بقاء طاغية الشام "ضرورة للإنسانية"!!
8 رجب 1438
منذر الأسعد

لم يستفزني بوق ترامب في الخارجية الأمريكية ولا بوقه في مجلس الذعر الدولي،  عندما أعلنا كل من موقعه، أن رحيل هولاكو العصر بشار الأسد عن السلطة لم يعدْ من أولويات الولايات المتحدة ، ورددا ببغاوية مقرفة ما كان تيس أمريكا المستعار بوتن ينفثه في العُقَد منذ ست سنوات!!وهو خرافة: أن مصير نيرون الشام يقرره السوريون! والمقصود بذلك: انتخابات تنفذها مخابرات الطاغية كالعادة منذ تأسيس جملوكية العائلة على يد أبيه المقبور، ولكن مع فارق إضافي نوعي مهم،  يتمثل في أن 14 مليون سوري تم تشريدهم (99% منهم من المسلمين أي:  أهل السنة لضرورة البيان ) ..

 

الفرح الغاضب
شعرتُ في الأيام الأخيرة أنني- وعدد محدود من أمثالي- نشاز فاقع .. فالأكثرية الساحقة من السوريين ومن سائر العرب المتعاطفين مع مظلمتهم الفظيعة، قالوا في مفاجأة ترامب ما لم يقله مالك في الخمر.. وشراذم الشبيحة أقاموا الأفراح والليالي الـمِلاح بإعلان أمريكا "عن هزيمتها واستسلامها " أمام "صمود القائد الضرورة الفذ وجيشه الباسل"!!

 

وما دامت المفاجآت تهطل علينا فلمَ لا يكون لي نصيبٌ منها؟

 

حسناً، سأفاجئ القراء الأفاضل بأنني اغتبطت بالموقف الأمريكي الأخير،  لأنه أول موقف علني صادق في التعبير عن الموقف الأمريكي المناوئ بشراسة للثورة السورية،  والحاقد على السوريين إجمالاً منذ عشرات السنين وقبل أن يتخيل مخلوق أنهم سوف يثورون يوماً على الجحيم النصيري!

 

ما فعله ترامب في لحظة صدق مع الذات نادرة،  هو أنه أسقط تقية أوباما اللعينة،  وجهر بنصف الحقيقة المحجوبة  أي أن أمريكا  لا تمانع في بقاء بشار !! وأما النصف المتبقي فهو أنها بذلت كل جهد ممكن من وراء ستار لتحقيق غايتها بإبقائه حتى يهلك .. وأنها سوف تبذل كل ما تتطلبه المهمة القذرة ولو بلغت حدود التدخل العسكري لتصفية كل مصدر خطر على كرسيه.

 

وها هي أمريكا تستطيع في 24 أن تجبر الفصائل العسكرية "المعارِضة" على التوحد، مع أنها ظلت تشكو من تفرق هذه الفصائل طول السنوات الماضية،  لتبرر منعها كل سلاح فعال يوقف وحشية الطاغية أو يقلصها على الأقل.

 

-لماذا الآن؟
=المهمة واضحة:  تصفية الذين فشل بشار وبوتن وخامنئي وقطعانهم في القضاء عليهم .. طبعاً لا بد من دمغهم جميعاً بالإرهاب والتبعية لتنظيم القاعدة،  ويتعذر توصيفهم بأنهم دواعش لأن العداوة المتبادلة بينهم وبين داعش هي الأشد من سائر العداوات:  الصحيح منها والمزعوم!!

 

شذوذ يؤكد القاعدة
لقد كان الموقف الأمريكي ضد الشعب السوري قراراً إستراتيجياً وليس رؤية لأوباما .. وكان هذا محل جدل كبير من قبل،  وقلما اقتنع الناس بنظريتي هذه من قبل.. وها هو ترامب يثبت دقة تلك التحليلات..

 

وفي العهدين-عهد ترامب وعهد سَلَفه-، يجب أن نلاحظ الغياب التام لأي خلافات جادة في الكونغرس حول المحنة السورية!! وهذا أمر مريب لأنه غير مألوف !!

 

هناك رجلان اثنان الجمهوري جون ماكين والديموقراطي ليندسي غراهام،  كانا وما زالا يعارضان السياسة الأمريكية إزاء المأساة السورية ..
وهذا يعيد إلى الذاكرة عضو الكونغرس الجريء بول فندلي الذي جاهر قبل 35 سنة  بمناوأة الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني،  فدفع الثمن باهظاً وتم تدمير مستقبله السياسي .. وقد وثَّق الرجل تجربته المريرة ضد الهيمنة الصهيونية على مفاصل القرار في بلاده، وخاصة في كتابيه الشهيرين:  (من يجرؤ على الكلام) و( الخداع)!!

