في عاصمة النور المزعوم: نبذ المخالف ولو كان يهودياً!
21 ربيع الثاني 1438
منذر الأسعد

لم يُخْفِ إدوي بلينيل المدير السابق لجريدة لوموند ومدير موقع ميديا بارت، غضبه بعد إلغاء حفل كان مقرراً إقامته في قصر بوربون في فرنسا، حيث كان من المفترض تكريم المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، ومنحه ميدالية من قبل الجمعية الوطنية بفرنسا.

 

إذ قال في تغريدة على تويتر: “هذه انتكاسة فرنسية مشينة!”، كما قام بنشر مقال من مجلة Philosophie، كتب فيه أن المفكر المثير للجدل نعوم تشومسكي تم “إقصاؤه” من قبل الجمعية الوطنية.

 

فيما نشرت المجلة نسخةً من البريد الإلكتروني، موقَّعة من قبل مدير المجلة فلوران مونتكلير، التي أخبرت فيها جمعية المجتمع الدولي للفلسفة -التي يمثلها المفكر الأميركي بلينيل- بأنها لا يمكنها تسليم أي ميدالية له في مقر قصر بوربون، كما كان مقرراً يوم الأربعاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وكتب مدير المجلة الأكاديمي: “لا أعرف الآن أين يمكنني منح نعوم تشومسكي الميدالية، ولا أمَام من، فلو كانت الجمعية أبلغتني في وقتٍ سابق، لكنت تدبرت أمري”، إذ طُلب من مكتب تحرير المجلة، في البريد الإلكتروني الذي تلقاه يوم الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أن يدبر حلاً بديلاً.

 

وأضاف مدير المجلة مونتكلير متسائلاً: “هل تم إلغاء الحفل لأن الجمعية الوطنية لا تريد إعطاء المجال لشخص معروف بانتقاده اللاذع لعالم السياسة”.

 

وأوضح برونو لورو، رئيس فريق الاشتراكيين في البرلمان الفرنسي قائلاً: “على هامش بعض التصريحات الجدلية لنعوم تشومسكي حول ابن لادن، فقد ارتأينا إلغاء التكريم، كما أن تشومسكي تبنَّى في السنوات الأخيرة تصريحاتٍ مثيرة للجدل حول نظريات المؤامرة وإنكاره للمحرقة، وكلها تصريحات لا يمكن للحزب الاشتراكي الدفاع عنها”.

 

إلا أن محيط رئيس البرلمان، كلود بارتولون، نفى أن يكون هو وراء إلغاء الحفل، فيما حمَّل المسؤولية للفريق الاشتراكي في البرلمان؛ إذ قال: “المجموعة الاشتراكية هي التي نظمت الحدث (ومِن ثَمَّ ألغته)، وليس لدى رئاسة الجمعية ما تفعله حيال ذلك”، مضيفاً أن الحفل لم يكن على جدول أعماله.

 

يذكر أن تشومسكي قد نشر مقالًا بعنوان: “ردة فعلي حيال مقتل ابن لادن”، أكد فيه انتهاك أميركا لأعراف القانون الدولي باغتيال مؤسس تنظيم القاعدة، لأنها لم تَسْعَ لاعتقاله رغم عدم إظهاره مقاومة أثناء عملية اغتياله.

 

وأوضح في مقاله المنشور عام 2011، أن الدول التي تمتلك أدنى علامات لاحترام القانون تعتقل المشتبه به وتعطيه فرصة في محاكمة عادلة، مؤكدًا أن ابن لادن كان مجرد مشتبه فيه واستشهد بتصريحات لرئيس المخابرات الأميركية ليؤكد أن الـ FBI لم تملك أي دليل ضده.

 

وتابع حديثه عن بعض القضايا المتهم فيها ابن لادن من دون دليل قاطع، وسرد كذلك قصص ضحايا سابقين قتلتهم سلطات بلاده دون أدلة قاطعة على جرائمهم، حسب ما ورد بمقاله.

 

من هو تشومسكي؟

هذا السجال ليس دفاعاً عن تشومسكي لأننا نختلف معه جذرياً في قضايا كبرى ومفصلية، تبدأ من إيماننا بالله عز وجل ونبوة خاتم الأنبياء والمرسلين محم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛كما نختلف معه حول الكيان الصهيوني فهو يناوئ عنصريته وتوسعيته، أما نحن المسلمين فنعترض على كيان الظلم أصلاً وتفريعاً، لأنه بُني على الظلم واغتصاب أرض إسلامية بالقوة وبتأييد من الغرب الصليبي منذ ما قبل الاغتصاب حتى اليوم.

 

لكن الهدف من تسليط الضوء على اضطهاد تشومسكي في الغرب، هو تعرية التجارة الغربية بأكاذيب الحرية الفردية وحريات التفكير والتعبير!!

 

ولكي يتبين لمن لا يعرف موقع تشومسكي في عالم الفكر الغربي، نقتبس هذه الخلاصة بإيجاز عن موسوعة ويكبيديا:

أفرام نعوم تُشُومِسْكِي (Avram Noam Chomsky) (مولود في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا) هو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي. وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي عمل فيه لأكثر من 50 عاماً. وبالإضافة إلى عمله في مجال اللسانيات كتب تشومسكي عن الحروب والسياسة ووسائل الإعلام وهو مؤلف لأكثر من 100 كتاب.

 

ووفقاً لقائمة الإحالات في الفن والعلوم الإنسانية عام 1992 فإنه قد تم الاستشهاد بتشومسكي كمرجع أكثر من أي عالم حي خلال الفترة من 1980 حتى 1992، كما صُنف بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بها على الإطلاق. وقد وُصف تشومسكي بالشخصية الثقافية البارزة، حيث صُوت له كـ "أبرز مثقفي العالم" في استطلاع للرأي عام 2005.

 

ويوصف تشومسكي أيضاً بأنه "أبو علم اللسانيات الحديث"كما يعود إليه تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللسانيات النظرية في القرن العشرين. ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ "تراتب تشومسكي" ونظرية النحو الكلي ونظرية تشومسكي-شوتزنبرقر.

 

اشتهر تشومسكي بنقده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ورأسمالية الدولة ووسائل الإعلام الإخبارية العامة كما يُعتبر كذلك منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأمريكية.

 

عار ما بعده عار

إذا كان رجل بسجل تشومسكي وحجم إنجازاته عندهم، يجري اضطهاده والتعتيم عليه، وهو ملحد من عائلة يهودية، فتباً لشعارات الحرية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب وعبيده صباح مساء!!

 

تمنيت وأنا أرصد أصداء هذا الحدث الفاضح أن أعثر على كلمة نقد من أي تغريبي عربي ولو بصيغة عتاب لسادته الطغاة الغربيين بغلاف ديموقراطي!!

 

وفي المناسبة فإن وسائل الإعلام الكبرى في الغرب بعامة وأمريكا بخاصة، تمارس تعتيماً مستمراً على تشومسكي فلا تجري حوارات معه، وهي تلهث وراء الغث والسمين!! مع علم هؤلاء الذين يفرضون عليه الحَجْر الإعلامي أنه ليس في حاجة أضوائهم، كما أن حديثه لا يلقى رواجاً بين عامة الناس، فأسلوبه معقد في طرح أفكاره وليس سلساً يجذب من يقرأ لقاءاته أو يستمع إليه في تلفاز أو إذاعة!!