين منهم لمسلمين موحدين , ومن ثَمّ استحلال الدم والمال الذي حرمه الله تعالى إلا بحقه , ولعل ما حدث في مؤتمر "غروزني" في الشيشان مؤخرا خير شاهد على نهج الإقصاء الذي يتبعه البعض .

 

 

والحقيقة أن السبب الأبرز لهذه الحالة التي تشهدها الساحة الإسلامية هو الابتعاد عن التمسك بالنص الشرعي متمثلا بكتاب الله وصحيح سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم , وعدم الالتزام بوصية الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم { إنّي قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتى ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض } المستدرك للحاكم برقم/92

 

 

ونظرا لكون بلاد الحرمين هي رائدة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح , حيث الالتزام بذلك النهج على المستويين الحكومي والشعبي , والأشد مناهضة ومحاربة للبدع ومحدثات الأمور على المستوى العقدي والتشريعي ....فإنه من الطبيعي أن تنطلق المؤتمرات والندوات والاجتماعات التي تحض على التمسك بالنص الشرعي من رحاب مدنها و قاعات جامعاتها .

 

 

وضمن هذا الإطار يمكن قراءة فعاليات مؤتمر "النص الشرعي.. القضايا والمنهج" الذي انعقد يومي الأربعاء والخميس (23- 24صفر 1438هـ الموافق 23- 24نوفمبر2016م ) في منطقة القصيم بالمملكة , والذي يهدف – كما يشير عنوانه وكما أكد المشاركون فيه - إلى ترسيخ مبدأ الإتباع بدلاً من التقليد تجنباً للتعصب , وذلك لحماية الأمة من التطرف والفكر الضال المنحرف .

 

 

والحقيقة أن الإشارة لعدد المشاركين وكثرة الأبحاث التي قُدمت للمؤتمر كفيلة بإعطاء صورة مشرقة عن مدى الاهتمام به , فقد قُدِّم للمؤتمر أكثر من (120) مائة وعشرين بحثا ، اجتاز التحكيم منها (59) تسعة وخمسون بحثا، عقد لها (8) ثمانُ جلساتٍ علمية، تناولت ستة محاور هي : النص الشرعي المفهوم والحجية ؛ و تعظيم النص في الكتاب والسنة وعند السلف؛ و جدلية العلاقة بين النص وفهمه ؛ و المؤثرات في الموقف من النص الشرعي؛ و قواعد وضوابط العمل بالنص الشرعي، و المناهج المخالفة في التعامل مع النص الشرعي.

 

 

وقد حظي المؤتمر على المستوى الحكومي بدعم واضح , فقد رعى أمير منطقة القصيم د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز المؤتمر ، حيث ألقى كلمة أشار فيها إلى أنَّ المؤتمر يَدُلُّ على اهتمام الجامعة بالحِفَاظِ على الدِّين وثوابته التي تمثل دستور المملكة، مؤكداً أن قوة المملكة واستقرارها يعود إلى تمسكها بكتاب الله وسنة رسوله والشريعة الغراء؛ ومشدِّدًا على ضرورة أن تشمل التوصيات والنتائج على ما يزيل الفرقة والتشتت عن الأمة الإسلامية، وسبل مواجهة تسلط الأعداء الذي جاء بعد أن أهملت الأمة مصدر قوتها وعزتها المتمثلة في الشريعة الغراء.

 

 

من جهة أخرى أكد عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم و"رئيس المؤتمر" د. وليد الحسين على أهمية المؤتمر كونه يتناول النص الشرعي بما له من مكانةً عظيمةً في الشريعة، وخصوصيةٍ لا تتأتى لغيره، فهو مصدرُ التشريع، وإليه يَحتكِم المختلفون , مشيرا إلى تقلبات العصر التي أحدثت بعض الاضطرابٌ والخللٌ في فهم النصوص الشرعية وتَعدُّدِ أَوجهِ قراءاتِه، حتى أٌقحمَ على النُّصوصِ كثيرٌ مِن الشبهات -لا سيما عند فئة الشباب .

