.. وكذلك واشنطن تحرق الروهينغيا
21 ذو الحجه 1438
أمير سعيد

"هذه مشكلة مستمرة منذ سنين طويلة للغاية والحكومة الجديدة تفاجأت بهذا الوضع فور توليها مهامها".

هذه ليست طرفة يضاحك بها المكلف بشؤون جنوب شرق آسيا في الخارجية الأميركية باتريك مورفي الصحفيين، لكنه تصريح "جاد" كان يقصد به الإيحاء بأن المشكلة المزمنة التي يعيشها المسلمون في أراكان المحتلة محض مفاجأة واجهت الحكومة الجديدة فاحتاجت لمساعدة لعلاجها لا للوم من واشنطن!

 

هذا التناقض الفج الذي حاول به المسؤول الأمريكي إخفاء تواطؤ الولايات المتحدة مع السفاحين الميانماريين لم يكفه لتغطية الموقف الدولي المتخاذل أمام الجرائم ضد الإنسانية التي تمارس ضد مسلمي أراكان؛ فزاد بعبارة تضع الضحية والقصاب في خانة واحدة، بقوله: "نحن مستمرون في إدانة هجمات من شتى الأنواع، هجمات ضد قوات الأمن وضد المدنيين ولكن أيضا هجمات يشنها مدنيون"، رافضاً الحديث عن فرض "عقوبات" على بورما أو حتى ممارسة "ضغوط" عليها.

 

فقط قال المسؤول الأمريكي إن بلاده تريد مساعدة الجيش من أجل حل هذه المشكلة "شديدة التعقيد" على حد وصفه.

 

دعونا نعود عقداً من الزمان، حيث قادت الولايات المتحدة أعضاء مجلس الأمن لفرض عقوبات على نظام الجنرالات الحاكم في ميانمار لأنه أجهض ثورة رهبان المطالبة بـ"الحريات" [*]، والتي أسفر قمعها عن مقتل شخص واحد في بدايتها.. حينها فُرضت عقوبات متنوعة على النظام الحاكم بسبب سقوط قتيل، وقمع ثورة سلمية، إثرها شرعت واشنطن في تعزيز ضغوطها على الجيش الميانماري من أجل تنصيب داعية السلام المزيفة أون سان سو تشي، حليفة واشنطن، وسليلة بيت العسكرتاريا الميانمارية رئيسة للحكومة الميانمارية، وهو ما قد تم بعد سنين.

 

لا ضغوط ولا عقوبات، ولا إدانة لقوى الأمن والجيش الذين لم يأت لهم ذكر في تصريح المسؤول الأمريكي، بسبب مجازر ومحارق وجرائم طالت ألف شهيد، وعمليات نهب، وتهجير أكثر من ربع مليون روهينغي في عدة أيام، فيما استدعى مقتل بوذي واحد عقد جلسة لمجلس الأمن وتوقيع عقوبات وإدانة وممارسة ضغوط فعالة.

 

هذه المقاربة ليس مقصودها التأكيد على سياسة واشنطن تجاه المسلمين في العالم، فتلك قد باتت معلومة للكثيرين، ولم يعد من اللائق إنفاق وقت في الدلالة عليها، غير أن المقصود هو الخلوص إلى أن هذه المرحلة التي تعيشها أمتنا الإسلامية اليوم ذات طابع خاص، لم يعد فيها أعداؤها بحاجة إلى ستر عوار انحيازهم بأي ستار، وأمست فيه الممارسات الإجرامية الدولية "على المكشوف"، ولم يعد فيه من سبيل لأي تعلق بأوهام "المجتمع الدولي"؛ فأصحاب الشأن، أعني حكام المجتمع الدولي الحقيقيين، هم بأنفسهم يعلنونها بصراحة: "لا تعلقوا خيباتكم على مشاجبنا، نحن لن نمارس ضغوطاً، ولن ندين، ولن نوقع أي عقوبة، هذا فضلاً عن تدخل دولي موهوم"!

 

وإن "المجتمع الدولي" بكل يقين لم يصل إلى هذه الدرجة من الإهانة والإذلال لنا كأمة إسلامية، إلا حينما استأنس منا خنوعاً وخضوعاً لا نظير له على مر التاريخ، فجاز بذاته المنطقة الرمادية التي كان يتموضع بها في "زمن الاستعمار".. بمعنى أوضح: أنه فارق مراحل كان يحتاج فيها معنا لقدر من تلطيف جرائمه وتلبيس الأمور على سذجنا، وأصبح أكثر وضوحاً في إبراز عداوته وصلفه وتكبره حين آنس منا ذلة وهواناً.. هذا، وإن حمل مرارة وغصة شديدين إلا أنه ينبغي أن يضع أمتنا، على الطريق الصحيح، طريق التجائها إلى مولاها واعتمادها على أسبابها الذاتية ومشاريعها الناهضة.. هذا وإلا صرنا من بعد عبيداً بصورة رسمية لا تحمل لبساً!

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*] يمكن مراجعة ذلك في مقال لقطات من ثورة رهبان بورما