قراءة في زيارة "الجبير" للعراق
1 جمادى الثانية 1438
تقرير إخباري - محمد الشاعر

لا شك أن الاهتمام الإعلامي الكبير بزيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير أول أمس السبت لبغداد له ما يبرره , فالزيارة هي الأولى من نوعها بهذا المستوى الدبلوماسي الرفيع منذ سنوات طوال , كما أنها تأتي عقب عودة توتر علاقة السعودية بالعراق بعد تقديم بغداد طلبا في أغسطس/آب الماضي للرياض، لاستبدال سفيرها في بغداد ثامر السبهان الذي يعتبر أول سفير للسعودية في العراق، بعد إغلاق بلاد الحرمين سفارتها في بغداد إثر غزو القوات العراقية للكويت في عام 1990.

 

 

 

البعض قرأ الزيارة على أنها اختراق سعودي لأهم وأبرز أماكن هيمنة ونفوذ طهران , ومن هنا اعتبر الكاتب السعودي "سعود الريس" الذي يرأس تحرير الطبعة السعودية من صحيفة "الحياة" زيارة الجبير هي "اختراق للسياسة الإيرانية في العراق" , قائلا لوكالة الأناضول : "زيارة مسؤول سعودي بارز مثل الجبير للعراق تحمل معاني كبيرة، فهي بمثابة مد يد للعراق لاستعادته لحاضنته العربية، بعد أن سعت إيران لوضع جدار بينه وبين وأشقائه العرب".

 

 

 

كما اعتبر "الريس" أن العراق أصبح اليوم على قناعة بأن عليه استعادة مكانته في العالم العربي , وأن الزيارة تقرأ في هذا الإطار , خصوصا بعد تأكيد الكاتب بأن جزءا كبيرا من مشاكل العراقيين كان بسبب تغلغل الوجود الإيراني وانتشاره وسيطرته على بعض مفاصل الحياة في بلاد الرافدين .

 

 

 

وأشار الكاتب إلى استفادة الدبلوماسية السعودية – حسب رأيه - من وصول "ترامب" إلى البيت الأبيض للقيام بمثل هذا الاختراق , حيث رد "الريس" على سؤال حول تأثير سياسات ترامب في المنطقة بتحقيق هدف زيارة الجبير بالقول : "ترامب لديه قراءة لواقع المنطقة ، وسياساته تنطلق من تلك القراءة ، ولا شك أنه يعمل على أن تستجيب إيران للمنطق وتتخلى عن أدوارها في زعزعة استقرار المنطقة"

 

 

 

كما ألمح إلى التوقيت المناسب للزيارة , حيث "تأتي في ظروف جيدة للعراق بعد اندحار "داعش" , مع الأخذ بالاعتبار أن السعودية عضو في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم في العراق أو سوريا" , معتبرا أن الفرصة باتت مهيأة لمزيد من تقارب العراق مع المحيط العربي الذي تقوده السعودية اليوم" , وأن تسمية الرياض سفيرا جديدا لها في بغداد حسب تصريح "الجبير" سيعزز من هذا التقارب .

 

 

 

من جانبه اعتبر الكاتب والمحلل العراقي "إياد الدليمي" في حديث للأناضول أن الزيارة "تندرج في إطار المسعى الخليجي لإبعاد العراق عن إيران وبالعكس" , مضيفا أن : "دول الخليج العربي تسعى لاستثمار فرصة تصريح ترامب في أكثر من مناسبة عن امتعاضه الشديد من التوغل الايراني في العراق الذي وصفه في أحد خطاباته بالسيطرة على العراق من قبل ايران ... للعمل على إضعاف النفوذ الصفوي على بلاد الرافدين .

 

 

 

وبعد أن نوه "الدليمي" إلى أن "الظرف مناسب للعراق الآن كي يرسم سياساته بنفسه بعيدا عن تدخل إيران أو أي تدخل خارجي" , أكد أن "فتح السعودية قنوات الحوار مع العراق هو مبادرة إيجابية للطرفين ، ووجود سفير سيخدم كثيرا في تقريب وجهات النظر بين البلدين".

 

 

وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري قد قال في مؤتمر صحفي : إن الجبير أبلغه خلال اجتماعهما بأن الرياض عينت سفيرا جديدا لها في بغداد، خلفا للسفير ثامر السبهان، دون مزيد من التفاصيل بشأن هوية السفير الجديد وموعد استلام مهامه.

 

 

 

"الدليمي" رغم تأكيده على أهمية الزيارة وتوقعه أن يكون لها "انعكاسا كبيرا على العلاقات العراقية السعودية – وبالتالي الخليجية - مستقبلا , ودعوته رئيس الوزراء العراقي لاستثمار الزيارة وتحذيره من تضييع الفرصة , معتبرا أن الزيارة ستظهر قدرة "العبادي" ونيته في التعامل مع المرحلة المقبلة التي وصفها بأنها : مرحلة قص أجنحة إيران في العراق.......

 

 

إلا أنه أكد أن هناك أطراف عراقية "غير سعيدة" بالزيارة مطلقا , مشيرا إلى أنها بالمجمل أطراف شيعية لها أجندات ايرانية ، سبق لها أن أسهمت بشكل فاعل في تخريب علاقات العراق بمحيطه العربي ....

 

 

 

على الصعيد الرسمي أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري في بغداد أن لدى الرياض وبغداد رغبة مشتركة للتعاون في سياق القضاء على "تنظيم الدولة" , مضيفا أن "السعودية تتطلع إلى بناء علاقات متميزة مع العراق"، لافتا إلى نيته زيارة العراق مرة ثانية دون أن يحدد موعدا.

 

 

 

من جانبه، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية "أحمد جمال" زيارة الوزير السعودي بأنها "مهمة بالنسبة للعراق؛ من أجل بناء علاقات صحيحة ومتوازنة مع السعودية لما تملك من أهمية وتأثير دولي وإقليمي" , معربا عن اعتقاده أن الزيارة ستعطي زخماً إيجابياً لفتح صفحة علاقات جديدة مع السعودية .

 

 

 

لا يجادل اثنان في أهمية قيام السعودية بهذه الخطوة الجريئة رغم تأخرها حسب رأي البعض , إلا أنه لا ينبغي الإسراف في التعويل على مدى استجابة ساسة العراق لليد السعودية الممدودة لإعادة بلاد الرافدين لحضنها العربي الإسلامي , فالتغلغل الرافضي في مؤسسات الدولة وصل إلى مداه , ليس على المستوى السياسي والدبلوماسي فحسب , بل وعلى المستوى العسكري أيضا , خصوصا بعد شرعنة وقوننة مليشيا الحشد الصفوي التي تأتمر بأمر مرشد إيران ودمجه بشكل رسمي بما يسمى "الجيش العراقي" .