منقول.. عاجل.. الدجال قادم
25 ربيع الثاني 1438
أمير سعيد

أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ،  فإذا تصافوا قالت: الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا، نقاتلهم فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث لا يفتنون أبدًا، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خالفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل".

 

 

الواقع أن ما حرك الجيش في المرة الثانية بالعودة حينئذ لم يكن سوى "شائعة"، هذا الجيش لم يكن سيئاً أبداً بل كان الأروع في الحقيقة، فلقد حظي ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، بأن جنوده "لا يفتنون أبداً"، و"هم خيار أهل الأرض"، ويبدو أننا كأمة سنظل نقع فريسة الشائعات حتى آخر الزمان.

 

 

"الله أكبر.. فتحت..."، "... تتحرر"، ".... تحترق، تباد، تدمر"، عبارات قد تسمعها أو تقرأها بلسان أو قلم داعية أو مفكر، عبارة أخرى عجيبة أو قصة مختلقة يتذرع صاحبها وهو الدارس لعلوم الشريعة بكون محتواها "منقول".. فلا هذه فتحت أو تحررت، ولا تلك أبيدت، ولا القصة المذكورة لها أصل، ولا هذه العبارة صحيحة شرعاً.. الخ

 

 

لا مشكلة أبداً أن يقع في مثل هذا عامة الناس وجهلاؤهم ودهماؤهم، فهذا معلوم من الأمم والشعوب بالضرورة، لكن أن يكون هذا هو سبيل المفكرين والمنظرين والقادة، قادة الفكر وغيره، ومستشرفي المستقبل وواضعي المناهج والتصورات فهذا هو المؤلم.

 

 

إن منهجنا الإسلامي قام على التحري والتدقيق والتثبت؛ فاحتفظت الأمة بتراثها الخالد عبر هذا المنهج، وحرص القرآن الكريم على طلب الأدلة والبراهين في كثير من آياته في الجدل مع الكافرين، كما أمر المؤمنين بالتثبت، لئلا يصيبوا قوماً بجهالة، كما أمرهم بألا يذيعوا الشائعات ولا حتى الأمور الحقيقية التي من شأنها أن تحدث بلبلة في الصف المسلم دونما الرجوع لأولي النهى، وهذا منهج معروف بما لا يحتاج لتفصيل في هذه السطور، وهذا معلوم حتى لمعظم من تتوجه لهم هذه السطور بالنصح، لكن بما أننا نعيش كثيراً حالة اغتراب بين ما نؤمن به حقيقة وما نطبقه، بين ما نتخذه منهجاً وما نمارسه؛ فإن التذكير واجب هنا لاسيما حين يترتب على هذا الاندفاع غير المفهوم إلا في سياق حالة انفصام يعيشها كثير من أهل الخير بين ما تعلموه وما يمارسونه، سقطات كثيرة نجد صداها المؤسف في حالتنا الإسلامية الراهنة.

 

 

فسقطة نراها مع وقوع كثير من الطيبين، ومنهم للأسف وجوه للناس، في فخ "عاجل" الذي تشعر معه بهذا الرجل العاقل وذاك الحكيم، وقد أصابته حالة "سكر" واضطراب حين يحس بأنه سيقدم خبراً أو معلومة عاجلة لمتابعيه؛ فيندفع بتهور يفقد معه أبسط قواعد التحري والتدقيق التي ربما يجلس يدرسها لمحبيه!

 

 

وسقطة نراها مع استخدام بعض الخبثاء لأهل الصلاح في نشر أخبار كاذبة نيابة عنهم، استغلالاً لضعف الكثيرين أمام "طُعم" التفرد والحصرية والخصوصية والمعرفة ببواطن الأمور!

 

 

وسقطة نراها في تحول كثيرين منا لطرق عبور لقصص عجيبة وحكايات وعظية ما أنزل الله بها من سلطان، لا هي حصلت، ولا هي تحوي مدلولاً شرعياً قويماً؛ فتضيع معها أوقات وتبتذل معها الدعوة ويهان فيها الوعظ ويتدنى.

 

 

وسقطة نراها في الوقوع في حبائل الشيطان الذي أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب لكنه بعدُ لم يأيس ولن يفعل فيما يتعلق بالتحريش بين المسلمين، وفي إثارة النعرات وفصل المسلمين بأوهام حدود التراب واستعلاء الأوطان والشعوب الواقعة جميعها أو تكاد تحت نير الاستعباد الخارجي، فيما تحارب طواحين الهواء مع إخوانها.. هذا أيضاً تحت لافتة "منقول".. "عاجل"!

 

 

سقطة نعاينها مع من يمررون من حيث لا يدركون تغييباً للعقول والأفهام بعيداً عن القضايا المهمة والخطيرة للأمة بحرفهم بسيل جارف من الأخبار الباطلة "المنقولة".. أو "العاجلة"، حتى غدت تلك السياسة من أنجح الوسائل التي يخدر بها المتسلطون عقول المسلمين باختلاق قضايا ومشكلات لتكون ملهاة للناس عن مشكلاتهم واستحقاقات مراحلهم الآنية والمفصلية.

 

 

بالله، لا تستهينوا بمثل هذه السقطات؛ فدونكم بالحديث الجمع جيش، والجيوش من شأنها الانضباط والخضوع لتوجيهات القادة لا الشائعات، ويوصف بأنه "من خيار أهل الأرض يومئذ"، فهو ليس حشداً من الدهماء والسوقة، وهو بعدُ منتصر في معركة عظيمة، فتح عاصمة الدنيا، القسطنطينية، وتوابع المعركة لم تنته بعد، فالغنائم هائلة تأخذ الألباب بعيداً عن الأخبار البعيدة، وهم "لا يفتنون أبداً"، مع هذا لم يُلتفت لمصدر الصوت، إذ لم يكن الصوت صادراً إلا عن شيطان يصرخ في الجيش.. نفذ سهم الشائعة وأصاب وجهة الجيش فحركه بسبب خبر "باطل".. منقول.. عاجل!