موت الغرب .. وتصفيقنا الأبله
6 شعبان 1438
منذر الأسعد

الجديد في فرضية انهيار الغرب كمنظومة حضارية وسياسية أن تناقشها بي بي سي بإسهاب .. مع أن الموضوع مطروح منذ عشرات السنين.. طرحه مفكرون غربيون أشهرهم الألماني أوسفالد شبنغلر (1880-1936م) صاحب كتاب : انحدار الغرب، الذي تُرجم إلى العربية بعنوان : تدهور الغرب ..وما زالت مقولة انهيار الغرب محل جدل  مستمر وقد تجددت على يد الأمريكي باتريك جيه . بوكانن الذي عمل مستشاراً كبيراً لثلاثة رؤساء أمريكيين، وخاض انتخابات الرئاسة عن حزب الإصلاح في العام 2000؛ وهو مؤلف عدة كتب رائجة أشهرها: موت الغرب  وكاتب عمود صحفي ينشر في عدة صحف، وعضو مؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون العامة في محطة إن بي سي، وسي إن إن.

 

سردية بي بي سي
نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تقريرًا How Western Civilization Could Collapse حاولت فيه الكاتبة راتشيل نوير الإجابة عن أسئلة حول إمكان انهيار الحضارة الغربية وكيفيته -إذا كان متوقعاً- وأسبابه ...

 

 

تقول الكاتبة: إن أستاذ الاقتصاد السياسي، بنجامين فريدمان، شبه المجتمع الغربي المعاصر بدراجة مستقرة تدور عجلتاها بفعل النمو الاقتصادي. لو تباطأ هذا النمو أو توقف، فإنَّ الأعمدة التي تعرّف هذا المجتمع : الديمقراطية، والحريات الفردية، والتسامح الاجتماعي وغيرها ؛ سوف تبدأ في التداعي، وسوف يصبح العالم مكانًا قبيحًا باطراد، يسوده قانون التناحر على الموارد المحدودة الذي  ينتهي- ما لم ننجح في احتوائه- إلى انهيار مجتمعي تام.
وتستشهد الباحثة بانهيارات حدثت تاريخياً لحضارات سابقة، وتقتبس عن دراسات طازجة أن أشد خطرين داهمين يهددان الحضارة الغربية في الوقت الحاضر، هما التدمير البيئي المستمر، واستشراء الطبقية الاقتصادية/ الاجتماعية الحادة( إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤول عنها أعلى 10% من أصحاب الدخول في العالم تساوي تقريبًا مجموع الانبعاثات المسؤول عنها باقي الـ90% مجتمعين. وبالمثل، يعيش حوالي نصف سكان العالم على أقل من ثلاثة دولارات يوميًا)  ..

 

في منطقة الخطر
تنقل نوير عن هومر ديكسون، رئيس الأنظمة العالمية بكلية بالسيلي للشؤون الدولية في ووترلو كندا، ومؤلف كتاب The Upside of Down قوله: حتى إذا نحينا الحالة السورية جانبًا، فإنَّ من العلامات الأخرى على دخولنا منطقة الخطر زيادة معدل حدوث ما يسميه الخبراء بالنظام اللاخطي، أو التغيرات المفاجئة غير المتوقعة في نظام العالم، مثل الأزمة الاقتصادية التي وقعت عام 2008، أو صعود داعش، أو بريكسيت أو فوز دونالد ترامب في الانتخابات.

 

ويتوقع  ديكسون أنًّ انهيار المجتمعات الأوربية سوف يسبقه انسحاب الناس والموارد إلى أوطانهم الأصلية، ذلك أنَّ الدول الأفقر سوف تستمر في التحلل بسبب الصراعات والكوارث الطبيعية، ما سوف ينتج عنه موجات ضخمة من المهاجرين بعيدًا عن هذه المناطق الفاشلة، سعيًا وراء ملاذ آمن في دول أكثر استقرارًا. وسوف تستجيب المجتمعات الغربية بتقييد الهجرة، إن لم يكن بحظرها تماماً : سوف تُبنى جدران تكلف عدة مليارات من الدولارات، وتُستخدم قوات وطائرات بدون طيار تجوب الحدود وتكثف الإجراءات الأمنية حول من يُسمح له بالدخول، ويُطبق المزيد من السلطوية، وأنماط الحكم الشعبوية.

 

 

وفي غضون ذلك، فإنَّ الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء داخل هذه الدول الغربية الهشة بالفعل سوف تدفع المجتمع ناحية المزيد من عدم الاستقرار من الداخل. وقال مفكر آخر: «بحلول عام 2050، سوف تتطور الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتصبح مجتمعات ثنائية الطبقات حيث تعيش طبقة صغيرة حياة جيدة في الوقت الذي تتراجع فيه رفاهية الأغلبية. إنَّ ما سوف ينهار على الحقيقة هو العدل».

 

الانتظار "الشيعي" القديم
يشغل موت الغرب بال كثير من المسلمين -وبينهم دعاة ومفكرون- ..
وليس في ذلك بأس من حيث المبدأ،لكنه مشروط بأن نكون بنينا وحدتنا الإسلامية وانطلقنا في نهضة حضارية مختلفة تقوم على ثوابت ديننا، وتستفيد من معطيات العلم الحديث بما يوائمها..

 

وأما الانتظار السلبي والتهليل الصبياني لاحتمالات انهيار العدو، فمسلك يشبه خرافات الرافضة في انتظار مهديهم الأسطوري،ومع ذلك فقد ثاروا عليها وأقاموا دولة سرطانية تتغلغل في أجزاء حيوية من جسدنا الكبير.

 

وهنا أستذكر طرفة تعبر عن حالنا:
سأل أحدُهم الفقيهَ محمد بن مطروح الأعرج: حدَّثنا بعض القُصَّاص أن جهنم تخرب فما صحة ذلك؟ قال: ما أعظم شقاءك إن اتكلتَ على خرابها!!
إننا مأمورون بأن نتوكل على الله وحده ومن صدق التوكل الأخذ بأسباب الارتقاء  وعوامل النصر ..

 

ويكفي الآن التذكير بحديث  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) "     رواه أحمد (12902) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (479) ، وعبد بن حميد في "مسنده" (1216) ، والبزار في "مسنده" (7408)" .. ولفظ أحمد : ( إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة"