تقنين الحشد.. شرعنة أمريكية لمذابح إيران بالعراق
3 ربيع الأول 1438
طلعت رميح

يفهم الناس جيدا الآن، لما تشكل برلمان الاحتلال باكرا، ولم أنفقوا وينفقون بل يغدقون العطايا للمنتمين له من أموال الشعب العراقي.

 

 

فبعيدا عن مسرحية الخلافات والإقالات والاستقالات التي يشهدها المجلس بين حين وآخر لإلهاء الناس، فالأصل أنهم يحاولون الايهام بأن القوانين والتشريعات تصدر من جهة منتخبة من الشعب.

 

 

ولو لم يشكلوا ويشيدوا هذا المسرح السياسي العبثي جوهرا والكوميدي شكلا، لكانت قرارات الاحتلال ومصالح الدولة الطائفية عارية من كل غطاء، وتلك ألاعيب الأمريكان عند احتلال كل دولة؛ إذ يغطون على جرائمهم عبر انتداب من يقبل التعاون معهم من المتحدثين بلغة أبناء الوطن المحتل، ليقوموا بدور الكومبارس، أو ليكونوا قطعة قماش تلتصق بها قاذورات الاحتلال، وبين حين وآخر يجري استبدالهم ليأتوا بغيرهم.

 

 

 بل تلك هي الرؤية والخطة الأمريكية الدائمة في خداع الرأي العام، إذ يحدثون الناس- في الإعلام - بلسان الحرية والديموقراطية، فيما بلادهم هي الأعلى في سجل احتلال الدول وأعمال القتل والإبادة للشعوب في التاريخ الإنساني كله، وفي ذلك تبدو تجربة العراق الشاهد الكبير على جرائمهم، وليس فقط جرائم القصف بالنووي لهيروشيما ونجازاكي في اليابان أو الحرب البيولوجية والكيماوية في كوريا وفيتنام وكمبوديا .. الخ.

 

 

فأينما جرى احتلال أمريكي تجد صورة الديموقراطية الممسوخة، مترافقة مع شلالات الدم والدمار والابادة والوحشية.

 

 

لقد أقر برلمان سلطة احتلال العراق، ما سُمي بقانون الحشد على طريقة الإقرار للسارق بما سرق، أو وفق منهجية تبرئة القاتل عبر اصدار قانون يقنن جريمته – قل جرائمه التي طافت كل أنحاء العراق - بأثر رجعي، لتغيير الصورة أو قلبها لامتصاص الغضب والسخط الشعبي على ما يجري من جرائم.

 

 

أصبحنا أمام مفارقة غير مسبوقة؛ إذ سبق تشكيل الحشد وارتكابه جرائمه صدور قانون ينظم ويحدد وضعيته ومكانته، فانفضح البرلمان مجددا، ولم يعد للجالسين في أروقته عنوانا للبقاء والقيام بالدور الكومباس وقطعة القماش، إلا التعاون الصريح مع المحتل، والقبول بأداء دور التغطية على المجرمين، بلا مواربة.. الخ.

 

 

لقد كانت ملامح المشهد واضحة منذ زمن بعيد، وقل منذ أول تحركات جرت، وترتيبات ظهرت لغزو واحتلال العراق، هي حالة تدمير شامل وليست حرب احتلال وسيطرة على الثروات والموقع فقط.

 

 

ومثل هذا النمط من التدمير الحضاري الشامل لا يجري إلا بأوسع عمليات تدمير العلاقات المجتمعية وصناعة مخططه لتفكيك الولاءات ودفع المواطنين للاقتتال على الهويات الطائفية والجهوية مع فتح الطريق أمام قابلي التعاون مع المحتل للتقاتل على مغانم خراب بلادهم.

 

 

كان الخط الصاعد لعملية تشكيل سلطة الاحتلال، هو خط بناء المؤسسات الشكلية او الورقية، التي لا وظيفة جوهرية لها إلا تصعيد الاقتتال الأهلي واطلاق حالات حرب تدمير الذات الوطنية، وهو ما لم يكن ليجري إلا بالسير في خط تعميق الوجود والدور الإيراني في داخل العراق، إذ الوجود والدور الايراني هو خط التنمية المستدامة للاحتلال والتكثيف الدائم لأعمال التفكيك والاقتتال بحكم الطبيعة الاستعمارية لإيران فكريا وطائفيا ومصلحيا ..الخ، وهنا تتجلى حالة إصدار قانون الحشد.

