الاحتفال بإبادة شعب
10 صفر 1439
خالد مصطفى

أعلنت الحكومة البريطانية نيتها الاحتفال بمرور 100 عام على ما يسمى بـ "وعد بلفور"، في إطار احتفالات رسمية، بما فيها فعالية رسمية من المقرّر إقامتها في لندن الخميس المقبل، بحضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو...وكانت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي قد رفضت طلب السلطة الفلسطينية الاعتذار عن وعد بلفور، معربة عن " فخرها" لذلك!...

 

وجاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة... 

 

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 أبريل سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 يوليو عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب....وبعد هذا الوعد المشؤوم تتابعت الهجرة اليهودية من شتى أقطار العالم، وانصهرت في بوتقة اليهودية أكثر من سبعين جنسية من مصر، واليمن، والحبشة، والعراق، والهند، وأوربا، وروسيا، وأمريكا، وغيرها... وفي عام (1948) م, ارتفع عدد اليهود من خمسين ألف مهاجر إلى ستمائة وخمسين ألفاً، ثم تتابعت الهجرات من كل أنحاء العالم... 

 

 

من جهتها اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة "الدولة اليهودية" في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة "وطن قومي" لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء "وطن" للشعب اليهودي في فلسطين... 

 

وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام الكيان الصهيوني، دليلا واضحا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: 'الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور'... وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة كيانهم المغتصب في الخامس عشر من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح "إسرائيل" أول كيان في تاريخ النظام السياسي العالمي ينشأ على أرض الغير، ويلقى مساندة دولية...

 

الإصرار البريطاني على الاحتفال بهذا الوعد الذي أدى إلى إبادة وتشريد الملايين عبر عشرات السنين أثار حفيظة الفلسطينيين حيث أكد مسؤول فلسطيني، على أن الحكومة البريطانية تقف إلى جانب استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط، باحتفالها بذكرى وعد بلفور.وأشار إلى أن ذلك يعد إصرارا على "تأييد الجريمة التي وقعت بحق الشعب الفلسطيني"...وقال أمين عام الرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، ردا على تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" التي عبرت فيها عن فخرها بالاحتفال بمئوية وعد "بلفور"...

 

إن احتفال بريطانيا بالذكرى المئوية لوعد "بلفور" ينم عن "جهل بحقائق التاريخ ووقاحة سياسية، وإصرار على تأييد الجريمة التي وقعت بحق شعبنا الفلسطيني"...وأضاف عبد الرحيم إن إصرار "ماي" على الاحتفال بمئوية الوعد إنما يمثل "تأييداً للسياسات العنصرية والقمعية التي يمارسها الاحتلال"...وتابع: " هذه التصريحات تؤكد بصورة لا نقاش فيها، أن بريطانيا تقف إلى جانب استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط"...العالم الغربي الذي يصف نفسه "بالمتحضر" يواصل كل يوم فضح نفسه أمام العالم بوقوفه مع الظالم والقاتل ضد المظلوم والمقتول ليس فقط في فلسطين بل في العديد من دول العالم خصوصا إذا كان هذا القتيل والمظلوم من المسلمين كما يجري الآن في سوريا وفي ميانمار وفي كشمير وفي غيرها..

 

الرائحة الكريهة التي تنبعث من المعايير المزدوجة والمصالح والصفقات المشبوهة التي يعقدها الغرب مع المستبدين وأولياؤهم, أصبحت تزكم الأنوف, دون أن نرى حمرة الخجل في وجوه من يزعمون الدفاع عن "الحرية وحقوق الإنسان".