 

والفرق الكبير أن فندلي كان أشجع من ماكين وغراهام فهما حتى اللحظة يفسران إجرام بلدهما في سوريا بسوء التقدير تارة والتردد تارة أخرى ....
وإلا فكيف يلتقي النقيضان اللدودان أوباما وترامب عند حماية سفاح العصر مع أنهما لا يتفقان على لون مياه البحر؟

 

لنقرأ معاً تصريحات ماكين بعد تخلي إدارة ترامب عن تقية أوباما:  
قال السيناتور ماكين:  إن السوريين لا يمكنهم تقرير مصير الأسد في الظروف الحالية التي يمرون بها،  وذلك في رد على تصريح أدلى به وزير الخارجية الأمريكي،  ريكس تيليرسون،  قال فيه إن الشعب السوري هو من يقرر مصير الرئيس السوري،  بشار الأسد على المدى البعيد.

 

 

جاء ذلك في بيان لماكين،  قال فيه:  “هذا يغض الطرف عن الحقائق الفظيعة المتمثلة بأن الشعب السوري لا يمكنه تحديد مصير الأسد أو مستقبل بلدهم في الوقت الذي يذبحون فيه عبر براميل الأسد المتفجرة.”وفق ما ذكرت شبكة “سي إن إن”.

 

 

وأضاف:  “كيف يمكن للسوريين تقرير مستقبل الأسد في الوقت الذي يذبحون فيه على يد الأسد وطائرات بوتين وإرهابيي إيران،  ولا بد لأي استراتيجية أمريكية في هذا الشأن أن تعكس هذه الحقائق.”

 

ولكن من الناحية الأخلاقية يبقى في سجل ماكين اعترافه الجلي:  إن بقاء الديكتاتور في دمشق يعني أننا شركاؤه في قتل السوريين!!

 

 

خطوة للأمام .. خطوة للخلف
لكي تكتمل المسرحية بأدوارها الموزعة جيداً،  ارتفع صوت القارة الأوربية بعد سنوات من التظاهر بالصمم والبكم،  فقط بعد صدع واشنطن بموقفها الحقيقي بلا تزويق زائف،  أكد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي،  يوم الاثنين- 3 ابريل/نيسان 2017-،  في لوكسمبورغ  أنه لا يمكن لرأس النظام في سوريا بشار الأسد البقاء في السلطة في نهاية المرحلة الانتقالية السياسية التي يدعون إليها،  وذلك رداً على ما بدا أنه "تحول في الموقف الأمريكي".

 

وإليكم تفاصيل التلاعب بالألفاظ:
-قال وزير الخارجية الهولندي برت كوندرس عند وصوله الى اجتماع الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ:  "كان لدينا على الدوام الموقف نفسه،  لا أعتقد أن هناك مستقبلا للأسد،  لكن القرار يعود للشعب السوري".

-وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-مارك آيرولت إنه يجب "حصول انتقال سياسي فعلي وعند انتهاء العملية السياسية وحين يتعلق الأمر ببناء سوريا المستقبل،  لا يمكن لفرنسا أن تتصور للحظة أن سوريا هذه يمكن أن يديرها الأسد طالما أنه يتحمل مسؤولية في الوضع الراهن،  أكثر من 300 ألف قتيل وسجناء وتعذيب وبلد مدمر،  أعتقد انها مسألة الحس بالمسؤوليات".

 

 

-وقال وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال:  "لقد قلنا على الدوام إنه يعود للسوريين أن يقرروا من سيكون رئيسهم وأي حكومة ستكون لديهم،  وأنه من غير المجدي تسوية مسألة الأسد في البداية لأن ذلك سيقود إلى طريق مسدود".

 

 

ورأى أن "الولايات المتحدة أصبحت الآن تعتمد موقفاً أكثر واقعية من السابق" عبر تخليها بشكل واضح عن المطالب برحيل الأسد؟ !!
هنا عادت أمريكا لتلعب لعبة التقية من جديد،  لأن الصراحة الوقحة تسيء إليها بلا مقابل!!

 

فقد تراجعت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي عن تصريحها السابق  حول مصير المجرم بشار ،  مؤكدة أن “مجرم الحرب هذا سيبقى من أولويات واشنطن دائما”.

 

وأكدت هايلي أن “الأسد دائما أولوية،  هو مجرم حرب وقد فعل أشياء فظيعة ضد شعبه واستخدم السلاح الكيميائي ضده ولا يزال يمثل عقبة للسلام في سوريا والإدارة الأميركية بهذا بقوة”،  مشيرةً إلى أن “الإدارة الأميركية بالإضافة إلى موقفها هذا من الأسد،  يجب أن تبدأ بممارسة الضغوط على روسيا وإيران من ناحية ضرورة إخراج إيران من سوريا والتخلص من النفوذ الإيراني هناك”.

 

لكن الحقيقة -كما مرت في نص كلامها قبل سطور قليلة -أطلت برأسها رغم أنف الدبلوماسية الماكرة،  فقد قالت:  بشار سيبقى من أولوياتنا ولم تقل:  إزاحة بشار ستبقى من أولوياتنا -ولو دجلاً كالعادة-!!