 

 

لقد بدأت تشكيلات سلطة الاحتلال - بعد الاجهاز على سلطات الدولة- بتشكيل أغلفة ورقية بنيت جميعها على التفكيك الوطني من سلطة الحكم الدوارة بين المتعاونين مع الاحتلال إلى البرلمان المبني على التفكيك المجتمعي إلى السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء والمؤسسات) الضامنة لإنفاذ التفكيك والاحتراب، ومعها وفي خط مواز جرى توسيع درجة التدخل والنفوذ والاحتلال الإيراني – عبر كافة الأجهزة الإيرانية من المخابرات إلى الحرس الثوري إلى فيلق القدس- ليحدث التخادم بين مؤسسات الحكم – السياسية والتنفيذية - الطائفية المزيفة والدور الخارجي الإيراني الفاعل.

 

 

والآن تحدث النقلة الأخطر بإقرار قانون الحشد الطائفي، لشرعنة القتل والإبادة الذي تمارسه إيران في العراق، القانون هو الهدية أو الإقرار الأمريكي لإيران بالقتل والإبادة لتحقيق أهدافها دون عقاب دولي أو إقليمي أو عربي أو عراقي، ولعلنا نقول إن الخشية الإيرانية المتصاعدة من تأثير الرفض والاستنكار والادانة المتنامية من الشعب العراقي – والعالم - لما يرتكب الحشد من جرائم، قد جعلها تطلب من الولايات المتحدة إصدار مثل هذا القانون عبر عملاء الاحتلال في البرلمان، وإذ قام البرلمان بشرعنة كل جرائم الاحتلال الأمريكي، فقد طلبت إيران معاملتها معاملة المحتل الرسمي هي الأخرى.

 

 

قانون الحشد لم يصدر إلا برضى وموافقة أمريكية وبهدف شرعنة جرائم القتل والابادة الإيرانية لشعب العراق، وقانون الحشد جرى إقراره لتعميق الاحتلال الإيراني وشرعنته، وبذلك أصبح للاحتلال عنوانين للقتل والإبادة، أحدهما الجيش الطائفي الأقرب إلى سيطرة الاحتلال الأمريكي، والثاني هو الحشد الذي ليس إلا جهازا عسكريا ايرانيا على أرض العراق، وقادته يصرحون بذلك علنا وجهارا ليل نهار، وفي القانون ما يشير لذلك، فالمادة الأولى منه تؤكد على تحوط إيراني من قيام الأمريكان بأية عملية تغيير تحول الاحتلال الثنائي إلى احتلال أمريكي منفرد.

 

 

حمل القانون في مادته الأولى كلمات تشير إلى تبعية الحشد لرئيس السلطة التنفيذية، دون نص يفيد قيادته له ولا سيطرته عليه، قالت المادة الأولى إن الحشد "يرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة" دون نص على خضوع الحشد لقيادة القائد العام، ليضمن الإيرانيون بقاء الحشد تحت سيطرتهم هم، لا غيرهم.

 

 

والأصل في كل ذلك، هو أن إقرار قانون الحشد يشكل خطوة جديدة ضمن الحركة الاستراتيجية للاحتلال لمنع تشكل دولة وطنية عراقية، عبر اضافة مزيد من الفعالية الإجرامية لسلطة الاحتلال ضد الحركة الوطنية العراقية المتنامية، وتلك هي نقطة التقاء الاحتلالين الإيراني والأمريكي على أرض العراق.

 

 

الآن أصبح لكليهما كيانه العسكري العدواني والإجرامي، لتفعيل المواجهة عبر ارتكاب الجرائم بطريقة مخططة ومبرمجة أكثر، لمواجهة تنامي الرفض والمقاومة لوجود الاحتلال.

 

 

المصدر/ الهيئة نت