 

 

كانت أولى جلسات المؤتمر بعنوان (النص الشرعي، المفهوم والحجية) , حيث تمت مناقشة طرق ضبط قراءة النص الشرعي بما يتوافق مع مفهومه، ومعالم التمسك بالنص الشرعي عند الحنفية وغيرهم ، كما تناولت الجلسة النص الشرعي التعليمي وطرق معرفته وحجيته، ، وكان من أهم التوصيات التي خرجت بها التوسع في دراسة النص الشرعي واستخراج ضوابط للنص الشرعي التعليمي بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.

 

 

وفي جلسة ثانية حملت عنوان (النص الشرعي، موجبات التعظيم وإشكاليات التأويل) ناقش الباحثون فيها دور المؤسسات العلمية والهيئات العامة في تعظيم النص الشرعي، وما يدعم ذلك من أقوال ومواقف السلف الصالح، وأهم معالم تعظيم النص الشرعي والاجتهاد فيه عند الأصوليين , وكانت أهم التوصيات حول وجوب العناية بتدريس النص الشرعي للتخفيف من حدة الخلاف والتعصب، وعقد الدورات التدريبية المتخصصة للطلاب، وكذلك تأسيس جمعيات علمية تهتم بالنص الشرعي، والرد على الشبهات وإقامة المسابقات العلمية في هذا المجال.

 

 

وإذا كانت قوة المؤتمر ومدى أهميته تترجمها التوصيات الختامية , فقد خرج المؤتمر بجملة من التوصيات تؤكد مستوى النجاح الذي حققه من أهمها:

 

1- ضرورةُ إظهارِ وتأصيلِ الفهمِ الصحيحِ للنصوصِ الشرعية على ما جاءَ عن السلفِ الصالح , وما يؤسِّسُهُ من منهجِ الاعتدالِ والتوسطِ ويُسرِ الشريعةِ وسماحتِها، وذمِّ الغلوِّ والتطرفِ الناشئِ عن الانحرافِ في فهم النص الشرعي.

 

2- التأكيدُ على مسؤوليةِ علماءِ الأمة في كشفِ زللِ الفهم المتطرفِ للنصِّ الشرعي، وما يؤَثِّرهُ من اختزالِ النصوصِ وحملِها على غيرِ مرادِ الشارع، وتركِ محكمات الشريعةِ إلى فهومٍ باطلةٍ تؤدي إلى الزيغِ والضلالِ.

 

3- العملُ على تعزيز البناءِ الرّوحي والثّقةِ بالنّفس لدى الفرد المسلم، وضرورةُ تبنّي برامجَ علميّةٍ دعويّةٍ ثقافيّةٍ توعويّةٍ لتنشئة الأجيال على حبّ الكتاب والسُّنّة وتعظيمِهما.

 

4- الاعتمادُ على مصادرِ الاستدلالِ المعتبرةِ عند العلماء المحقّقين في فهم النّص، دون إخلالٍ بظروف العصر وتحوّلاتِه، ومراعاةُ المرحليةِ والتّدرُّجِ والتّدافع.

 

5- ضرورةُ ضبطِ المفاهيمِ والمصطلحاتِ وفقَ منهجٍ علميٍ صحيح، لئلا تُستغل المفاهيمُ والمصطلحاتُ غيرُ الصحيحةِ في تضليلِ الأفكارِ وتحريفِ الفهمِ للنصوص الشرعية.

 

6- العملُ على إنشاء خُطّةٍ تهدف إلى بناء وتكوينِ العلماء المجتهدين.

 

7- أهميةُ وضعِ برامجَ دراسيةٍ في المناهج التعليمية للمدارس والجامعات تتضمنُ تعظيمَ النّص الشرعي وأخلاقياتِ التعاملِ معه، وبيانَ خطورة التعدّي عليه.

 

8- تكثيفُ الجهودِ العلميةِ من قبل المؤسسات الحكوميةِ والخيريةِ والإعلاميةِ في إبراز مواكبة النصّ الشرعي للعصر وتحدياتِه.

 

 

وتبقى مسألة ترجمة هذه التوصيات إلى أفعال وممارسات فعلية على أرض الواقع , وتلمس آثار ذلك على جميع المستويات ....هو المقياس الأهم لمدى نجاح هذه المؤتمر بحق .